فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] و

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن)
تَقَدَّمَ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي سُورَةِ الرَّحْمَن فِي التَّفْسِير قَوْله وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث وَقَولُهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا وَأَنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ الْفَرْقُ بَيْنَ وَصْفِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ فَأَحَالَ وَصْفَهُ بِالْخَلْقِ وَأَجَازَ وَصْفَهُ بِالْحَدَثِ اعْتِمَادًا عَلَى الْآيَةِ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الذِّكْرَ الْمَوْصُوفَ فِي الْآيَةِ بِالْإِحْدَاثِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ كَلَامِهِ تَعَالَى لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مُحْدَثًا وَمُنْشَأً وَمُخْتَرَعًا وَمَخْلُوقًا أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ وَصْفُ كَلَامِهِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَمْ يَجُزْ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالذِّكْرُ الْمَوْصُوفُ فِي الْآيَةِ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ هُوَ الرَّسُولُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ أنزل الله اليكم ذكرا رَسُولا فَيَكُونُ الْمَعْنَى مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ مُحْدَثٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا وَعْظَ الرَّسُولِ إِيَّاهُمْ وَتَحْذِيرَهُ مِنَ الْمَعَاصِي فَسَمَّاهُ ذِكْرًا وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ إِذْ هُوَ فَاعِلُهُ وَمُقَدِّرٌ رَسُولَهُ عَلَى اكْتِسَابِهِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَرْجِعَ الْأَحْدَاثِ إِلَى الْإِتْيَانِ لَا إِلَى الذِّكْرِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَكَانَ نُزُولُهُ يَحْدُثُ حِينًا بَعْدَ حِينٍ كَمَا أَنَّ الْعَالِمَ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْجَاهِلُ فَإِذَا عَلِمَهُ الْجَاهِلُ حَدَثَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ وَلَمْ يَكُنْ إِحْدَاثُهُ عِنْدَ التَّعَلُّمِ إِحْدَاثَ عَيْنِ الْمُعَلَّمِ.

قُلْتُ وَالِاحْتِمَالُ الْأَخِيرُ أَقْرَبُ إِلَى مُرَادِ الْبُخَارِيِّ لِمَا قَدَّمْتُ قَبْلُ أَنَّ مَبْنَى هَذِهِ التَّرَاجِمِ عِنْدَهُ عَلَى إِثْبَاتِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ وَمُرَادُهُ هُنَا الْحَدَثُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْزَالِ وَبِذَلِك جزم بن الْمُنِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبِيَّةٌ وَوُجُودِيَّةٌ وَإِضَافِيَّةٌ فَالْأُولَى هِيَ التَّنْزِيهَاتُ وَالثَّانِيَةُ هِيَ الْقَدِيمَةُ وَالثَّالِثَةُ الْخَلْقُ وَالرِّزْقُ وَهِيَ حَادِثَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُدُوثِهَا تَغَيُّرٌ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ الْوُجُودِيَّةِ كَمَا أَنَّ تَعَلُّقَ الْعِلْمِ وَتَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمَعْلُومَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ حَادِثٌ وَكَذَا جَمِيعُ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْإِنْزَالُ حَادِثٌ وَالْمُنَزَّلُ قَدِيمٌ وَتَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ حَادِثٌ وَنَفْسُ الْقُدْرَةِ قَدِيمَةٌ فَالْمَذْكُورُ وَهُوَ الْقُرْآنُ قديم وَالذكر حَادث وَأما مَا نَقله بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ وَلَا يَرْضَى بِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَخْلُوقٍ وَحَادِثٍ لَا عَقْلًا وَلَا نَقْلًا وَلَا عُرْفًا.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ قِيلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ حَمْلَ لَفْظِ مُحْدَثٍ عَلَى الْحَدِيثِ فَمَعْنَى ذِكْرٍ مُحْدَثٍ أَي متحدث بِهِ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجَهْمِيَّةِ احْتَجَّ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ مُحْدَثٌ إِلَيْنَا مُحَدَّثٌ إِلَى الْعِبَادِ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ نَحْوُهُ وَمِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ مُحْدَثٌ عِنْدَ الْخَلْقِ لَا عِنْدَ اللَّهِ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ مُحْدَثٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَعْلَمُهُ.
وَأَمَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَلَمْ يَزَلْ عَالِمًا.

     وَقَالَ  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا لَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى أَحْدَثَ كَلَامًا لِنَفْسِهِ فَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ لِأَنَّ الْخَلْقَ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى أَحْدَثَ لَهُمْ كَلَامًا فَتَكَلَّمُوا بِهِ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ الْمُحْدَثُ مَا أُوجِدَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَذَلِكَ إِمَّا فِي ذَاتِهِ أَوْ إِحْدَاثِهِ عِنْدَ مَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا قَرُبَ عَهْدُهُ حَدَثٌ فِعَالًا كَانَ أَوْ مَقَالًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا وَفِي قَوْلِهِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذكرا الْمَعْنَى يَحْدُثُ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُونَهُ فَهُوَ نَظِيرُ الْآيَةِ الْأُولَى وَقَدْ نَقَلَ الْهَرَوِيُّ فِي الْفَارُوقِ بِسَنَدِهِ إِلَى حَرْبٍ الْكِرْمَانِيِّ سَأَلْتُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي يَعْنِي بن رَاهْوَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ قَالَ قَدِيمٌ مِنْ رَبِّ الْعِزَّةِ مُحْدَثٌ إِلَى الْأَرْضِ فَهَذَا هُوَ سَلَفُ الْبُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالُوا وَالْمُحْدَثُ هُوَ الْمَخْلُوقُ وَالْجَوَابُ أَنَّ لَفْظَ الذِّكْرِ فِي الْقُرْآنِ يَتَصَرَّفُ عَلَى وُجُوهِ الذِّكْرِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَمِنْهُ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ وَالذِّكْرُ بِمَعْنَى الْعِظَةِ وَمِنْهُ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكر وَالذِّكْرُ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ وَمِنْهُ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَالذِّكْرُ بِمَعْنَى الشَّرَفِ وَمِنْه وانه لذكر لَك ولقومك ورفعنا لَك ذكرك قَالَ فَإِذَا كَانَ الذِّكْرُ يَتَصَرَّفُ إِلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَهِيَ كُلُّهَا مُحْدَثَةٌ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى إِحْدَاهَا أَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانَ مُحْدَثًا وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الذِّكْرِ مَا هُوَ مُحْدَثٌ كَمَا قُلْنَا وَقِيلَ مُحْدَثٌ عِنْدَهُمْ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ الذِّكْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْقُرْآنُ وَهُوَ مُحْدَثٌ عِنْدَنَا وَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَلَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاته قَالَ بن التِّينِ وَهَذَا مِنْهُ أَيْ مِنَ الدَّاوُدِيِّ عَظِيمٌ وَاسْتِدْلَالُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَهُوَ قَدِيمٌ فَكَيْفَ تَكُونُ صِفَتُهُ مُحْدَثَةً وَهُوَ لَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْمُحْدَثَ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ كَمَا يَقُولُ الْبَلْخِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ وَإِنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ انْتَهَى وَمَا اسْتَعْظَمَهُ مِنْ كَلَامِ الدَّاوُدِيِّ هُوَ بِحَسَبِ مَا تَخَيَّلَهُ وَإِلَّا فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَيْرُ مُحْدَثٍ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ الْحَدَثُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِنْزَالِهِ إِلَى الْمُكَلَّفِينَ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ لَهُ وَإِقْرَائِهِمْ غَيْرَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ أَعَادَ الدَّاوُدِيُّ نَحْوَ هَذَا فِي شَرْحِ قَوْلُ عَائِشَةَ وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ حِينَ أَنْزَلَ بَرَاءَتَهَا بِخِلَافِ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ إِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَقَالَ بن التِّينِ أَيْضًا هَذَا مِنَ الدَّاوُدِيِّ عَظِيمٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ حَادِثٍ فَتَحِلَّ فِيهِ الْحَوَادِثُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِأَنْزَلَ أَنَّ الْإِنْزَالَ هُوَ الْمُحْدَثُ لَيْسَ أَنَّ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ نَزَلَ الْآنَ انْتَهَى وَهَذَا مُرَادُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَعْنِي الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ بِآيَاتٍ وَلَيْسَ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ أَشَدُّ بَأْسًا مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ .

     قَوْلُهُ  وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فقدره تَقْديرا وانما الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم رَسُول الله وكلمته وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث قَالُوا إِنْ قُلْتُمْ إِنَّ الْقُرْآنَ لَا شَيْءَ كَفَرْتُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ الْمَسِيحَ كَلِمَةُ اللَّهِ فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّهُ خُلِقَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ رَدَدْتُمُ الْقُرْآنَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَمَّا قَوْله وَخلق كل شَيْء فَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيكون فَأَخْبَرَ أَنَّ خَلْقَهُ بِقَوْلِهِ وَأَوَّلُ خَلْقِهِ هُوَ مِنْ أَوَّلِ الشَّيْءِ الَّذِي قَالَ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِقَوْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ قَبْلَ خَلْقِهِ.
وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ بِكَلِمَتِهِ لَا أَنَّهُ هُوَ الْكَلِمَة لقَوْله القاها إِلَى مَرْيَم وَلَمْ يَقُلْ أَلْقَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّمَا حَدَثُ الْقُرْآنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لِمَا عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَعْنِي الْقَطَّانَ يَقُولُ مَا زِلْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَأَكْسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبِينُ الْمُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِخَلْقٍ قَالَ.

     وَقَالَ  إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي بن رَاهْوَيْهِ فَأَمَّا الْأَوْعِيَةُ فَمَنْ يَشُكُّ فِي خَلْقِهَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فَالْمِدَادُ وَالْوَرَقُ وَنَحْوُهُ خَلْقٌ وَأَنْتَ تَكْتُبُ اللَّهُ فَاللَّهُ فِي ذَاتِهِ هُوَ الْخَالِقُ وَخَطُّكَ مِنْ فِعْلِكَ وَهُوَ خَلْقٌ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ هُوَ بِصُنْعِهِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ وَأَصْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة عَلْقَمَة عَن بن مَسْعُودٍ لَكِنْ قَالَ فِيهَا إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا وَقَدْ مَضَى فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ وَفِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُود الْبَاب ثمَّ ذكر حَدِيث بن عَبَّاس مَوْقُوفا من وَجْهَيْن



[ قــ :7124 ... غــ :7522] .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ هَذِهِ رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنْهُ وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد الله وَهُوَ بن عُتْبَةَ عَنْهُ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ هَذِهِ رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ أَيْ أَقْرَبُهَا نُزُولًا إِلَيْكُمْ وَأَخْبَارًا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ جَرَى الْبُخَارِيُّ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى اللَّفْظِ الَّذِي يُرِيدُهُ وَإِيرَادِهِ لَفْظًا آخَرَ غَيره فَإِنَّهُ أورد أثر بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ أَقْرَبُ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ بِلَفْظِ أَحْدَثُ وَهُوَ أَلْيَقُ بِمُرَادِهِ هُنَا وَقَدْ جَاءَ نَظِيرُ هَذَا الْوَصْفِ مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مَنْسُوبًا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَأخْرج بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ قَالَ قَالَ كَعْبٌ عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ أَحْدَثُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِالرَّحْمَنِ زَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ كَعْبٍ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي التَّوْرَاةِ يَا مُوسَى إِنِّي مُنَزِّلٌ عَلَيْكَ تَوْرَاةً حَدِيثَةً أَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا .

     قَوْلُهُ  تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ هَذَا آخِرُ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ وَقَولُهُ لَمْ يُشَبْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَمْ يُخَالِطْهُ غَيْرُهُ وَزَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَغَيَّرُوا إِلَخْ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى يَكْسِبُونَ وَقَولُهُ لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي لِيَشْتَرُوا بِهِ وَقَولُهُ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي إِلَيْكُمْ وَقَولُهُ





[ قــ :715 ... غــ :753] جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِسْنَادُ الْمَجِيءِ إِلَى الْعِلْمِ كَإِسْنَادِ النَّهْيِ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ فِيهِ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِالْقَسَمِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَا يَسْأَلُونَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ كِتَابَكُمْ لَا تَحْرِيفَ فِيهِ فَكَيْفَ تسألونهم وَقد علمْتُم أَن كِتَابهمْ محرف