فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} [ص: 75]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا خَلَقْتُ بيَدي)
قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِثْبَاتُ يَدَيْنِ لِلَّهِ وَهُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَتَا بِجَارِحَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُشَبِّهَةِ مِنَ الْمُثْبِتَةِ وَلِلْجَهْمِيَّةِ مِنَ الْمُعَطِّلَةِ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَهُ قُدْرَةَ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ الْمُثْبِتَةِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ فِي قَوْلِ النُّفَاةِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ قَادِرٌ لِذَاتِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَدَيْنِ لَيْسَتَا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ مَا مَنعك ان تسْجد لما خلقت بيَدي إِشَارَةً إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ السُّجُودَ فَلَوْ كَانَتِ الْيَدُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ آدم وابليس فرق لتشاركهما فِيمَا خلق كل مِنْهُمَا بِهِ وَهِيَ قُدْرَتُهُ وَلَقَالَ إِبْلِيسُ وَأَيُّ فَضِيلَةٍ لَهُ عَلَيَّ وَأَنَا خَلَقْتَنِي بِقُدْرَتِكَ كَمَا خَلَقْتَهُ بِقُدْرَتِكَ فَلَمَّا قَالَ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وخلقته من طين دَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ آدَمَ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ قَالَ وَلَا جَائِزَ أَنْ يُرَادَ بِالْيَدَيْنِ النِّعْمَتَانِ لِاسْتِحَالَةِ خَلْقِ الْمَخْلُوقِ بِمَخْلُوقٍ لِأَنَّ النِّعَمَ مَخْلُوقَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمَا صِفَتَيْ ذَاتٍ ان يَكُونَا جارحتين.

     وَقَالَ  بن التِّينِ .

     قَوْلُهُ  وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانَ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ الْيَدِ هُنَا بِالْقُدْرَةِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  بن فَوْرَكٍ قِيلَ الْيَدُ بِمَعْنَى الذَّاتِ وَهَذَا يَسْتَقِيمُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا بِخِلَاف قَوْله لما خلقت بيَدي فَإِنَّهُ سِيقَ لِلرَّدِّ عَلَى إِبْلِيسَ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الذَّاتِ لَمَا اتَّجَهَ الرَّدُّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هَذَا يُسَاقُ مَسَاقَ التَّمْثِيلِ لِلتَّقْرِيبِ لِأَنَّهُ عُهِدَ أَنَّ مَنِ اعْتَنَى بِشَيْءٍ وَاهْتَمَّ بِهِ بَاشَرَهُ بِيَدَيْهِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِخَلْقِ آدَمَ كَانَتْ أَتَمَّ مِنَ الْعِنَايَةِ بِخَلْقِ غَيْرِهِ وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ تُطْلَقُ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ اجْتَمَعَ لَنَا مِنْهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَعْنًى مَا بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ الْأَوَّلُ الْجَارِحَةُ الثَّانِي الْقُوَّةُ نَحْوُ دَاوُد ذَا الأيد الثَّالِث الْملك أَن الْفضل بيد الله الرَّابِع الْعَهْد يَد الله فَوق أَيْديهم وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  هَذِي يَدَيَّ لَكَ بِالْوَفَاءِ الْخَامِسُ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ قَالَ الشَّاعِرُ أَطَاعَ يَدًا بِالْقَوْلِ فَهُوَ ذَلُولٌ السَّادِسُ النِّعْمَةُ قَالَ وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدِي مِنْ يَدٍ السَّابِعُ الْمُلْكُ قُلْ ان الْفضل بيد الله الثَّامِنُ الذُّلُّ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ التَّاسِع أَو يعفوا الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح الْعَاشِرُ السُّلْطَانُ الْحَادِي عَشَرَ الطَّاعَةُ الثَّانِي عَشَرَ الْجَمَاعَةُ الثَّالِثَ عَشَرَ الطَّرِيقُ يُقَالُ أَخَذَتْهُمْ يَدُ السَّاحِل الرَّابِع عشر التَّفَرُّق تفَرقُوا أَيدي سَبَإٍ الْخَامِسَ عَشَرَ الْحِفْظُ السَّادِسَ عَشَرَ يَدُ الْقَوْسِ أَعْلَاهَا السَّابِعَ عَشَرَ يَدُ السَّيْفِ مِقْبَضُهُ الثَّامِنَ عَشَرَ يَدُ الرَّحَى عُودُ الْقَابِضِ التَّاسِعَ عَشَرَ جَنَاحُ الطَّائِرِ الْعِشْرُونَ الْمُدَّةُ يُقَالُ لَا أَلْقَاهُ يَدُ الدَّهْرِ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ الِابْتِدَاءُ يُقَالُ لَقِيتُهُ أَوَّلَ ذَاتِ يَدِي وَأَعْطَاهُ عَنْ ظَهْرِ يَدٍ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ يَدُ الثَّوْبِ مَا فَضَلَ مِنْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ يَدُ الشَّيْءِ أَمَامُهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الطَّاقَةُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ النَّقْدُ نَحْوُ بِعْتُهُ يَدًا بِيَدٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لِلثَّالِثِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ طُرُقٍ وَلِلرَّابِعِ طَرِيقَانِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الشَّفَاعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لِآدَمَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ



[ قــ :7015 ... غــ :7410] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ ضم الْفَاء وَهِشَام شَيْخُهُ هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ وَقَولُهُ عَنْ أَنَسٍ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ فِي الرِّقَاقِ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا أَنَسٌ .

     قَوْلُهُ  يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ هَكَذَا لِلْجَمِيعِ وَأَظُنُّ أَوَّلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَامٌ وَالْإِشَارَةُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ يَهْتَمُّونَ أَوْ يُلْهَمُونَ لِذَلِكَ بِالشَّكِّ وَسَيَأْتِي فِي بَاب وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ وَقَولُهُ هُنَا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَوَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَفِّعْ بِكَسْرِ الْفَاءِ الثَّقِيلَةِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هُوَ من التشفيع وَمَعْنَاهُ قبُول الشَّفَاعَة وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّثْقِيلُ لِلتَّكْثِيرِ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ وَقَولُهُ لَسْتُ هُنَاكَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ هُنَا كم وَقَولُهُ فَيُؤْذَنُ لِي فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيُؤْذَنُ لِي بِالْوَاوِ وَقَولُهُ قُلْ يُسْمَعْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْفَوْقَانِيَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَولُهُ سَلْ تُعْطَهُ لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي تُعْطَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِلَا هَاءٍ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ





[ قــ :7016 ... غــ :7411] .

     قَوْلُهُ  يَدُ اللَّهِ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الزِّيَادَةِ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ لَكِنْ سَاقَهَا فِيهِ مُسْلِمٌ وَأَفْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ يُرِيدُونَ ان يبدلوا كَلَام الله وَوَقَعَ فِيهَا بَدَلَ يَدُ اللَّهِ يَمِينُ اللَّهِ وَيُتَعَقَّبُ بِهَا عَلَى مَنْ فَسَّرَ الْيَدَ هُنَا بِالنِّعْمَةِ وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْخَزَائِنِ.

     وَقَالَ  أَطْلَقَ الْيَدَ عَلَى الْخَزَائِنِ لِتَصَرُّفِهَا فِيهَا .

     قَوْلُهُ  مَلْأَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهَمْزَةٍ مَعَ الْقَصْرِ تَأْنِيثُ مَلْآنَ وَوَقَعَ بِلَفْظِ مَلْآنَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَقِيلَ هِيَ غَلَطٌ وَوَجَّهَهَا بَعْضُهُمْ بِإِرَادَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَكَذَلِكَ الْكَفُّ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مَلْأَى أَوْ مَلْآنَ لَازِمُهُ وَهُوَ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْغِنَى وَعِنْدَهُ مِنَ الرزق مَالا نِهَايَةَ لَهُ فِي عِلْمِ الْخَلَائِقِ .

     قَوْلُهُ  لَا يَغِيضُهَا بِالْمُعْجَمَتَيْنِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُنْقِصُهَا يُقَالُ غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ إِذَا نَقَصَ .

     قَوْلُهُ  سَحَّاءُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُثَقَّلٌ مَمْدُودٌ أَيْ دَائِمَةُ الصَّبِّ يُقَالُ سَحَّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُثَقَّلٌ يَسِحُّ بِكَسْرِ السِّينِ فِي الْمُضَارِعِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَضُبِطَ فِي مُسْلِمٍ سَحًّا بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ .

     قَوْلُهُ  اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِيهِمَا وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ سَحَّ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ بِالْإِضَافَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا .

     قَوْلُهُ  أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ تَنْبِيهٌ عَلَى وُضُوحِ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ .

     قَوْلُهُ  مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ سَقَطَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ رِوَايَةُ هَمَّامٍ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ أَيْ يَنْقُصْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَلْأَى وَلَا يَغِيضُهَا وَسَحَّاءُ وَأَرَأَيْتَ أَخْبَارًا مُتَرَادِفَةً لِيَدِ اللَّهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ أَوْصَافًا لِمَلْأَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَأَيْتُمْ اسْتِئْنَافًا فِيهِ مَعْنَى التَّرَقِّي كَأَنَّهُ لَمَّا قيل ملأى أَو هم جَوَازَ النُّقْصَانِ فَأُزِيلَ بِقَوْلِهِ لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ وَقَدْ يَمْتَلِئُ الشَّيْءُ وَلَا يَغِيضُ فَقِيلَ سَحَّاءُ إِشَارَةٌ إِلَى الْغَيْضِ وَقَرَنَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ غَيْرُ خَافٍ عَلَى ذِي بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ بَعْدَ أَنِ اشْتَمَلَ مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِقَوْلِهِ أَرَأَيْتُمْ عَلَى تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ خِطَابٌ عَامٌّ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّقْرِيرِ قَالَ وَهَذَا الْكَلَامُ إِذَا أَخَذْتَهُ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مُفْرَدَاتِهِ أَبَانَ زِيَادَةَ الْغِنَى وَكَمَالَ السَّعَةِ وَالنِّهَايَةَ فِي الْجُودِ وَالْبَسْطَ فِي الْعَطَاءِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ سَقَطَ لَفْظُ قَالَ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْعَرْشِ هُنَا أَنَّ السَّامِعَ يَتَطَلَّعُ مِنْ قَوْلِهِ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَرْشه قبل خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَ عَلَى الْمَاءِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَاضِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ .

     قَوْلُهُ  وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانَ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ أَيْ يَخْفِضُ الْمِيزَانَ وَيَرْفَعُهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمِيزَانُ مَثَلٌ وَالْمُرَادُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى الْمِيزَانِ أَنَّهُ قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ وَوَقَّتَهَا وَحَدَّدَهَا فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مِنْهُ وَبِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ أَوِ الْقَبْضُ الْأُولَى بِفَاءٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ وَالثَّانِيَةُ بِقَافٍ وَمُوَحَّدَةٍ كَذَا لِلْبُخَارِيِّ بِالشَّكِّ وَلِمُسْلِمٍ بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ بِلَا شَكٍّ وَعَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ بِالْفَاءِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ بِالْمَوْتِ وَبِالْفَيْضِ الْإِحْسَانُ بِالْعَطَاءِ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَوْتِ يُقَالُ فَاضَتْ نَفْسُهُ إِذَا مَاتَ وَيُقَالُ بِالضَّادِ وَبِالظَّاءِ اهـ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِمَعْنَى الْمِيزَانِ لِيُوَافِقَ رِوَايَةَ الْأَعْرَجِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ الَّذِي يُوزَنُ بِالْمِيزَانِ يَخِفُّ وَيَرْجَحُ فَكَذَلِكَ مَا يُقْبَضُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ قَدْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّهُ يقبض ويبسط وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ وَفِي حَدِيث أبي مُوسَى عِنْد مُسلم وبن حِبَّانَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِسْطِ الْمِيزَانُ وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي قَوْلِهِ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ لِلْمِيزَانِ كَمَا بَدَأْتُ الْكَلَامَ بِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ الْقَبْضَ وَالْبَسْطَ وَإِنْ كَانَتِ الْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ لِتَفْهِيمِ الْعِبَادِ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهَا الْمُخْتَلِفَاتِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى إِلَى أَنَّ عَادَةَ الْمُخَاطَبِينَ تَعَاطِي الْأَشْيَاءِ بِالْيَدَيْنِ مَعًا فَعَبَّرَ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ لِتَفْهِيمِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِمَا اعْتَادُوهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لَفْظَ الْبَسْطِ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ مُقَابِلِهِ كَمَا تقدم وَالله أعلم الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث بن عمر





[ قــ :7017 ... غــ :741] .

     قَوْلُهُ  مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ عَمِّهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِي فِي بَابِ قَوْلِهِ مَلِكِ النَّاسِ يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ الَّتِي يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى مَنْ وَصَلَهَا يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَطْوِي الْأَرْضَ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بَدَلَ قَوْلِهِ بِشِمَالِهِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَزَادَ فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ وَأبي حَازِم عَن بن عُمَرَ فَيَجْعَلُهُمَا فِي كَفِّهِ ثُمَّ يَرْمِي بِهِمَا كَمَا يَرْمِي الْغُلَامُ بِالْكُرَّةِ .

     قَوْلُهُ  وَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ زَادَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ يَعْنِي عَنْ نَافِعٍ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْآجُرِّيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَهُوَ بن دَاوُدَ بْنِ أَبِي زَنْبَرٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ وَهُوَ مَدَنِيٌّ سَكَنَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِالرَّيِّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَانَ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ وَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مِمَّنِ اسْمُهُ سَعِيدٌ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَتِهِ وَصَرَّحَ الْمِزِّيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ الَّذِي عَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا هُوَ الزُّبَيْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  وقَال عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ يَعْنِي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الاسْتِسْقَاء وَشَيْخه سَالم هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَمُّ عُمَرَ الْمَذْكُورُ وَحَدِيثُهُ هَذَا وَصَلَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِذِكْرِ الشِّمَالِ فِيهِ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ وَقد رَوَاهُ عَن بن عُمَرَ أَيْضًا نَافِعُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ بِدُونِهَا وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ وَثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رَفَعَهُ الْمُقْسِطُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ آدَمُ اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ بِقَافٍ وَمُثَنَّاةٍ ثَقِيلَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُثَنَّاةٌ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ قَالَ وكلتا يَدَيْهِ يَمِين وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ كَذَا جَاءَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الشِّمَالِ عَلَى يَدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُقَابلَة المتعارفة فِي حَقِّنَا وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ إِطْلَاقِهَا عَلَى اللَّهِ حَتَّى قَالَ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ نَقْصٌ فِي صِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّ الشِّمَالَ فِي حَقِّنَا أَضْعَفُ مِنَ الْيَمِينِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْيَدِ صِفَةٌ لَيْسَتْ جَارِحَةً وَكُلُّ مَوْضِعٍ جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَة فَالْمُرَادُ تَعَلُّقُهَا بِالْكَائِنِ الْمَذْكُورِ مَعَهَا كَالطَّيِّ وَالْأَخْذِ وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَالْقَبُولِ وَالشُّحِّ وَالْإِنْفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تَعَلُّقَ الصِّفَةِ بِمُقْتَضَاهَا مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بِحَالٍ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِمَا يَلِيقُ بِهِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ إِلَخْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى ملك النَّاس الْحَدِيثُ الرَّابِعُ





[ قــ :7018 ... غــ :7414] .

     قَوْلُهُ  سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَسُلَيْمَانُ هُوَ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَعَبِيدَةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ بن عَمْرٍو وَقَدْ تَابَعَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ مَنْصُورٍ على قَوْله عُبَيْدَة شَيبَان بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَنْصُورٍ كَمَا مَضَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّمَرِ وَفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ وَجَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَخَالَفَهُ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي قَوْلِهِ عَبِيدَةَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَجَرِيرٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالُوا كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بَدَلَ عَبِيدَةَ وَتَصَرُّفُ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ الْأَعْمَشِ على الْوَجْهَيْنِ واما بن خُزَيْمَةَ فَقَالَ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ وَهُمَا صَحِيحَانِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ يحيى هُوَ بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رَاوِيهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ هُوَ مَوْصُولٌ وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ وَقَدْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ فُضَيْلٍ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ جَاءَ حَبْرٌ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ زَادَ شَيْبَانُ فِي رِوَايَتِهِ مِنَ الْأَحْبَارِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِي رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ فُضَيْلٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ يَجْعَلُ بَدَلَ يُمْسِكُ وَزَادَ فُضَيْلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَبَلَغَكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَنَّ اللَّهَ يَحْمِلُ الْخَلَائِقَ .

     قَوْلُهُ  وَالشَّجَرُ عَلَى إِصْبَعٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ وَالثَّرَى وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ الْمَاءُ وَالثَّرَى وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءُ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ .

     قَوْلُهُ  وَالْخَلَائِقُ أَيْ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُضَيْلٍ وَشَيْبَانَ وَسَائِر الْخلق وَزَاد بن خُزَيْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ مُحَمَّدٌ عَدَّهَا عَلَيْنَا يَحْيَى بِإِصْبَعِهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.

     وَقَالَ  وَجَعَلَ يَحْيَى يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ يَضَعُ إِصْبَعًا عَلَى إِصْبَعٍ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ.

     وَقَالَ  رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُشِير بأصبع أصْبع وَوَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ عَلَى ذِهِ وَالْأَرْضِينَ عَلَى ذِهِ وَالْمَاءَ عَلَى ذِهِ وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهِ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهِ وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ يَعْنِي أَحَدَ رُوَاتِهِ بِخِنْصَرٍ أَوَّلًا ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الْإِبْهَامَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ مَسْرُوقٍ عِنْدَ الْهَرَوِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ كَرَّرَهَا عَلْقَمَةُ فِي رِوَايَتِهِ وَزَادَ فُضَيْلٌ فِي رِوَايَتِهِ قَبْلَهَا ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ .

     قَوْلُهُ  فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَلَفْظُهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ جَمْعُ نَاجِذٍ بِنُونٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الضَّحِكِ مِنَ الْأَسْنَانِ وَقِيلَ هِيَ الْأَنْيَابُ وَقِيلَ الْأَضْرَاسُ وَقِيلَ الدَّوَاخِلُ مِنَ الْأَضْرَاسِ الَّتِي فِي أَقْصَى الْحَلْقِ زَادَ شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلٍ الْمَذْكُورَةِ هُنَا تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ تَصْدِيقًا لَهُ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عِنْدَهُ وَتَصْدِيقًا لَهُ بِزِيَادَة وَاو وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه تَصْدِيقًا لقَوْله.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ لَا يُحْمَلُ ذِكْرُ الْإِصْبَعِ عَلَى الْجَارِحَةِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ لَا تُكَيَّفُ وَلَا تُحَدَّدُ وَهَذَا يُنْسَبُ للأشعري وَعَن بن فَوْرَكٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِصْبَعُ خَلْقًا يَخْلُقُهُ اللَّهُ فَيُحَمِّلُهُ اللَّهُ مَا يَحْمِلُ الْإِصْبَعُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ كَقَوْلِ الْقَائِلِ مَا فُلَانٌ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعِي إِذَا أَرَادَ الاخبار عَن قدرته عَلَيْهِ وأيد بن التِّينِ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَلَمْ يقل على أصبعيه قَالَ بن بَطَّالٍ وَحَاصِلُ الْخَبَرِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَخْبَرَ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِهَا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقًا لَهُ وَتَعَجُّبًا مِنْ كَوْنِهِ يَسْتَعْظِمُ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي جَنْبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِعَظِيمٍ وَلِذَلِكَ قَرَأَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الْآيَةَ أَيْ لَيْسَ قَدْرُهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى مَا يَخْلُقُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْوَهْمُ وَيُحِيطُ بِهِ الْحَصْرُ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَقْدِرُ عَلَى إِمْسَاكِ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ كَمَا هِيَ الْيَوْمِ قَالَ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض ان تَزُولَا.

     وَقَالَ  رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَقَعْ ذِكْرُ الْإِصْبَعِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي حَدِيثٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ حَتَّى يُتَوَهَّمَ مِنْ ثُبُوتِهَا ثُبُوتُ الْأَصَابِعِ بَلْ هُوَ تَوْقِيفٌ أَطْلَقَهُ الشَّارِعُ فَلَا يُكَيَّفُ وَلَا يُشَبَّهُ وَلَعَلَّ ذِكْرُ الْأَصَابِعِ مِنْ تَخْلِيطِ الْيَهُودِيِّ فَإِنَّ الْيَهُودَ مُشَبِّهَةٌ وَفِيمَا يَدَّعُونَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ أَلْفَاظٌ تَدْخُلُ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مَذَاهِبِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا ضَحِكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِ الْحَبْرِ فَيَحْتَمِلُ الرِّضَا وَالْإِنْكَارَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّاوِي تَصْدِيقًا لَهُ فَظَنٌّ مِنْهُ وَحُسْبَانٌ وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لَيْسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِحُمْرَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْخَجَلِ وَبِصُفْرَتِهِ عَلَى الْوَجَلِ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ تَكُونُ الْحُمْرَةُ لِأَمْرٍ حَدَثَ فِي الْبَدَنِ كَثَوَرَانِ الدَّمِ وَالصُّفْرَةِ لِثَوَرَانٍ خُلِطَ مِنْ مِرَارٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا فَهُوَ مَحْمُولٌ على تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ أَيْ قُدْرَتُهُ عَلَى طَيِّهَا وَسُهُولَةُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ فِي جَمْعِهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَمَعَ شَيْئًا فِي كَفِّهِ وَاسْتَقَلَّ بِحَمْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْمَعَ كَفَّهُ عَلَيْهِ بَلْ يُقِلُّهُ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ وَقَدْ جَرَى فِي أَمْثَالِهِمْ فُلَانٌ يُقِلُّ كَذَا بِإِصْبَعِهِ وَيَعْمَلُهُ بِخِنْصَرِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَدْ تَعَقَّبَ بَعْضُهُمْ إِنْكَارَ وُرُودِ الْأَصَابِعِ لِوُرُودِهِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ كالحديث الَّذِي أخرجه مُسلم ان قلب بن آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ وَلَا يرد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ انما نفى الْقطع.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْيَهُودِيِّ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّجْسِيمَ وَأَنَّ اللَّهَ شَخْصٌ ذُو جَوَارِحَ كَمَا يَعْتَقِدُهُ غُلَاةُ الْمُشَبِّهَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَضَحِكُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ جَهْلِ الْيَهُودِيِّ وَلِهَذَا قَرَأَ عِنْدَ ذَلِكَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قدره أَيْ مَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَلَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ الْمُحَقَّقَةُ.
وَأَمَّا مَنْ زَادَ وَتَصْدِيقًا لَهُ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ فَإِنَّهَا مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَدِّقُ الْمُحَالَ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ فِي حَقِّ اللَّهِ مُحَالٌ إِذْ لَوْ كَانَ ذَا يَدٍ وَأَصَابِعَ وَجَوَارِحَ كَانَ كَوَاحِدٍ مِنَّا فَكَانَ يَجِبُ لَهُ مِنَ الِافْتِقَارِ وَالْحُدُوثِ وَالنَّقْصِ وَالْعَجْزِ مَا يَجِبُ لَنَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا إِذْ لَوْ جَازَتِ الْإِلَهِيَّةُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَصَحَّتْ لِلدَّجَّالِ وَهُوَ مُحَالٌ فَالْمُفْضِي إِلَيْهِ كَذِبٌ فَقَوْلُ الْيَهُودِيِّ كَذِبٌ وَمُحَالٌ وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قدره وَإِنَّمَا تَعَجَّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَهْلِهِ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ ذَلِكَ التَّعَجُّبَ تَصْدِيقٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَحَّ حَدِيثُ إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِذَا جَاءَنَا مِثْلُ هَذَا فِي الْكَلَامِ الصَّادِقِ تَأَوَّلْنَاهُ أَوْ تَوَقَّفْنَا فِيهِ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ وَجْهُهُ مَعَ الْقَطْعِ بِاسْتِحَالَةِ ظَاهِرِهِ لِضَرُورَةِ صِدْقِ مَنْ دَلَّتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ.
وَأَمَّا إِذَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ بَلْ عَلَى لِسَانِ مَنْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ عَنْ نَوْعِهِ بِالْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ كَذَّبْنَاهُ وَقَبَّحْنَاهُ ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَّحَ بِتَصْدِيقِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ فِي الْمَعْنَى بَلْ فِي اللَّفْظِ الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ نَبِيِّهِ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَهَذَا الَّذِي نَحَا إِلَيْهِ أَخِيرًا أَوْلَى مِمَّا ابْتَدَأَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى ثِقَاتِ الرُّوَاةِ وَرَدِّ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي بِالظَّنِّ لَلَزِمَ مِنْهُ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَاطِلِ وَسُكُوتُهُ عَنِ الْإِنْكَارِ وَحَاشَا لِلَّهِ من ذَلِك وَقد اشْتَدَّ إِنْكَار بن خُزَيْمَةَ عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ الضَّحِكَ الْمَذْكُورَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ بِطَرِيقِهِ قَدْ أَجَلَّ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُوصَفَ رَبُّهُ بِحَضْرَتِهِ بِمَا لَيْسَ هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ فَيَجْعَلُ بَدَلَ الْإِنْكَارِ وَالْغَضَبِ عَلَى الْوَاصِفِ ضَحِكًا بَلْ لَا يُوصِفُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْوَصْفِ مَنْ يُؤْمِنُ بِنُبُوَّتِهِ وَقَدْ وَقَعَ الْحَدِيثُ الْمَاضِي فِي الرِّقَاقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ يَهُودِيًّا دَخَلَ فَأَخْبَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَصْحَابه ثمَّ ضحك