فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَةِ الْأَخْبَارِ وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِك

وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ : ( حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ بُهَيَّةَ ) فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ . وَ ( أَبُو النَّضْرِ ) هَذَا جَدُّ أَبِي بَكْرٍ هَذَا وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ ، وَاسْمُ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، وَلَقَبُ أَبِي النَّضْرِ قَيْصَرُ ، وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا الِاسْمُ لَهُ لَا كُنْيَتُهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ : اسْمُهُ أَحْمَدُ ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ : قِيلَ : اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. وَأَمَّا ( أَبُو عَقِيلٍ ) فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَ ( بُهَيَّةَ ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهِيَ امْرَأَةٌ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قِيلَ : إِنَّهَا سَمَّتْهَا بُهَيَّةَ ، ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ ، وَرَوَى عَنْ بُهَيَّةَ مَوْلَاهَا أَبُو عَقِيلٍ الْمَذْكُورُ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الضَّرِيرُ الْمَدَنِيُّ وَقِيلَ : الْكُوفِيُّ ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدَينِيِّ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ عَمَّارٍ وَالنَّسَائِيُّ ، ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ . فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُهُ فَكَيْفَ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ؟ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتُ جَرْحُهُ عِنْدَهُ مُفَسَّرًا وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّرًا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَصْلًا وَمَقْصُودًا بَلْ ذَكَرَهُ اسْتِشْهَادًا لِمَا قَبْلَهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِلْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ : ( لِأَنَّكَ ابْنُ إِمَامَيْ هُدًى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) . وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( وَأَنْتَ ابْنُ إِمَامَيِ الْهُدَى يَعْنِي عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَاسِمَ هَذَا هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَهُوَ ابْنُهُمَا ، وَأُمُّ الْقَاسِمِ هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . فَأَبُو بَكْرٍ جَدُّهُ الْأَعْلَى لِأُمِّهِ وَعُمَرُ جَدُّهُ الْأَعْلَى لِأَبِيهِ وَابْنُ عُمَرَ جَدُّهُ الْحَقِيقِيُّ لِأَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : ( أَخْبَرُونِي عَنْ أَبِي عَقِيلٍ ) فَقَدْ يُقَالُ فِيهِ : هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَجْهُولِينَ وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً وَاسْتِشْهَادًا وَالْمُتَابَعَةُ وَالِاسْتِشْهَادُ يَذْكُرُونَ فِيهِمَا مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى مَا قَبْلَهُمَا لَا عَلَيْهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي الْفُصُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( سُئِلَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ حَدِيثٍ لِشَهْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ فَقَالَ : إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ ، قَالَ : يَقُولُ : أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ : تَكَلَّمُوا فِيهِ ) أَمَّا ( ابْنُ عَوْنٍ ) فَهُوَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْمُجْمَعُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَوَرَعِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ أَبُو عَوْنٍ الْبَصْرِيُّ كَانَ يُسَمَّى سَيِّدُ الْقُرَّاءِ أَيِ الْعُلَمَاءِ وَأَحْوَالُهُ وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ . وَقَوْلُهُ : ( أُسْكُفَّةِ الْبَابِ ) هِيَ الْعَتَبَةُ السُّفْلَى الَّتِي تُوطَأُ وَهِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ . وَقَوْلُهُ : ( نَزَكُوهُ ) هُوَ بِالنُّونِ وَالزَّايِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ مَعْنَاهُ طَعَنُوا فِيهِ وَتَكَلَّمُوا بِجَرْحِهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : طَعَنُوهُ بِالنَّيْزَكِ بِفَتْحِ النُّونِ الْمُثَنَّاةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ رُمْحٌ قَصِيرٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَكَذَا ذَكَرَهَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ وَاللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ الْهَرَوِيُّ فِي غَرِيبِهِ ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ رُوَاةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ ( تَرَكُوهُ ) بِالتَّاءِ وَالرَّاءِ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي وَقَالَ : الصَّحِيحُ بِالنُّونِ وَالزَّايِ قَالَ : وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَقَالَ غَيْرُ الْقَاضِي : رِوَايَةُ التَّاءِ تَصْحِيفٌ وَتَفْسِيرُ مُسْلِمٍ يَرُدُّهَا . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ شَهْرًا لَيْسَ مَتْرُوكًا بَلْ وَثَّقَهُ كَثِيرُونَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ ، فَمِمَّنْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : مَا أَحْسَنَ حَدِيثَهُ ، وَوَثَّقَهُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ : هُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ : هُوَ ثِقَةٌ . وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ غَيْرَ هَذَا وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ : شَهْرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَقَوِيٌّ أَمْرُهُ ، وَقَالَ : إِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَوْنٍ ثُمَّ رَوَى عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ عَنْ شَهْرٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ : شَهْرٌ ثِقَةٌ ، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ : شَهْرٌ رَوَى عَنْهُ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَلَمْ يُوقَفْ مِنْهُ عَلَى كَذِبٍ وَكَانَ رَجُلًا يَنْسُكُ أَيْ يَتَعَبَّدُ إِلَّا أَنَّهُ رَوَى أَحَادِيثَ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ فَهَذَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ جَرْحِهِ أَنَّهُ أَخَذَ خَرِيطَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَقَدْ حَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَفِيقِهِ فِي الْحَجِّ عَيْبَةً غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بَلْ أَنْكَرُوهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَهُوَ ( شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الْجَعْدِ الْأَشْعَرِيُّ الشَّامِيُّ الْحِمْصِيُّ وَقِيلَ : الدِّمَشْقِيُّ . وَقَوْلُهُ : ( أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ ) جَمْعُ لِسَانٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ جَعَلَ اللِّسَانَ مُذَكَّرًا وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مُؤَنَّثًا فَجَمْعُهُ أَلْسُنٌ بِضَمِّ السِّينِ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ) هُوَ حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَجَّاجٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ ، كَانَ أَبُوهُ يُوسُفُ شَاعِرًا صَحِبَ أَبَا نُوَاسٍ ، وَحَجَّاجٌ هَذَا يُوَافِقُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ الْوَالِيَ الْجَائِرَ الْمَشْهُورَ بِالظُّلْمِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ فَيُوَافِقُهُ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ ، وَيُخَالِفُهُ فِي جَدِّهِ وَعَصْرِهِ وَعَدَالَتِهِ وَحُسْنِ طَرِيقَتِهِ . وَأَمَّا ( شَبَابَةُ ) فَبِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءَيْنِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَهُوَ شَبَابَةُ ابْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَايِنِيُّ قِيلَ : اسْمُهُ مَرْوَانُ وَشَبَابَةُ لَقَبٌ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ مَنْ تَعْرِفُ حَالَهُ ) فَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ خِطَابًا يَعْنِي أَنْتَ عَارِفٌ بِضَعْفِهِ . وَأَمَّا ( الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ ) فَبِالْقَافِ . وَأَمَّا ( مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتَّابٍ ) فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ . وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : ( لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( لَمْ تَرَ ) ضَبَطْنَاهُ فِي الْأَوَّلِ بِالنُّونِ وَفِي الثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَمَعْنَاهُ مَا قَالَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يَتَعَمَّدُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ لَا يُعَانُونَ صِنَاعَةَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، فَيَقَعُ الْخَطَأُ فِي رِوَايَاتِهِمْ وَلَا يَعْرِفُونَهُ وَيَرْوُونَ الْكَذِبَ ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا . وَقَوْلُهُ : ( فَلَقِيتُ أَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ) فَالْقَطَّانُ مَجْرُورٌ صِفَةٌ لِيَحْيَى وَلَيْسَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمُحَمَّدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ فَقَامَ فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِي أَبَانٌ عَنْ أَنَسٍ ) أَمَّا قَوْلُهُ : ( أَخَذَهُ الْبَوْلُ ) فَمَعْنَاهُ ضَغَطَهُ وَأَزْعَجَهُ وَاحْتَاجَ إِلَى إِخْرَاجِهِ . وَأَمَّا ( الْكُرَّاسَهْ ) بِالْهَاءِ فِي آخِرِهَا فَمَعْرُوفَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرَ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةِ الْكِتَابِ : الْكُرَّاسَهْ مَعْنَاهَا الْكِتْبَةُ الْمَضْمُومُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَالْوَرَقُ الَّذِي قَدْ أُلْصِقَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ : رَسْمٌ مُكَرَّسٌ إِذَا أَلْصَقَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ بِهِ ، قَالَ : وَقَالَ الْخَلِيلُ الْكُرَّاسَهْ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَكْرَاسِ الْغَنَمِ وَهُوَ أَنْ تَبُولَ فِي الْمَوْضِعِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَيَتَلَبَّدَ . وَقَالَ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ أَصْلُ الْكُرْسِيِّ الْعِلْمُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّحِيفَةِ يَكُونُ فِيهَا عِلْمٌ مَكْتُوبٌ كُرَّاسَهْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا ( أَبَانٌ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ ، فَمَنْ لَمْ يَصْرِفهُ جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا وَالْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ ، فَيَكُونُ أَفْعَلَ . وَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَ الْهَمْزَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ فَعَالًا ، وَصَرْفُهُ هُوَ الصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ السَّيِّدِ الْبَطْلَيُوسِيُّ . قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بْنُ فُلَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قُلْتُ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ : إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ ) . أَمَّا قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ عُمَرَ ) فَيَجُوزُ فِي إِعْرَابِهِ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ . فَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ حَدِيثُ عُمَرَ ، وَالنَّصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْبَدَلُ مِنْ قَوْلِهِ حَدِيثُ هِشَامٍ ، وَالثَّانِي عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي . وَقَوْلُهُ ( قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنِي رَجُلٌ إِلَى آخِرِهِ ) هُوَ بَيَانٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَآهُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ . وَأَمَّا ( هِشَامٌ ) هَذَا فَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ . ثُمَّ هُنَا قَاعِدَةٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ نُحِيلُ عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهِيَ : أَنَّ عَفَّانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ : إِنَّمَا ابْتُلِيَ هِشَامٌ يَعْنِي : إِنَّمَا ضَعَّفُوهُ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، كَانَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ . وَهَذَا الْقَدْرُ وَحْدَهُ لَا يَقْتَضِي ضَعْفًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِكَذِبٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ نَسِيَهُ ، فَحَدَّثَ بِهِ عَنْ يَحْيَى عَنْهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ سَمَاعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ فَرَوَاهُ عَنْهُ ، وَلَكِنِ انْضَمَّ إِلَى هَذَا قَرَائِنُ وَأُمُورٌ اقْتَضَتْ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْفَنِّ الْحُذَّاقِ فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ الْعَارِفِينَ بِدَقَائِقِ أَحْوَالِ رُوَاتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ مُحَمَّدٍ ، فَحَكَمُوا بِذَلِكَ لَمَّا قَامَتِ الدَّلَائِلُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِي الْجَرْحِ بِنَحْوِ هَذَا وَكُلُّهَا يُقَالُ فِيهَا مَا قُلْنَا هُنَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ يَقُولُ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ : مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمُ الْجَوَائِزِ ؟ قَالَ : سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَجَّاجِ انْظُرْ مَا وَضَعْتَ فِي يَدِكَ مِنْهُ ) . قَالَ قُهْزَادُ : وَسَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ - : رَأَيْتُ رَوْحَ بْنَ غُطَيْفٍ صَاحِبَ ( الدَّمُ قَدْرُ دِرْهَمٍ ) وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ مَجْلِسًا فَجَعَلْتُ أَسْتَحِي مِنْ أَصْحَابِي أَنْ يَرَوْنِي جَالِسًا مَعَهُ كُرْهَ حَدِيثِهِ أَمَّا ( قُهْزَاذُ ) فَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ . وَأَمَّا ( عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ ) فَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِعَبْدَانَ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ . وَ ( جَبَلَةَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ . وَأَمَّا حَدِيثُ يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمُ الْجَوَائِزِ فَهُوَ مَا رُوِيَ : " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَفْوَاهِ الطُّرُقِ وَنَادَتْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اغْدُوا إِلَى رَبٍّ رَحِيمٍ يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ ، أَمَرَكُمْ فَصُمْتُمْ وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ فَاقْبَلُوا جَوَائِزَكُمْ . فَإِذَا صَلَّوْا الْعِيدَ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ رَاشِدِينَ فَقَدْ غُفِرَتْ ذُنُوبُكُمْ كُلُّهَا وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْجَوَائِزِ " وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تَصْنِيفُ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجَوَائِزُ جَمْعُ جَائِزَةٍ وَهِيَ الْعَطَاءُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( انْظُرْ مَا وَضَعْتَ فِي يَدِكَ ) ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ وَضَعْتَ وَلَا يَمْتَنِعُ ضَمُّهَا وَهُوَ مَدْحٌ وَثَنَاءٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَجَّاجِ . وَأَمَّا ( زَمْعَةَ ) فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا ، وَأَمَّا ( غُطَيْفٌ ) فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ شُيُوخِهِ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ ( غُضَيْفٌ ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ : هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ . وَقَوْلُهُ : ( صَاحِبُ الدَّمُ قَدْرُ الدِّرْهَمِ ) يُرِيدُ وَصْفَهُ وَتَعْرِيفَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ رَوْحٌ هَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ " تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ " يَعْنِي مِنَ الدَّمِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ . وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَوْلُهُ ( أَسْتَحْيِي ) هُوَ بِيَاءَيْنِ وَيَجُوزُ حَذْفُ إِحْدَاهُمَا وَسَيَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - تَفْسِيرُ حَقِيقَةِ الْحَيَاءِ فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ . وَقَوْلُهُ : ( كُرْهَ حَدِيثِهِ ) هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَنَصْبِ الْهَاءِ أَيْ كَرَاهِيَةً لَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ ) يَعْنِي عَنِ الثِّقَاتِ وَالضُّعَفَاءِ . وَقَوْلُهُ : ( عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ ) أَمَّا الْهَمْدَانِيُّ فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ . وَأَمَّا ( الشَّعْبِيُّ ) فَبِفَتْحِ الشِّينِ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ ، وَقِيلَ : ابْنُ شُرَحْبِيلَ . وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مَنْسُوبٌ إِلَى شَعْبٍ بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ الشَّعْبِيُّ إِمَامًا عَظِيمًا جَلِيلًا جَامِعًا لِلتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْمَغَازِي وَالْعِبَادَةِ ، قَالَ الْحَسَنُ : كَانَ الشَّعْبِيُّ وَاللَّهِ كَثِيرَ الْعِلْمِ عَظِيمَ الْحِلْمِ قَدِيمَ السِّلْمِ مِنَ الْإِسْلَامِ بِمَكَانٍ . وَأَمَّا ( الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ ) فَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقِيلَ : ابْنُ عُبَيْدٍ أَبُو زُهَيْرٍ الْكُوفِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( وَحَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُفَضَّلٍ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ ) هَذَا إِسْنَادٌ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ . فَأَمَّا ( بَرَّادٌ ) : فَبِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ . وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الْكُوفِيُّ . وَأَمَّا ( أَبُو أُسَامَةَ ) فَاسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ الضَّابِطُ الْمُتْقِنُ الْعَابِدُ . وَأَمَّا ( مُفَضَّلٌ ) فَهُوَ ابْنُ مُهَلَّلٍ ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ الضَّابِطُ الْمُتْقِنُ الْعَابِدُ . وَأَمَّا ( مُغِيرَةُ ) فَهُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ أَبُو هِشَامٍ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِيمَ الْمُغِيرَةِ تُضَمُّ وَتُكْسَرُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( أَحَدُ الْكَذَّابِينَ ) فَبِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْعِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : ( وَهُوَ يَشْهَدُ ) يَعُودُ عَلَى الشَّعْبِيِّ . وَالْقَائِلُ ( وَهُوَ يَشْهَدُ ) هُوَ الْمُغِيرَةُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا قَوْلُ الْحَارِثِ : ( تَعَلَّمْتُ الْوَحْيَ فِي سَنَتَيْنِ أَوْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( الْقُرْآنُ هَيِّنٌ وَالْوَحْيُ أَشَدُّ ) فَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ مَا أُنْكِرَ عَلَى الْحَارِثِ وَجُرِّحَ بِهِ ، وَأُخِذَ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيحِ مَذْهَبِهِ وَغُلُوِّهِ فِي التَّشَيُّعِ ، وَكَذِبِهِ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَأَرْجُو أَنَّ هَذَا مِنْ أَخَفِّ أَقْوَالِهِ لِاحْتِمَالِهِ الصَّوَابَ فَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْوَحْيَ هُنَا الْكِتَابَةُ وَمَعْرِفَةُ الْخَطِّ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ ، يُقَالُ : أَوْحَى وَوَحَى إِذَا كَتَبَ ، وَعَلَى هَذَا لَيْسَ عَلَى الْحَارِثِ فِي هَذَا دَرَكٌ وَعَلَيْهِ الدَّرَكُ فِي غَيْرِهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَلَكِنْ لَمَّا عُرِفَ قُبْحُ مَذْهَبِهِ وَغُلُوُّهُ فِي مَذْهَبِ الشِّيعَةِ وَدَعْوَاهُمُ الْوَصِيَّةَ إِلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسِرِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ وَعِلْمِ الْغَيْبِ مَا لَمْ يُطْلِعْ غَيْرَهُ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ سِيءَ الظَّنُّ بِالْحَارِثِ فِي هَذَا وَذَهَبَ بِهِ ذَلِكَ ، وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ فَهِمَ مِنَ الْحَارِثِ مَعْنًى مُنْكَرًا فِيمَا أَرَادَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ) فَالْمُغِيرَةُ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْصُورٍ . قَوْلُهُ : ( وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ مِنْ أُصُولٍ مُحَقَّقَةٍ ( أَحَسَّ ) وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا ( حَسَّ ) بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُمَا لُغَتَانِ حَسَّ وَأَحَسَّ ، وَلَكِنَّ أَحَسَّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ : حَسَّ وَأَحَسَّ لُغَتَانِ بِمَعْنَى عَلِمَ وَأَيْقَنَ . وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ : الْحَاسَّةُ وَالْحَوَاسُّ الْخَمْسُ فَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ حَسَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَالْكَثِيرُ فِي حَسَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَتَلَ . قَوْلُهُ : ( إِيَّاكُمْ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُمَا كَذَّابَانِ ) أَمَّا ( الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ ) فَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ كِتَابُ الضُّعَفَاءِ : هُوَ كُوفِيٌّ دَجَّالٌ أُحْرِقَ بِالنَّارِ زَمَنَ النَّخَعِيِّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ . وَأَمَّا ( أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ ) فَقِيلَ : هُوَ شَقِيقٌ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاصُّ ، وَقِيلَ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيُّ وَكِلَاهُمَا يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُمَا قَرِيبًا أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ) هُوَ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مَفْتُوحَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَاسْمُ أَبِي كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ بِالتَّصْغِيرِ ، فِيهِمَا ابْنُ طَلْحَةَ الْبَصْرِيُّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ السَّمْعَانِيُّ : هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَحْدَرٍ اسْمِ رَجُلٍ . قَوْلُهُ : ( كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ وَكَانَ يَقُولُ : لَا تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الْأَحْوَصِ وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا ، قَالَ : وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ ) أَمَّا ( أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ) فَبِضَمِّ السِّينِ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ رُبَيِّعَةَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الْمُشَدَّدَةِ وَآخِرُهُ هَاءٌ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ . وَقَوْلُهُ : ( غِلْمَةٌ ) جَمْعُ غُلَامٍ ، وَاسْمُ الْغُلَامِ يَقَعُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ حِينِ يُولَدُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَاتِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ . وَقَوْلُهُ : ( أَيْفَاعٌ ) أَيْ شَبَبَةٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : مَعْنَاهُ بَالِغُونَ ، يُقَالُ : غُلَامٌ يَافِعٌ وَيَفَعٌ وَيَفَعَةٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا إِذَا شَبَّ وَبَلَغَ أَوْ كَادَ يَبْلُغُ ، قَالَ الثَّعَالِبِيُّ : إِذْ قَارَبَ الْبُلُوغَ أَوْ بَلَغَهُ يُقَالُ لَهُ : يَافِعٌ وَقَدْ أَيْفَعَ وَهُوَ نَادِرٌ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : أَيْفَعَ الْغُلَامُ إِذَا شَارَفَ الِاحْتِلَامَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ ، وَكَأَنَّ الْيَافِعَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْيَفَاعِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَيُقَالُ غِلْمَانٌ أَيْفَاعٌ وَيَفَعَةٌ أَيْضًا . وَأَمَّا ( الْقُصَّاصُ ) بِضَمِّ الْقَافِ فَجَمْعُ قَاصٍّ وَهُوَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقَصَصَ عَلَى النَّاسِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْقِصَّةُ الْأَمْرُ وَالْخَبَرُ وَقَدِ اقْتَصَصْتُ الْحَدِيثَ إِذَا رَوَيْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْخَبَرَ قَصَصًا بِفَتْحِ الْقَافِ . وَالِاسْمُ أَيْضًا الْقَصَصُ بِالْفَتْحِ . وَالْقِصَصُ بِكَسْرِ الْقَافِ اسْمُ جَمْعٍ لِلْقِصَّةِ . وَأَمَّا ( شَقِيقٌ ) الَّذِي نَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : هُوَ شَقِيقٌ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاصُّ ، ضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ إِبْرَاهِيمُ قَبْلَ هَذَا فِي الْكِتَابِ ، وَقِيلَ : إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ إِبْرَاهِيمُ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيُّ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ . وَقَوْلُ مُسْلِمٍ : ( وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ ) يَعْنِي لَيْسَ هَذَا الَّذِي نَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ بِشَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ أَبِي وَائِلٍ الْأَسَدِيِّ الْمَشْهُورِ ، مَعْدُودٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ . قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَسْمُوعُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَرِوَايَاتِهِمْ غَسَّانُ غَيْرَ مَصْرُوفٍ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي بَابِ غَسَنَ وَفِي بَابِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ فَمَنْ جَعَلَ النُّونَ أَصْلًا صَرَفَهُ ، وَمَنْ جَعَلَهَا زَائِدَةً لَمْ يَصْرِفْهُ ، وَأَبُو غَسَّانَ هَذَا هُوَ الْمُلَقَّبُ بزُنيجُ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْجِيمِ . قَوْلُهُ فِي جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ : ( كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ ) هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ : لَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا بِفَتْحٍ . وَأَمَّا رَجْعَةُ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ فَفِيهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَحُكِيَ فِي هَذِهِ الرَّجْعَةِ الَّتِي كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا جَابِرٌ الْكَسْرُ أَيْضًا : وَمَعْنَى إِيمَانُهُ بِالرَّجْعَةِ هُوَ مَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ وَتَعْتَقِدُهُ بِزَعْمِهَا الْبَاطِلِ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - فِي السَّحَابِ فَلَا نَخْرُجُ يَعْنِي مَعَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ مِنَ السَّمَاءِ أَنِ اخْرُجُوا مَعَهُ . وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَبَاطِيلِهِمْ وَعَظِيمٌ مِنْ جَهَالَاتِهِمُ اللَّاصِقَةِ بِأَذْهَانِهِمُ السَّخِيفَةِ وَعُقُولِهِمُ الْوَاهِيَةِ . قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : ( وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ) هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ . وَأَمَّا ( الْحُمَيْدِيُّ ) فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ الْمَكِّيُّ . وَقَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ . وَأَمَّا ( الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ ) فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ وَالِدُ وَكِيعٍ ، وَهَذَا الْجَرَّاحُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ ، وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ هُنَا فِي الْمُتَابَعَاتِ . وَقَوْلُهُ : ( عِنْدِي سَبْعُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ) أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ [ ص: 90 ] بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَعْرُوفُ بِالْبَاقِرِ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ أَيْ شَقَّهُ وَفَتَحَهُ فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَتَمَكَّنَ فِيهِ . وَقَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ ) اسْمُ أَبِي الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ . وَ ( سَلَّامٌ ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ ، وَاسْمُ أَبِي مُطِيعٍ سَعْدٌ . وَقَوْلُهُ : ( إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُولُ : إِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي السَّحَابِ فَلَا نَخْرُجُ ) إِلَى آخِرِهِ ( نَخْرُجُ ) بِالنُّونِ وَسُمُّوا رَافِضَةً : مِنَ الرَّفْضِ وَهُوَ التَّرْكُ ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ : سُمُّوا رَافِضَةً لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ فَتَرَكُوهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرًا يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ : سَقَطَ ذِكْرُ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ والْحُمَيْدِيِّ عِنْدَ ابْنِ مَاهَانَ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الْجُلُودِيِّ بِإِثْبِاتِهِ فَإِنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَلْقَ الْحُمَيْدِيَّ ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَذَّاءِ - أَحَدُ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ - : سَأَلْتُ عَبْدَ الْغَنِيِّ بْنَ سَعْدٍ هَلْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ؟ فَقَالَ : لَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَا أَبْعَدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ سَقَطَ قَبْلَ الْحُمَيْدِيِّ رَجُلٌ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ : إِنَّمَا رَأَى مِنْ مُسْلِمٍ نُسْخَةَ ابْنِ مَاهَانَ فَلِذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ ، وَلَمْ تَكُنْ نُسْخَةُ الْجُلُودِيِّ دَخَلَتْ مِصْرَ ، قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذَا حَدَّثَنَا سَلَمَةُ . حَدَّثَنَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَذَا هُوَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَهُوَ الصَّوَابُ هُنَا أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَوْلُهُ : ( الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرِهُ هَاءٌ وَهُوَ أَزْدِيٌّ كُوفِيٌّ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ . قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَقِيلَ : كَانَ أَبُوهُ نَاسِكًا أَيْ عَابِدًا وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسَمُّونَ النَّاسِكَ دَوْرَقِيًّا ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ ، هَذَا وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ ، وَقِيلَ هِيَ نِسْبَةٌ إِلَى الْقَلَانِسِ الطِّوَالِ الَّتِي تُسَمَّى ، وَقِيلَ : مَنْسُوبٌ إِلَى دَوْرَقَ بَلْدَةٍ : بِفَارِسَ أَوْ غَيْرِهَا . قَوْلُهُ : ( ذَكَرَ أَيُّوبُ رَجُلًا فَقَالَ : لَمْ يَكُنْ بِمُسْتَقِيمِ اللِّسَانِ وَذَكَرَ آخَرَ فَقَالَ : هُوَ يَزِيدُ فِي الرَّقْمِ ) أَيُّوبُ هَذَا هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ . وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَذِبِ ، وَقَوْلُ أَيُّوبَ فِي عَبْدِ الْكَرِيمِ : رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ ، هَذَا الْقَطْعُ بِكَذِبِهِ ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ ثِقَةٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ عِكْرِمَةَ ثُمَّ نَسِيَهُ فَسُئِلَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ فَرَوَاهُ ، وَلَكِنْ عُرِفَ كَذِبُهُ بِقَرَائِنَ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِيضَاحَ هَذَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِ عَبْدِ الْكَرِيمِ هَذَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ عَدِيٍّ ، وَكَانَ عَبْدُ الْكَرِيمِ هَذَا مِنْ فُضَلَاءِ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى فَجَعَلَ يَقُولُ : حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ فَقَالَ : كَذَبَ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ إِذْ ذَاكَ سَائِلًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( قَبْلَ الْجَارِفِ ) . أَمَّا ( أَبُو دَاوُدَ ) هَذَا فَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَاصُّ الْأَعْمَى مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ ، قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ : هُوَ مَتْرُوكٌ ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ : لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ . وَقَوْلُهُ : ( مَا سَمِعَ مِنْهُمْ ) يَعْنِي الْبَرَاءَ وَزَيْدًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الْكِتَابِ . وَقَوْلُهُ : ( يَتَكَفَّفُ النَّاسَ ) مَعْنَاهُ يَسْأَلُهُمْ فِي كَفِّهِ أَوْ بِكَفِّهِ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( يَتَطَفَّفُ ) بِالطَّاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى يَتَكَفَّفُ أَيْ يَسْأَلُ فِي كَفِّهِ الطَّفِيفَ وَهُوَ الْقَلِيلُ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ وَغَيْرِهِ : يَتَنَطَّفُ ، وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : مَا تَنَطَّفَتْ بِهِ أَيْ مَا تَلَطَّخَتْ . وَأَمَّا ( طَاعُونُ الْجَارِفِ ) فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ وَسُمِّيَ الْمَوْتُ جَارِفًا لِاجْتِرَافِهِ النَّاسَ ، وَسُمِّيَ السَّيْلُ جَارِفًا لِاجْتِرَافِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرِضِ ، وَالْجَرْفُ : الْغَرْفُ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ وَكَشْحُ مَا عَلَيْهَا . وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ وَيُسَوِّدُ مَا حَوْلَهُ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ وَالْقَيْءُ . وَأَمَّا زَمَنُ طَاعُونِ الْجَارِفِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتِلَافًا شَدِيدًا مُتَبَايِنًا تَبَايُنًا بَعِيدًا . فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ التَّمْهِيدِ قَالَ : مَاتَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ . وَنَقَلَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ : أَنَّ طَاعُونَ الْجَارِفِ كَانَ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ الْمَدَايِنِيُّ فِي كِتَابِ التَّعَازِي : أَنَّ طَاعُونَ الْجَارِفِ كَانَ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ فِي شَوَّالٍ ، وَكَذَا ذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ مَعْنَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ : وُلِدَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَفِي قَوْلِهِ : إِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْجَارِفِ بِسَنَةٍ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : كَانَ الْجَارِفُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ قَالَ : مَاتَ مُطَرِّفٌ بَعْدَ طَاعُونِ الْجَارِفِ ، وَكَانَ الْجَارِفُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ ، وَذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْجَارِفِ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ ; فَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ كُلَّ طَاعُونٍ مِنْ هَذِهِ تُسَمَّى جَارِفًا لِأَنَّ مَعْنَى الْجَرْفِ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِهَا وَكَانَتِ الطَّوَاعِينُ كَثِيرَةً . ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ أَوَّلَ طَاعُونٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ طَاعُونُ عَمَوَاسَ بِالشَّامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَامْرَأَتَاهُ وَابْنُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - . ثُمَّ الْجَارِفُ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، ثُمَّ طَاعُونُ الْفَتَيَاتِ ; لِأَنَّهُ بَدَأَ فِي الْعَذَارَى وَالْجَوَارِي بِالْبَصْرَةِ وَبِوَاسِطٍ وَبِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ بِوَاسِطٍ فِي وِلَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : طَاعُونُ الْأَشْرَافِ - يَعْنِي لِمَا مَاتَ فِيهِ مِنَ الْأَشْرَافِ ثُمَّ طَاعُونُ عَدِيِّ بْنِ أَرَطْأَةَ سَنَةَ مِائَةٍ ، ثُمَّ طَاعُونُ غُرَابٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ، وَغُرَابٌ : رَجُلٌ ، ثُمَّ طَاعُونُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي شَعْبَانَ وَشَهْرِ رَمَضَانَ وَأَقْلَعَ فِي شَوَّالٍ ، وَفِيهِ مَاتَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ : وَلَمْ يَقَعْ بِالْمَدِينَةِ وَلَا بِمَكَّةَ طَاعُونٌ قَطُّ ، هَذَا مَا حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ . وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَايِنِيُّ : كَانَتِ الطَّوَاعِينُ الْمَشْهُورَةُ الْعِظَامُ فِي الْإِسْلَامِ خَمْسَةً : طَاعُونُ شِيرَوَيْهِ بِالْمَدَائِنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ ، ثُمَّ طَاعُونُ عَمَوَاسَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ بِالشَّامِ مَاتَ فِيهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا ، ثُمَّ طَاعُونُ الْجَارِفِ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ ، هَلَكَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا ، مَاتَ فِيهِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ ابْنًا وَيُقَالُ : ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ ابْنًا ، وَمَاتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ أَرْبَعُونَ ابْنًا ، ثُمَّ طَاعُونُ الْفَتَيَاتِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ ، ثُمَّ كَانَ طَاعُونٌ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي رَجَبٍ ، وَاشْتَدَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَكَانَ يُحْصَى فِي سِكَّةِ الْمُرِيدِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفُ جِنَازَةٍ أَيَّامًا ، ثُمَّ خَفَّ فِي شَوَّالٍ ، وَكَانَ بِالْكُوفَةِ طَاعُونٌ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ . هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمَدَائِنِيُّ ، وَكَانَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ : كَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ . أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، نُسِبَ الطَّاعُونُ إِلَيْهَا لِكَوْنِهِ بَدَأَ فِيهَا ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ عَمَّ النَّاسَ فِيهِ ، ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّاعُونِ ، فَإِذَا عُلِمَ مَا قَالُوهُ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ فَإِنَّ قَتَادَةَ وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ : سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ; وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا بُطْلَانُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَاعُونَ الْجَارِفِ هُنَا وَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّاعُونَيْنِ فَإِمَّا سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ فَإِنَّ قَتَادَةَ كَانَ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَمِثْلُهُ يَضْبِطُهُ . وَإِمَّا سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " لَا يَعْرِضُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا " فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ لَا يَعْتَنِي بِالْحَدِيثِ . وَقَوْلُهُ : ( مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً ، وَلَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً إِلَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ) الْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ إِبْطَالُ قَوْلِ أَبِي دَاوُدَ الْأَعْمَى هَذَا وَزَعْمِهِ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا فَقَالَ قَتَادَةُ : الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ الْأَعْمَى ، وَأَجَلُّ وَأَقْدَمُ سِنًّا وَأَكْثَرُ اعْتِنَاءً بِالْحَدِيثِ وَمُلَازَمَةِ أَهْلِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْأَخْذِ عَنِ الصَّحَابَةِ ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ مَا حَدَّثَنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ بَدْرِيٍّ وَاحِدٍ ، فَكَيْفَ يَزْعُمُ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا ، هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . وَقَوْلُهُ : ( سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ ) هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ أَهْيَبَ وَيُقَالُ : وُهَيْبٍ ، وَأَمَّا ( الْمُسَيَّبُ ) وَالِدُ سَعِيدٍ فَصَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ : أَهْلُ الْعِرَاقِ يَفْتَحُونَ الْيَاءَ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَكْسِرُونَهَا ، قَالَ : وَحَكَى أَنَّ سَعِيدًا كَانَ يَكْرَهُ الْفَتْحَ . وَسَعِيدٌ إِمَامُ التَّابِعِينَ وَسَيِّدُهُمْ وَمُقَدَّمُهُمْ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَالْوَرَعِ وَالزُّهْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَأَحْوَالُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( عَنْ رَقَبَةَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيَّ الْمَدَنِيَّ كَانَ يَضَعُ أَحَادِيثَ كَلَامَ حَقٍّ ) أَمَّا ( رَقَبَةُ ) فَعَلَى لَفْظِ رَقَبَةِ الْإِنْسَانِ ، وَهُوَ رَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَانَ عَظِيمَ الْقَدْرِ جَلِيلَ الشَّأْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( كَلَامَ حَقٍّ ) فَبِنَصْبِ كَلَامَ ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ أَحَادِيثَ ، وَمَعْنَاهُ كَلَامٌ صَحِيحُ الْمَعْنَى وَحِكْمَةٌ مِنَ الْحِكَمِ ، وَلَكِنَّهُ كَذَبَ فَنَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَأَمَّا ( أَبُو جَعْفَرٍ ) هَذَا فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِسْوَرٍ الْمَدَائِنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْوَاضِعِينَ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِسْوَرِ بْنِ عَوْنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ ، وَذَكَرَ كَلَامَ رَقَبَةَ وَهُوَ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي هُنَا ، ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي الْأُصُولِ هُنَا ( الْمَدَنِيُّ ) وَفِي بَعْضِهَا ( الْمَدِينِيُّ ) بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا هُنَا الْمَدَائِنِيَّ ، وَوَقَعَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ الْمَدَائِنِيُّ ، فَأَمَّا الْمَدِينِيُّ وَالْمَدَنِيُّ فَنِسْبَةٌ إِلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْقِيَاسُ الْمَدَنِيُّ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَمَنْ أَثْبَتَهَا فَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ . وَرَوَى أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ الْإِمَامُ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْخَطِّ الْمُتَمَاثِلَةِ فِي النَّقْطِ وَالضَّبْطِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ قَالَ : الْمَدِينِيُّ - يَعْنِي بِالْيَاءِ - : هُوَ الَّذِي أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا ، وَالْمَدَنِيُّ الَّذِي تَحَوَّلَ عَنْهَا وَكَانَ مِنْهَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ : أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ فِي بَعْضِهَا وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا صَاحِبُ مُسْلِمٍ وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ عَنْهُ ، فَيَكُونُ قَدْ سَاوَى مُسْلِمًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَا فِيهِ بِرَجُلٍ ، وَأَمَّا ( تَقَدَّمَ بَيَانُهُ . قَوْلُهُ : ( قُلْتُ : إِنَّ حَدَّثَنَا عَنِ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ) فَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، ص: لِعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : . قَالَ : كَذَبَ وَاللَّهِ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا عَمْرٌو ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ ) . أَمَّا ( عَوْفٌ ) فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ . وَأَمَّا ( ) فَهُوَ الْقَدَرِيُّ الْمُعْتَزِلِيُّ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ) . صَحِيحٌ مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ هَذَا . وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنِ اهْتَدَى بِهَدْيِنَا وَاقْتَدَى بِعِلْمِنَا وَعَمَلِنَا وَحُسْنِ طَرِيقَتِنَا ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ إِذَا لَمْ يَرْضَ فِعْلَهُ : لَسْتَ مِنِّي ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِنَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " " وَأَشْبَاهِهِ ، وَمُرَادُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا بَيَانُ أَنَّ عَوْفًا جَرَّحَ وَقَالَ : كَذَبَ ، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ نَسَبَهُ إِلَى عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ الْحَسَنِ ، وَكَانَ عَوْفٌ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْحَسَنِ وَالْعَارِفِينَ بِأَحَادِيثِهِ ، فَقَالَ كَذَبَ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الْحَسَنِ ، فَلَمْ يَرْوِ الْحَسَنُ هَذَا ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ هَذَا مِنَ الْحَسَنِ . وَقَوْلُهُ : ( أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ ) مَعْنَاهُ : كَذَبَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِيُعَضِّدَ بِهَا مَذْهَبَهُ الْبَاطِلَ الرَّدِيءَ وَهُوَ الِاعْتِزَالُ ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَعَاصِي يُخْرِجُ صَاحِبَهُ عَنِ الْإِيمَانِ وَيُخَلِّدُهُ فِي النَّارِ وَلَا يُسَمُّونَهُ كَافِرًا بَلْ فَاسِقًا مُخَلَّدًا فِي النَّارِ ، وَسَيَأْتِي الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِقَوَاطِعِ الْأَدِلَّةِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَوْلُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ : ( إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ ) مَعْنَاهُ : إِنَّمَا نَهْرُبُ أَوْ نَخَافُ مِنْ هَذِهِ الْغَرَائِبِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا مَخَافَةً مِنْ كَوْنِهَا كَذِبًا فَنَقَعُ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كَانَتْ أَحَادِيثَ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ فَحَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْبِدَعِ أَوْ فِي مُخَالَفَةِ الْجُمْهُورِ . وَقَوْلُهُ : ( نَفْرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ . وَقَوْلُهُ : ( نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي فِي إِحْدَاهُمَا . قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُبْتَدِعًا قَدَرِيًّا . قَوْلُهُ : ( كَتَبْتُ إِلَى عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ شُعْبَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ قَاضِي وَاسِطٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ : لَا تَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئًا وَمَزِّقْ كِتَابِي ) وَأَبُو شَيْبَةَ هَذَا هُوَ جَدُّ أَوْلَادِ أَبِي شَيْبَةَ وَهُمْ : أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَالْقَاسِمُ بَنُو مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو شَيْبَةَ ضَعِيفٌ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَبَيَانَهُمْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَوَاسِطٌ مَصْرُوفٌ ، كَذَا سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ ، وَهِي مِنْ بِنَاءِ وَقَوْلُهُ : ( مَزِّقْ كِتَابِي ) هُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ أَمَرَهُ بِتَمْزِيقِهِ مَخَافَةً مِنْ بُلُوغِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ. أَبِي شَيْبَةَ وَوُقُوفِهِ عَلَى ذِكْرِهِ لَهُ بِمَا يَكْرَهُ لِئَلَّا يَنَالَهُ مِنْهُ أَذًى أَوْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ. قَوْلُهُ فِي صَالِحٍ الْمُرِّيِّ : ( كَذَبَ ) هُوَ مِنْ نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ ، مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ مُسْلِمٌ : يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ صِنَاعَةَ هَذَا الْفَنِّ فَيُخْبِرُونَ بِكُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَفِيهِ الْكَذِبُ فَيَكُونُونَ كَاذِبِينَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ سَهْوًا كَانَ الْإِخْبَارُ أَوْ عَمْدًا ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَكَانَ صَالِحٌ هَذَا مِنْ كِبَارِ الْعُبَّادِ الزُّهَّادِ الصَّالِحِينَ ، وَهُوَ صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَبُو بَشِيرٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي ، وَقِيلَ لَهُ : الْمُرِّيُّ ; لِأَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مُرَّةَ أَعْتَقَتْهُ . وَأَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ مُعْتَقَةٌ لِلْمَرْأَةِ الْمُرِّيَّةِ . وَكَانَ صَالِحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَسَنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ ، وَقَدْ مَاتَ بَعْضُ مَنْ سَمِعَ قِرَاءَتَهُ ، وَكَانَ شَدِيدَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، كَثِيرَ الْبُكَاءِ ، قَالَ : كَانَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ صَالِحٌ إِذَا أَخَذَ فِي قَصَصِهِ كَأَنَّهُ رَجُلٌ مَذْعُورٌ ، يُفْزِعُكَ أَمْرُهُ مِنْ حُزْنِهِ ، وَكَثْرَةِ بُكَائِهِ كَأَنَّهُ ثَكْلَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( عَنْ مِقْسَمٍ ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ . وَقَوْلُهُ : ( قُلْتُ لِلْحَكَمِ مَا تَقُولُ فِي أَوْلَادِ الزِّنَى قَالَ : يُصَلَّى عَلَيْهِمْ ، قُلْتُ : مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُرْوَى ، قَالَ : يُرْوَى عَنِ فَقَالَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ كَذَبَ فَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ مِنْ قَوْلِهِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الْحَسَنِ وَعَنْ عَلِيٍّ ، لَكِنَّ الْحُفَّاظَ يَعْرِفُونَ كَذِبَ الْكَذَّابِينَ بِقَرَائِنَ ، وَقَدْ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلَ قَطِعِيَّةٍ يَعْرِفهَا أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ فَقَوْلُهُمْ مَقْبُولٌ فِي كُلِّ هَذَا ، وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِهِ . وَعُمَارَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ ، وَيَحْيَى بْنُ الْجَزَّارِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَبِالرَّاءِ آخِرَهُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ غَيْرُهُ ، وَمَنْ سِوَاهُ خَزَّارٌ أَوْ خَرَّازٌ بِالْخَاءِ فِيهِمَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ وَذَكَرَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَقَالَ : حَلَفْتُ أَنْ لَا أَرْوِيَ عَنْهُ شَيْئًا وَلَا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ قَالَ : لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ . وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ ) أَمَّا ( مَحْدُوجٌ ) فَبِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مَضْمُومَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ جِيمٍ ، وَ ( خَالِدٌ ) هَذَا وَاسِطِيٌّ ضَعِيفٌ ، ضَعَّفَهُ أَيْضًا وَكُنْيَتُهُ النَّسَائِيُّ أَبُو رَوْحٍ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَأَمَّا ( زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ ) فَبَصْرِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَمَّارٍ ضَعِيفٌ ، قَالَ فِي تَارِيخِهِ : تَرَكُوهُ . وَأَمَّا ( الْبُخَارِيُّ بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَهُوَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَأَمَّا ( مُوَرِّقٌ ) فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ مُوَرِّقُ بْنُ الْمُشَمْرَجِ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو الْمُعْتَمِرِ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ الْعَابِدُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ ) فَالْقَائِلُ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ ، وَالنَّاسِبُ وَالْمَنْسُوبَانِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، خَالِدُ بْنُ مَحْدُوجٍ وَزِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( حَلَفْتُ أَنْ لَا أَرْوِيَ عَنْهُمَا ) فَفِعْلُهُ نَصِيحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَمُبَالَغَةٌ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُمَا لِئَلَّا يَغْتَرَّ أَحَدٌ بِهِمَا فَيَرْوِيَ عَنْهُمَا الْكَذِبَ ; فَيَقَعَ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُبَّمَا رَاجَ حَدِيثُهُمَا فَاحْتُجَّ بِهِ ، وَأَمَّا حُكْمُهُ بِكَذِبِ مَيْمُونٍ لِكَوْنِهِ حَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ عَنْ وَاحِدٍ ثُمَّ عَنْ آخَرَ ثُمَّ عَنْ آخَرَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ انْضِمَامِ الْقَرَائِنِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى الْكَذِبِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ الْعَطَّارَةِ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ هَذَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا : الْحَوْلَاءُ ، عَطَّارَةٌ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَذَكَرَتْ خَبَرَهَا مَعَ زَوْجِهَا ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ لَهَا فِي فَضْلِ الزَّوْجِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ بِكَمَالِهِ وَيُقَالُ : إِنَّ هَذِهِ الْعَطَّارَةَ هِيَ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ . قَوْلُهُ : ( فَأَنَا لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ ) وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَرْفُوعٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ لَقِيتُ . قَوْلُهُ : ( إِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ وَمَعْنَاهُ فَأَنْتُمَا تَعْلَمَانِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَا زَائِدَةً ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَفَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ وَيَكُونَ اسْتِفْهَامَ تَقْرِيرٍ وَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ . قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ شَبَابَةَ يَقُولُ : كَانَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ يُحَدِّثنَا فَيَقُولُ : قَالَ سُوَيْدُ بْنُ عَقَلَةَ شَبَابَةُ : وَسَمِعْتُ عَبْدَ الْقُدُّوسِ يَقُولُ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتَّخَذَ الرَّوْحُ عَرْضًا قَالَ : فَقِيلَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ هَذَا ؟ فَقَالَ : يَعْنِي يُتَّخَذُ كَوَّةٌ فِي حَائِطِهِ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ الرَّوْحُ ) الْمُرَادُ بِهَذَا الْمَذْكُورِ بَيَانُ تَصْحِيفِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ وَغَبَاوَتِهِ وَاخْتِلَالِ ضَبْطِهِ وَحُصُولِ الْوَهْمِ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ ، فَأَمَّا الْإِسْنَادُ فَإِنَّهُ قَالَ : بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ ظَاهِرٌ وَخَطَأٌ بَيِّنٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ غَفَلَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ . وَأَمَّا الْمَتْنُ فَقَالَ : الرَّوْحُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَعَرْضًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ وَخَطَأٌ صَرِيحٌ ، وَصَوَابُهُ الرُّوحُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَغَرَضًا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ . وَمَعْنَاهُ : نَهَى أَنْ نَتَّخِذَ الْحَيَوَانَ الَّذِي فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا أَيْ هَدَفًا لِلرَّمْيِ فَيُرْمَى إِلَيْهِ بِالنُّشَّابِ وَشِبْهِهِ ، وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَانُ فِقْهِهِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَأَمَّا ( سُوَيْدُ بْنُ عَقَلَةَ شَبَابَةُ ) فَتَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهِ وَضَبْطُهُ . وَأَمَّا ( الْكَوَّةُ ) فَبِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : وَحُكِيَ فِيهَا الضَّمُّ . وَقَوْلُهُ ( لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ الرَّوْحُ ) أَيِ النَّسِيمُ . قَوْلُهُ : ( قَالَ حَمَّادٌ بَعْدَمَا جَلَسَ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ : مَا هَذِهِ الْعَيْنُ الْمَالِحَةُ الَّتِي نَبَعَتْ قِبَلَكُمْ ، قَالَ : نَعَمْ يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ ) أَمَّا ( مَهْدِيٌّ ) هَذَا : فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ ، قَالَ هُوَ بَصْرِيٌّ مَتْرُوكٌ يَرْوِي عَنْ . وَقَوْلُهُ : ( الْعَيْنُ الْمَالِحَةُ ) كِنَايَةٌ عَنْ ضَعْفِهِ وَجَرْحِهِ . وَقَوْلُهُ : ( قَالَ : نَعَمْ يَا النَّسَائِيُّ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ أَبَا إِسْمَاعِيلَ ) كَأَنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى جَرْحِهِ ، وَأَبُو إِسْمَاعِيلَ كُنْيَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ . قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ قَالَ : مَا بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ حَدِيثٌ إِلَّا أَتَيْتُ بِهِ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَرَأَهُ عَلَيَّ ) أَمَّا ( أَبُو عَوَانَةَ ) فَاسْمُهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبَانٌ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ وَالصَّرْفُ أَجْوَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبَانٍ ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ بِكُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ . قَوْلُهُ : ( إِنَّ حَمْزَةَ الزَّيَّاتَ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا سَمِعَهُ مِنْ أَبَانٍ فَمَا عَرَفَ مِنْهُ إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا وَمِثْلُهُ اسْتِئْنَاسٌ وَاسْتِظْهَارٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ ضَعْفِ أَبَانٍ لَا أَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَمْرِ الْمَنَامِ وَلَا أَنَّهُ تَبْطُلُ بِسَبَبِهِ سُنَّةٌ ثَبَتَتْ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ سُنَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ فَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ بِسَبَبِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ . وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " " . فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بِهِ لِأَنَّ حَالَةَ النَّوْمِ لَيْسَتْ حَالَةَ ضَبْطٍ وَتَحْقِيقٍ لِمَا يَسْمَعُهُ الرَّائِي ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا لَا مُغَفَّلًا وَلَا سَيِّئَ الْحِفْظِ وَلَا كَثِيرَ الْخَطَأِ وَلَا مُخْتَلَّ الضَّبْطِ ، وَالنَّائِمُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ لِاخْتِلَالِ ضَبْطِهِ ، هَذَا كُلُّهُ فِي مَنَامٍ يَتَعَلَّقُ بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ عَلَى خِلَافِ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْوُلَاةُ ، أَمَّا إِذَا أَوْ يُرْشِدُهُ إِلَى فِعْلِ مَصْلَحَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعَمَلِ عَلَى وَفْقِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ الْمَنَامِ بَلْ تَقَرَّرَ مِنْ أَصْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي رُؤْيَتَهُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ وَتَلْبِيسِ الشَّيْطَانِ إِثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ شَرْطِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَشَهَادَتُهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُ بِفِعْلِ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ الدَّارِمِيُّ ) قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى دَارِمٍ . وَأَمَّا ( ) فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ جَارِحَةَ الْكُوفِيُّ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْمُجْمَعُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَتَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ وَفَضِيلَتِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ : اكْتُبْ عَنْ بَقِيَّةَ مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ ، وَلَا تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ ، وَلَا تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي إِسْمَاعِيلَ خِلَافَ قَوْلِ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ ، قَالَ عَبَّاسٌ : سَمِعْتُ يَقُولُ : يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ وَكَانَ أَحَبَّ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَقِيَّةَ ، وَقَالَ : سَمِعْتُ يَقُولُ : هُوَ ثِقَةٌ ، وَالْعِرَاقِيُّونَ يَكْرَهُونَ حَدِيثَهُ وَقَالَ : مَا رُوِيَ عَنِ الشَّامِيِّينَ أَصَحُّ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ الْبُخَارِيُّ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ : إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بِلَادِهِ فَصَحِيحٌ ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ : كُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ : عِلْمُ الشَّامِ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، يَعْقُوبُ : وَتَكَلَّمَ قَوْمٌ فِي إِسْمَاعِيلَ ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَدْلٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ الشَّامِ ، وَلَا يَدْفَعُهُ دَافِعٌ ، وَأَكْثَرُ مَا تَكَلَّمُوا قَالُوا : يُغْرِبُ عَنْ ثِقَاتِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ ، وَقَالَ : يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِسْمَاعِيلُ ثِقَةٌ فِيمَا رَوَى عَنِ الشَّامِيِّينَ ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَإِنَّ كِتَابَهُ ضَاعَ فَخَلَطَ فِي حِفْظِهِ عَنْهُمْ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هُوَ لَيِّنٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَفَّ عَنْهُ إِلَّا وَقَالَ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ التِّرْمِذِيُّ : قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ أَصْلَحُ مِنْ بَقِيَّةَ فَإِنَّ لِبَقَيَّةَ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : قَالَ لِي : يَرْوُونَ عِنْدَكُمْ عَنْ وَكِيعٌ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، فَقُلْتُ : أَمَّا الْوَلِيدُ وَمَرْوَانُ فَيَرْوِيَانِ عَنْهُ ، وَأَمَّا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسٍ فَلَا ، فَقَالَ : وَأَيُّ شَيْءٍ الْهَيْثَمُ وَابْنُ إِيَاسٍ إِنَّمَا أَصْحَابُ الْبَلَدِ الْوَلِيدُ وَمَرْوَانُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلَا أَنَّهُ يُكَنِّي الْأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى ، كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ ) قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ ) هَذَا مَجْهُولٌ وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً لَا أَصْلًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكِتَابِ نَظِيرُ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهَ إِدْخَالِهِ هُنَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( يُكَنِّي الْأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ إِذَا رَوَى عَنْ إِنْسَانٍ مَعْرُوفٍ بِاسْمِهِ كَنَاهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ ، وَإِذَا رَوَى عَنْ مَعْرُوفٍ بِكُنْيَتِهِ سَمَّاهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ التَّدْلِيسِ وَهُوَ قَبِيحٌ مَذْمُومٌ فَإِنَّهُ يُلَبِّسُ أَمْرَهُ عَلَى النَّاسِ وَيُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّاوِيَ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الضَّعِيفَ فَيُخْرِجُهُ عَنْ حَالِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْجَرْحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَعَلَى تَرْكِهِ إِلَى حَالَةِ الْجَهَالَةِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ ; بَلْ يَحْتَجُّونَ لِصَاحِبِهَا وَتُفْضِي تَوَقُّفًا عَنِ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ أَوْ ضَعْفِهِ عِنْدَ الْآخَرِينَ ، وَقَدْ يَعْتَضِدُ الْمَجْهُولُ فَيُحْتَجُّ بِهِ أَوْ يُرَجَّحُ بِهِ غَيْرُهُ أَوْ يَسْتَأْنِسُ بِهِ . وَأَقْبَحُ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يُكَنِّيَ الضَّعِيفَ ، أَوْ يُسَمِّيَهُ بِكُنْيَةِ الثِّقَةِ أَوْ بِاسْمِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ذَلِكَ ، وَشُهْرَةِ الثِّقَةِ بِهِ فَيُوهِمَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا وَبَسْطَهُ فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا ( حُكْمَ التَّدْلِيسِ الْوُحَاظِيُّ ) فَبِضَمِّ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ فَتْحَ الْوَاوِ أَيْضًا ، قَالَ : بَطْنٌ مِنْ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ حِمْيَرَ ، وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ هَذَا هُوَ الشَّامِيُّ الَّذِي تَقَدَّمَ تَضْعِيفُهُ وَتَصْحِيفُهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ حَبِيبٍ الْكَلَاعِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الشَّامِيُّ فَهُوَ كَلَاعِيٌ وُحَاظِيٌ . وَقَوْلُ الدَّارِمِيِّ : ( سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ فَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُعَلَّى كَذَبَ عَلَى أَبِي وَائِلٍ فِي قَوْلِهِ هَذَا ; لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، وَقِيلَ : سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَهَذَا قَبْلَ انْقِضَاءِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِثَلَاثِ سِنِينَ ، وَصِفِّينَ كَانَتْ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ عَلَيْهِمْ بِصِفِّينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ بَعْدَ الْمَوْتِ ، مَعَ جَلَالَتِهِ وَكَمَالِ فَضِيلَتِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى صِيَانَتِهِ لَا يَقُولُ خَرَجَ عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِمْ ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ مِنَ وَأَبُو وَائِلٍ الْمُعَلَّى بْنِ عُرْفَانَ مَعَ مَا عُرِفَ مِنْ ضَعْفِهِ . وَقَوْلُهُ : ( أَتُرَاهُ ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَمَعْنَاهُ أَتَظُنُّهُ . وَأَمَّا ( صِفِّينَ ) فَبِكَسْرِ الصَّادِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ : الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ ، وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى حَكَاهَا عَنْ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ ثَعْلَبٍ عَنِ الْفَرَّاءِ ، وَحَكَاهَا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْوَاوِ فِي حَالِ الرَّفْعِ ، وَهِيَ مَوْضِعُ الْوَقْعَةِ بَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مَعَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - . وَأَمَّا ( عُرْفَانُ ) وَالِدُ الْمُعَلَّى فَبِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ هَذَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَحُكِيَ فِيهِ كَسْرُ الْعَيْنِ ، وَبِالْكَسْرِ ضَبَطَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ الْعَبْدَرِيُّ ، وَالْمُعَلَّى هَذَا أَسَدِيٌّ كُوفِيٌّ ضَعِيفٌ ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَارِيخِهِ : هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا وَغَيْرُهُ . وَأَمَّا ( بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ ، لَقَبٌ وَاسْمُهُ الْبُخَارِيُّ النَّسَائِيُّ أَبُو نُعَيْمٍ ) فَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُهَيْرٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ كُوفِيٌّ مِنْ أَجَلِّ أَهْلِ زَمَانِهِ وَمِنْ أَتْقَنِهِمْ رَحِمَهُ اللَّهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( وَحَدَّثَنِي ) اسْمُ جَعْفَرٍ هَذَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، كَانَ ثِقَةً عَالِمًا ثَبْتًا مُتْقِنًا أَحَدَ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ ، وَكَانَ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ . قَوْلُهُ : ( أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ ) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا صَوَابُهَا ، قَالَ : وَقَدْ يُسَهَّلُ فَتُفْتَحُ الْوَاوُ وَيُنْقَلُ إِلَيْهَا حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَمَنْ ضَمَّ التَّاءَ وَهَمَزَ الْوَاوَ فَقَدْ أَخْطَأَ ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَالرُّوَاةِ وَكَمَا قَيَّدْنَاهُ أَوَّلًا قَيَّدَهُ أَصْحَابُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ ، وَكَذَلِكَ أَتْقَنَاهُ عَلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ شُيُوخِنَا ، قَالَ : وَالتَّوْءَمَةُ هَذِهِ هِيَ بِنْتُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ قَالَهُ وَغَيْرُهُ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ الْوَاقِدِيُّ : وَكَانَتْ مَعَ أُخْتٍ لَهَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَلِذَلِكَ قِيلَ : التَّوْءَمَةُ وَهِيَ مَوْلَاةُ أَبِي صَالِحٍ ، وَأَبُو صَالِحٍ هَذَا اسْمُهُ نَبْهَانُ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي ، ثُمَّ إِنَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَكَمَ بِضَعْفِ مَالِكًا صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَقَالَ : لَيْسَ هُوَ ثِقَةً ، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ : صَالِحٌ هَذَا ثِقَةٌ حُجَّةٌ فَقِيلَ : إِنَّ تَرَكَ السَّمَاعَ مِنْهُ فَقَالَ : إِنَّمَا أَدْرَكَهُ يَحْيَى ابْنُ مَعِينٍ مَالِكًا مَالِكٌ بَعْدَمَا كَبُرَ وَخَرِفَ وَكَذَلِكَ الثَّوْرِيُّ إِنَّمَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ خَرِفَ فَسَمِعَ مِنْهُ أَحَادِيثَ مُنْكَرَاتٍ ، وَلَكِنْ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ فَهُوَ ثَبْتٌ . وَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا سَمِعُوا مِنْهُ قَدِيمًا مِثْلُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمْ . وَقَالَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ أَبُو زُرْعَةَ : صَالِحٌ هَذَا ضَعِيفٌ ، وَقَالَ : لَيْسَ بِقَوِيٍّ . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حَيَّانَ : تَغَيَّرَ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ، وَاخْتَلَطَ حَدِيثُهُ الْأَخِيرُ بِحَدِيثِهِ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا ( أَبُو الْحُوَيْرِثِ ) الَّذِي قَالَ مَالِكٌ : إِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ فَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ الْمَدَنِيُّ ، قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ ، وَأَنْكَرَ قَوْلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَالِكٍ : إِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ . وَقَالَ : رَوَى عَنْهُ شُعْبَةَ . وَذَكَرَهُ فِي تَارِيخِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ ، قَالَ : وَكَانَ الْبُخَارِيُّ شُعْبَةُ يَقُولُ فِيهِ : أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ ، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ وَهْمٌ . وَأَمَّا ( الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ شُعْبَةُ ) الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ - فَهُوَ شُعْبَةُ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَقِيلَ : أَبُو يَحْيَى ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ضَعَّفَهُ كَثِيرُونَ مَعَ مَالِكٍ وَقَالَ : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، قَالَ : وَلَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا . وَأَمَّا ( ) فَهُوَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَاسْمُهُ هِشَامُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ الْمَدَنِيُّ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّ جَدِّهِ ، وَأَمَّا ( أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ابْنُ عَدِيٍّ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ ) الَّذِي قَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ ، قَالَ : هُوَ أَنْصَارِيٌّ سُلَمِيٌّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ الزُّبَيْرُ : كَانَ يَتَشَيَّعُ رَوَى عَنِ ابْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَالَ : هُوَ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ . قَوْلُهُ : ( وَسَأَلْتُهُ - يَعْنِي - عَنْ رَجُلٍ فَقَالَ : لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتُهُ فِي كُتُبِي ) هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ النَّسَائِيُّ مَالِكًا مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ مَنْ أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ ثِقَةٌ ، فَمَنْ وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ثِقَةً عِنْدَ غَيْرِهِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تَعْدِيلٌ ، وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ; فَإِنَّهُ قَدْ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ الثِّقَةِ لَا لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ ، بَلْ لِلِاعْتِبَارِ وَالِاسْتِشْهَادِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ، أَمَّا إِذَا قَالَ : مِثْلَ قَوْلِ رِوَايَةِ الْعَدْلِ عَنْ مَجْهُولٍ هَلْ يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ ؟ مَالِكٍ أَوْ نَحْوَهُ فَمَنْ أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ عَدْلٌ ، أَمَّا إِذَا قَالَ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ; فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ عِنْدَ مَنْ يُوَافِقُ الْقَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ وَأَسْبَابِ الْجَرْحِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَأَمَّا مَنْ لَا يُوَافِقُهُ أَوْ يُجْهَلُ حَالُهُ فَلَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ فِي حَقِّهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ سَبَبُ جَرْحٍ لَا يَرَاهُ الْقَائِلُ جَارِحًا وَنَحْنُ نَرَاهُ جَارِحًا ; فَإِنَّ تَخْفَى وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا ، وَرُبَّمَا لَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ اطَّلَعْنَا فِيهِ عَلَى جَارِحٍ . قَوْلُهُ : ( عَنْ أَسْبَابَ الْجَرْحِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَ مُتَّهَمًا ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شُرَحْبِيلَ اسْمٌ عَجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ ، وَكَانَ شُرَحْبِيلُ هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَازِي ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ بِالْمَغَازِي فَاحْتَاجَ ، وَكَانُوا يَخَافُونَ إِذَا جَاءَ إِلَى الرَّجُلِ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطِهِ أَنْ يَقُولَ : لَمْ يَشْهَدْ أَبُوكَ بَدْرًا ، قَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ : كَانَ شُرَحْبِيلُ مَوْلًى لِلْأَنْصَارِ ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعْدٍ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ : كَانَ شَيْخًا قَدِيمًا رَوَى عَنْ وَعَامَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى اخْتَلَطَ ، وَاحْتَاجَ حَاجَةً شَدِيدَةً ، وَلَيْسَ يُحْتَجُّ بِهِ . قَوْلُهُ : ( زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ابْنُ قُهْزَاذَ عَنِ الطَّالَقَانِيِّ ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهُمَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا . قَوْلُهُ : ( لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ لَاخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) . وَ ( مُحَرَّرٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ الْأُولَى مَفْتُوحَةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ . قَوْلُهُ : ( قَالَ زَيْدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ ، لَا تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي ) أَمَّا ( أُنَيْسَةُ ) فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ النُّونِ ، وَاسْمُ ، وَأَمَّا الْأَخُ الْمَذْكُورُ فَاسْمُهُ ( أَبِي أُنَيْسَةَ زَيْدٌ يَحْيَى ) وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، وَهُوَ يَرْوِي عَنِ الزُّهْرِيِّ ، ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، قَالَ : لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ ، وَقَالَ : ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ، وَأَمَّا أَخُوهُ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْبُخَارِيُّ النَّسَائِيُّ زَيْدٌ فَثِقَةٌ جَلِيلٌ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ : كَانَ ثِقَةً ، كَثِيرَ الْحَدِيثِ ، فَقِيهًا رَاوِيَةً لِلْعِلْمِ . قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَبْدُ السَّلَامِ الْوَابِصِيُّ ) أَمَّا ( الدَّوْرَقِيُّ ) فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي وَسَطِ هَذَا الْبَابِ . وَأَمَّا ( الْوَابِصِيُّ ) فَبِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ ، الْأَسَدِيُّ ، أَبُو الْفَضْلِ الرَّقِّيُّ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - قَاضِي الرَّقَّةِ وَحَرَّانَ وَحَلَبٍ وَقَضَى بِبَغْدَادَ . قَوْلُهُ : ( ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيُّوبَ فَقَالَ : لَيْسَ بِصَاحِبِ حَدِيثٍ ) وَ ( فَرْقَدٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ فَرْقَدُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّبَخِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - مَنْسُوبٌ إِلَى سَبَخَةِ الْبَصْرَةِ ، أَبُو يَعْقُوبَ ، التَّابِعِيُّ الْعَابِدُ ، لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ; لِكَوْنِهِ لَيْسَ صَنْعَتَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ . وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : ثِقَةٌ . قَوْلُهُ : ( فَضَعَّفَهُ جِدًّا ) هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ مَصْدَرُ جَدَّ يَجِدُّ جِدًّا وَمَعْنَاهُ : تَضْعِيفًا بَلِيغًا . قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ ، وَعَبْدَ الْأَعْلَى ، وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنَ مُوسَى بْنِ دِينَارٍ ، وَقَالَ : حَدِيثُهُ رِيحٌ . وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ الدِّهْقَانِ ، وَعِيسَى بْنَ أَبِي عِيسَى الْمَدَنِيَّ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنَ مُوسَى بِإِثْبَاتِ لَفْظَةِ ( بْنَ ) بَيْنَ يَحْيَى وَمُوسَى ، وَهُوَ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ . وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا . كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ ; مِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ آخَرُونَ . وَالْغَلَطُ فِيهِ مِنْ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ ، لَا مِنْ مُسْلِمٍ . وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا فَضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ ، وَعَبْدَ الْأَعْلَى ، وَمُوسَى بْنَ دِينَارٍ ، وَمُوسَى بْنَ الدِّهْقَانِ ، وَعِيسَى . وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِمْ . وَأَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ فِي تَضْعِيفِهِمْ مَشْهُورَةٌ . فَأَمَّا ( حَكِيمٌ ) : كُوفِيٌّ مُتَشَيِّعٌ . قَالَ : هُوَ غَالٍ فِي التَّشْيِيعِ . وَقِيلَ ، أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَلِشُعْبَةَ : لِمَ تَرَكْتُمَا حَدِيثَ حَكِيمٍ ؟ قَالَا : نَخَافُ النَّارَ . وَأَمَّا ( عَبْدُ الْأَعْلَى ) فَهُوَ ابْنُ عَامِرٍ الثَّعَالِبِيُّ - بِالْمُثَلَّثَةِ الْكُوفِيُّ . وَأَمَّا ( مُوسَى بْنُ دِينَارٍ ) فَمَكِّيٌّ يَرْوِي عَنْ سَالِمٍ ، قَالَهُ . وَأَمَّا ( النَّسَائِيُّ مُوسَى بْنُ الدِّهْقَانِ ) فَبَصْرِيٌّ يَرْوِي عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَالدِّهْقَانُ بِكَسْرِ الدَّالِ . وَأَمَّا ( عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ) فَهُوَ عِيسَى بْنُ مَيْسَرَةَ أَبُو مُوسَى ، وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيُّ ، الْمَدَنِيُّ أَصْلُهُ كُوفِيٌّ يُقَالُ لَهُ : الْخَيَّاطُ وَالْحَنَّاطُ ، وَالْخَبَّاطُ ، الْأَوَّلُ إِلَى الْخِيَاطَةِ ، وَالثَّانِي إِلَى الْحِنْطَةِ وَالثَّالِثُ إِلَى الْخَبَطِ قَالَ : كَانَ خَيَّاطًا ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَصَارَ حَنَّاطًا ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَصَارَ يَبِيعُ الْخَبَطَ . قَوْلُهُ ( لَا تَكْتُبْ حَدِيثَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ وَالسَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ ) هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَشْهُورُونَ بِالضَّعْفِ وَالتَّرْكِ فَعُبَيْدَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ ، وَغَيْرِهِمَا . وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ عَنْ بَعْضِ رُوَاةِأَنَّهُ ضَبَطَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا . وَ ( الْبُخَارِيِّ مُعَتِّبٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ . وَ ( عُبَيْدَةُ ) هَذَا صَبِيٌّ كُوفِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الْكَرِيمِ وَأَمَّا ( السَّرِيُّ ) فَهَمْدَانِيٌّ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ - كُوفِيٌّ ، وَأَمَّا ( مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ) كُوفِيٌّ أَيْضًا ; فَاسْتَوَى الثَّلَاثَةُ فِي كَوْنِهِمْ : كُوفِيِّينَ مَتْرُوكِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ : ( وَلَعَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبَ لَا أَصْلَ لَهَا ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْفُرَاوِيِّ عَنِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْفَارِسِيِّ عَنْ ، وَأَنَّهَا الصَّوَابُ ، وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ شُيُوخِهِمْ عَنِ الْعُذْرِيِّ عَنِ الرَّازِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ ( وَأَقَلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا ) قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا مُخْتَلٌّ مُصَحَّفٌ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ نَظَرٌ . وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِهِ تَصْحِيفًا فَإِنَّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجْهًا فِي الْجُمْلَةِ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا . قَوْلُهُ : ( وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ ) هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَيِ الَّذِينَ يُقْنَعُ بِحَدِيثِهِمْ ، لِكَمَالِ حِفْظِهِمْ وَإِتْقَانِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ . قَوْلُهُ : ( وَلَا مَقْنَعَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالنُّونِ . ( الْجَرْحُ وَشُرُوطُهُ ) فَرْعٌ فِي جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ إِحْدَاهَا : اعْلَمْ أَنَّ جَائِزٌ ; بَلْ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ لِصِيَانَةِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ ; بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ ، وَلَمْ يَزَلْ فُضَلَاءُ الْأَئِمَّةِ وَأَخْيَارُهُمْ ، وَأَهْلُ الْوَرَعِ مِنْهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ، كَمَا ذَكَرَ جَرْحَ الرُّوَاةِ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَا قِطْعَةً صَالِحَةً مِنْ كَلَامِهِمْ فِيهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ عَلَى الْجَارِحِ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ ، وَالتَّثَبُّتُ فِيهِ ، وَالْحَذَرُ مِنَ ، أَوْ بِنَقْصِ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ نَقْصُهُ ; فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الْجَرْحِ عَظِيمَةٌ ; فَإِنَّهَا غِيبَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مُبْطِلَةٌ لِأَحَادِيثِهِ ، مُسْقِطَةٌ لِسُنَّةٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَادَّةٌ لِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ . ثُمَّ إِنَّمَا يَجُوزُ الْجَرْحُ لِعَارِفٍ بِهِ ، مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِيهِ ، أَمَّا ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ ; فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْكَلَامُ فِي أَحَدٍ ; فَإِنْ تَكَلَّمَ كَانَ كَلَامُهُ غِيبَةً مُحَرَّمَةً ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيِّ التَّسَاهُلِ بِجَرْحِ سَلِيمٍ مِنَ الْجَرْحِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْجَارِحُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ . قَالَ : وَهَذَا ، وَلَوْ عَابَهُ قَائِلٌ بِمَا جُرِّحَ بِهِ أُدِّبَ وَكَانَ غِيبَةً . الثَّانِيَةُ : ، ؟ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ; لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا أَوْ عَدْلًا بِقَوْلٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ ; فَيُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ . ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ ; فَذَهَبَ وَكَثِيرُونَ إِلَى اشْتِرَاطِهِ لِكَوْنِهِ قَدْ يَعُدُّهُ مَجْرُوحًا بِمَا لَا يَجْرَحُ لِخَفَاءِ الْأَسْبَابِ وَلِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا . وَذَهَبَ فِي آخَرِينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ . وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مِنَ الْعَارِفِ بِأَسْبَابِهِ ، وَيُشْتَرَطُ مِنْ غَيْرِهِ . وَعَلَى مَذْهَبِ مَنِ اشْتَرَطَ فِي الْجَرْحِ التَّفْسِيرَ يَقُولُ : فَائِدَةُ أَنْ يُتَوَقَّفَ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِلَى أَنْ يُبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ . ثُمَّ مَنْ وُجِدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّنْ جَرَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ جَرْحُهُ مُفَسَّرًا بِمَا يَجْرَحُ ، ، قُدِّمَ الْجَرْحُ ، عَلَى الْمُخْتَارِ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجَمَاهِيرُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِينَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ : إِذَا كَانَ الْمُعَدِّلُونَ أَكْثَرَ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْجَارِحَ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ جَهِلَهُ الْمُعَدِّلُ . الثَّالِثَةُ : قَدْ ذَكَرَ كَالشَّاهِدِ يَجُوزُ جَرْحُهُ لِأَهْلِ الْجَرْحِ الْجَرْحُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنْ عَدْلٍ عَارِفٍ بِأَسْبَابِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ الْعَدَدُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ أَمْ لَا الشَّافِعِيُّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ الْجَرْحِ فِيمَنْ جُرِّحَ مُطْلَقًا وَلَوْ تَعَارَضَ جَرْحٌ وَتَعْدِيلٌ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَابِ : أَنَّ الشَّعْبِيَّ رَوَى عَنِ وَشَهِدَ أَنَّهُ كَاذِبٌ . وَعَنْ غَيْرِهِ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَكَانَ مُتَّهَمًا ، وَعَنْ غَيْرِهِ . فَقَدْ يُقَالُ لِمَ حَدَّثَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ ؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُمْ رَوَوْهَا لِيَعْرِفُوهَا ، وَلِيُبَيِّنُوا ضَعْفَهَا ; لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فِي وَقْتٍ عَلَيْهِمْ ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ ، أَوْ يَتَشَكَّكُوا فِي صِحَّتِهَا . الثَّانِي : أَنَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمُتَابَعَاتِ ، وَلَا يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ . الثَّالِثُ : أَنَّ يَكُونُ فِيهَا الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ وَالْبَاطِلُ ; فَيَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يُمَيِّزُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْإِتْقَانِ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ ، وَذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِمْ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ . وَبِهَذَا احْتَجَّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ نَهَى عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ الرِّوَايَةُ عَنِ الْمُغَفَّلِينَ وَالضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ الضَّعِيفَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِيُعْتَبَرَ بِهِ أَوْ يُسْتَشْهَدَ رِوَايَاتِ الرَّاوِي الضَّعِيفِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْكَلْبِيِّ ، فَقِيلَ لَهُ : أَنْتَ تَرْوِي عَنْهُ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ . الرَّابِعُ : أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْهُمْ أَحَادِيثَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ، وَالْقَصَصِ ، وَأَحَادِيثَ الزُّهْدِ ، وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ ، وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْحَدِيثِ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمُ التَّسَاهُلُ فِيهِ . وَرِوَايَةُ مَا سِوَى الْمَوْضُوعِ مِنْهُ وَالْعَمَلُ بِهِ ، لِأَنَّ أُصُولَ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ . وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ لَا يَرْوُونَ عَنِ الضُّعَفَاءِ شَيْئًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ فِي الْأَحْكَامِ ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَفْعَلُهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَلَا مُحَقِّقٌ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ : وَأَمَّا فِعْلُ كَثِيرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ ذَلِكَ ، وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَيْسَ بِصَوَابٍ ، بَلْ قَبِيحٌ جِدًّا ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ يَعْرِفُ ضَعْفَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ . فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ ضَعْفُهُ ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَلَيْهِ بِالتَّفْتِيشِ عَنْهُ إِنْ كَانَ عَارِفًا ، أَوْ بِسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي بَيَانِ وَقَدْ نَقَّحَهَا لَا يُحْتَجَّ بِالضَّعِيفِ فِي الْأَحْكَامِ أَصْنَافِ الْكَاذِبِينَ فِي الْحَدِيثِ وَحُكْمِهِمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ : الْكَاذِبُونَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : ضَرْبٌ عُرِفُوا بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ أَنْوَاعٌ : مِنْهُمْ : كَالزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَرْجُ لِلدِّينِ وَقَارًا . بِزَعْمِهِمْ وَتَدَيُّنًا كَجَهَلَةِ الْمُتَعَبِّدِينَ الَّذِينَ وَضَعُوا الْأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ وَالرَّغَائِبِ ، وَإِمَّا كَفَسَقَةِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَإِمَّا وَمُتَعَصِّبِي الْمَذَاهِبِ ، وَإِمَّا . وَقَدْ تَعَيَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَعِلْمِ الرِّجَالِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَضَعُ مَتْنَ الْحَدِيثِ ، وَلَكِنْ رُبَّمَا وَضَعَ لِلْمَتْنِ الضَّعِيفِ إِسْنَادًا صَحِيحًا مَشْهُورًا . وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ أَوْ يَزِيدَ فِيهَا ، وَيَتَعَمَّدُ ذَلِكَ إِمَّا لِلْإِغْرَابِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَإِمَّا لِرَفْعِ الْجَهَالَةِ عَنْ نَفْسِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْذِبُ فَيَدَّعِي سَمَاعَ مَا لَمْ يَسْمَعْ ، وَلِقَاءَ مَنْ لَمْ يَلْقَ ، وَيُحَدِّثُ بِأَحَادِيثِهِمُ الصَّحِيحَةِ عَنْهُمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمِدُ إِلَى كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَحِكَمِ الْعَرَبِ وَالْحُكَمَاءِ فَيَنْسُبُهَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَذَّابُونَ مَتْرُوكُو الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ مَنْ ، فَلَا يُحَدِّثُ عَنْ هَؤُلَاءِ ، وَلَا يَقْبَلُ مَا حَدَّثُوا بِهِ . وَلَوْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ مَا جَاءُوا بِهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ; كَشَاهِدِ الزُّورِ إِذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ . وَاخْتُلِفَ قُلْتُ : الْمُخْتَارُ الْأَظْهَرُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ . وَحُجَّةِ مَنْ رَدَّهَا أَبَدًا وَإِنْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ التَّغْلِيظُ ، وَتَعْظِيمُ الْعُقُوبَةِ فِي هَذَا الْكَذِبِ ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : . قَالَ الْقَاضِي : وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مَنْ لَا يَسْتَجِيزُ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَكِنَّهُ ، فَهَذَا أَيْضًا لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ ، وَتَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ ، وَيَرْجِعُ إِلَى الْقَبُولِ . فَأَمَّا ، فَلَا يُقْطَعُ بِجَرْحِهِ بِمِثْلِهِ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ عَلَيْهِ وَالْوَهْمِ ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ ، مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ مَنْ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَصْلًا ، إِمَّا تَرَافُعًا وَاسْتِخْفَافًا وَإِمَّا حِسْبَةً إِغْرَابًا وَسُمْعَةً تَعَصُّبًا وَاحْتِجَاجًا كَدُعَاةِ الْمُبْتَدِعَةِ اتِّبَاعًا لِهَوَى أَهْلِ الدُّنْيَا فِيمَا أَرَادُوهُ وَطَلَبِ الْعُذْرِ فِيمَا أَتَوْهُ تَجَاسَرَ بِالْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يُحَقِّقهُ وَلَمْ يَضْبِطهُ أَوْ هُوَ شَاكٌّ فِيهِ هَلْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ ؟ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ يَكْذِبُ فِي حَدِيثِ النَّاسِ ، قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ مَنْ يَنْدُرٌ مِنْهُ الْقَلِيلُ مِنَ الْكَذِبِ ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِهِ مُسْلِمًا ، فَلَا يُجَرَّحُ بِهَذَا ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً لِنُدُورِهَا ، وَلِأَنَّهَا لَا تَلْحَقُ بِالْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ قَلَّمَا يَسْلَمُونَ مِنْ مُوَاقَعَاتِ بَعْضِ الْهَنَاتِ . وَكَذَلِكَ لَا يُسْقِطُهَا ، أَوِ الْغُلُوِّ فِي الْقَوْلِ ; إِذْ لَيْسَ بِكَذِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْكَذِبِ ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ الْكَذِبِ ، وَلَا يُرِيدُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ . وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " كَذِبُهُ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْرِيضِ أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ " وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : هَذِهِ أُخْتِي . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ أَتْقَنَ هَذَا الْفَصْلَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ضَرَبْنَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً قَلِيلَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : يُقَالُ ضَرَبْتُ عَنِ الْأَمْرِ ، وَأَضْرَبْتُ عَنْهُ ، بِمَعْنَى كَفَفْتُ ، وَأَعْرَضْتُ . وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَأَضْرَبْتُ بِالْأَلِفِ . وَقَوْلُهُ : ( لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا ) أَيْ قَوِيًّا . وَقَوْلُهُ : ( وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ ) أَيْ : إِسْقَاطُهُ . وَالْخَامِلُ السَّاقِطُ وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ . وَقَوْلُهُ : ( أَجْدَى عَلَى الْأَنَامِ ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالْأَنَامُ بِالنُّونِ وَمَعْنَاهُ أَنْفَعُ لِلنَّاسِ . هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَالصَّحِيحُ . وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَجْدَى عَنِ الْآثَامِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ ; فَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ . وَيُقَالُ فِي الْأَنَامِ أَيْضًا حَكَاهُ الزُّبَيْدِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا . قَوْلُهُ : ( وَسُوءِ رَوِيَّتِهِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ، أَيْ : فِكْرِهِ . قَوْلُهُ : ( حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ الْمُعْتَمَدَةِ ( حَتَّى ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ . وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( حِينَ ) بِالْيَاءِ ثُمَّ بِالنُّونِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ . قَالَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا الْقَوْلِ : قَدْ أَعْطَيْتَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ يَلْزَمُ بِهِ الْعَمَلُ ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا مُعْظَمُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، وَهُوَ وُجُوبُ ; فَيَنْبَغِي الِاهْتِمَامُ بِهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِتَحْقِيقِهَا ، وَقَدْ أَطْنَبَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الِاحْتِجَاجِ لَهَا وَإِيضَاحِهَا ، وَأَفْرَدَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِالتَّصْنِيفِ ، وَاعْتَنَى بِهَا أَئِمَّةُ الْمُحَدِّثِينَ وَأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَأَوَّلُ مَنْ بَلَغَنَا تَصْنِيفُهُ فِيهَا الْإِمَامُ : رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ تَقَرَّرَتْ أَدِلَّتُهَا النَّقْلِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَذْكُرُ هُنَا طَرَفًا فِي بَيَانِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمَذَاهِبِ فِيهِ مُخْتَصَرًا . قَالَ الْعُلَمَاءُ : . عَنْ مِثْلِهِمْ وَيَسْتَوِي طَرَفَاهُ وَالْوَسَطُ ، وَيُخْبِرُونَ عَنْ حِسِّيٍّ لَا مَظْنُونٍ وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ . ثُمَّ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُضْبَطُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِينَ الْإِسْلَامُ وَلَا الْعَدَالَةُ . وَفِيهِ مَذَاهِبُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ ، وَتَفْرِيعَاتٌ مَعْرُوفَةٌ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ . وَأَمَّا سَوَاءٌ كَانَ الرَّاوِي لَهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ . وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ ; فَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ : أَنَّ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهَا ، ، وَأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ عَرَفْنَاهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ . وَذَهَبَتِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الشَّافِعِيُّ الْخَبَرُ ضَرْبَانِ : مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ فَالْمُتَوَاتِرُ ، مَا نَقَلَهُ عَدَدٌ لَا يُمْكِنُ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ. خَبَرُ الْوَاحِدِ : فَهُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ وَيُفِيدُ الظَّنَّ وَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْقَدَرِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَنَعَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ دَلِيلُ الْعَقْلِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَنَعَ دَلِيلُ الشَّرْعِ . وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْعَقْلِ . وَقَالَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ : لَا يَجِبُ الْعَمَلُ إِلَّا بِمَا رَوَاهُ اثْنَانِ عَنِ اثْنَيْنِ . وَقَالَ غَيْرُهُ . لَا يَجِبُ الْعَمَلُ إِلَّا بِمَا رَوَاهُ أَرْبَعَةٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ . وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ . وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّ الْآحَادَ الَّتِي فِي صَحِيحِ أَوْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْلِمٍ تُفِيدُ الْعِلْمَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْآحَادِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا الْقَوْلَ وَإِبْطَالَهُ فِي الْفُصُولِ وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ كُلُّهَا سِوَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَاطِلَةٌ ، وَإِبْطَالُ مَنْ قَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ ظَاهِرٌ ; فَلَمْ تَزَلْ كُتُبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَآحَادُ رُسُلِهِ يُعْمَلُ بِهَا ، وَيُلْزِمُهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَمَلَ بِذَلِكَ ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ . وَلَمْ تَزَلِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى امْتِثَالِ خَبَرِ الْوَاحِدِ إِذَا أَخْبَرَهُمْ بِسُنَّةٍ ، وَقَضَائِهِمْ بِهِ ، وَرُجُوعِهِمْ إِلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا ، وَنَقْضِهِمْ بِهِ مَا حَكَمُوا بِهِ خِلَافَهُ ، وَطَلَبِهِمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ عِنْدَ عَدَمِ الْحُجَّةِ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ وَاحْتِجَاجِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ ، وَانْقِيَادِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ . وَهَذَا كُلُّهُ مَعْرُوفٌ لَا شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ . وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُوجِبُ الْعِلْمَ : فَهُوَ مُكَابِرٌ لِلْحَسَنِ . وَكَيْفَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ وَاحْتِمَالُ الْغَلَطِ وَالْوَهْمِ وَالْكَذِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مُتَطَرِّقٌ إِلَيْهِ ؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِكَايَةً عَنْ مُخَالِفِهِ : ( وَالْمُرْسَلُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ قَوْلُ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ : وَذَهَبَ الشَّافِعِيِّ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ بَيَانَ أَحْكَامِ الْمُرْسَلِ وَاضِحَةً ، وَبَسَطْنَاهَا بَسْطًا شَافِيًا ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مُخْتَصَرًا وَجِيزًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ ( فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ ) يُقَالُ : عَزَبَ الشَّيْءُ عَنِّي بِفَتْحِ الزَّايِ وَيَعْزِبُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ . وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ . وَمَعْنَاهُ : ذَهَبَ . وَقَوْلُهُ : ( أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَوْقَفْتُ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ . وَالْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ وَقَفْتُ بِغَيْرِ أَلِفٍ . ( بَابُ صِحَّةِ إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ الْمُعَنْعِنِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُدَلِّسٌ ) حَاصِلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ.

باب الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَائِعِ الدِّينِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ وَحِفْظِهِ وَتَبْلِيغِهِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ
[ سـ :49 ... بـ :17]
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَعْمَلُ بِهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ فَقَالَ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُقَيَّرِ زَادَ خَلَفٌ فِي رِوَايَتِهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَقَدَ وَاحِدَةً

( بَابُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - )

وَشَرَائِعِ الدِّينِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ وَحِفْظِهِ وَتَبْلِيغِهِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ

هَذَا الْبَابُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَفِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً .

قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : ( حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) قَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يُعَانِي هَذَا الْفَنَّ أَنَّ هَذَا تَطْوِيلٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ، وَأَنَّهُ خِلَافَ عَادَتِهِ وَعَادَةِ الْحُفَّاظِ ; فَإِنَّ عَادَتَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولُوا عَنْ حَمَّادٍ وَعَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَهَذَا التَّوَهُّمُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ غَبَاوَةِ صَاحِبِهِ . وَعَدَمِ مُؤَانَسَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْفَنِّ ; فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَفْعَلُونَهُ فِيمَا اسْتَوَى فِيهِ لَفْظُ الرُّوَاةِ ، وَهُنَا اخْتَلَفَ لَفْظُهُمْ ; فَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ . وَفِي رِوَايَةِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَهَذَا التَّنْبِيهُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِمِثْلِهِ ، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى مِثْلِهِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ ، وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْفُصُولِ ، وَسَأُنَبِّهُ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْهُ أَيْضًا مُفَرَّقَةٍ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَالْمَقْصُودُ أَنْ تَعْرِفَ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ وَيَتَيَقَّظُ الطَّالِبُ لِمَا جَاءَ مِنْهَا فَيَعْرِفَهُ وَإِنْ لَمْ أَنُصَّ عَلَيْهِ اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِهِ بِمَا تَكَرَّرَ التَّنْبِيهُ بِهِ ، وَلِيُسْتَدَلَّ أَيْضًا بِذَلِكَ عَلَى عِظَمِ إِتْقَانِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَلَالَتِهِ وَوَرَعِهِ وَدِقَّةِ نَظَرِهِ وَحِذْقِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( أَبُو جَمْرَةَ ) وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَاسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ وَقِيلَ : ابْنُ عَاصِمٍ الضُّبَعِيُّ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْبَصْرِيُّ . قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ أَبُو جَمْرَةَ ، وَلَا جَمْرَةَ بِالْجِيمِ إِلَّا هُوَ . قُلْتُ : وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ شَيْخُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى أَبَا جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ هَذَا فِي الْأَفْرَادِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْمُحَدِّثِينَ مَنْ يُكْنَى أَبَا جَمْرَةَ بِالْجِيمِ سِوَاهُ وَيَرْوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثًا وَاحِدًا ذَكَرَ فِيهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَإِرْسَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ ابْنَ عَبَّاسٍ وَتَأَخُّرَهُ وَاعْتِذَارَهُ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ . وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ عُلُومُ الْحَدِيثِ وَالْقِطْعَةُ الَّتِي شَرَحَهَا فِي أَوَّلِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ رَوَى عَنْ سَبْعَةِ رِجَالٍ يَرْوُونَ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُّهُمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَمْزَةَ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ إِلَّا أَبَا جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ فَبِالْجِيمِ وَالرَّاءِ قَالَ : وَالْفَرْقُ بَيْنهمْ يُدْرَكُ بِأَنَّ شُعْبَةَ إِذَا أَطْلَقَ وَقَالَ : عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ بِالْجِيمِ . وَهُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ . وَإِذَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ فَهُوَ يَذْكُرُ اسْمَهُ أَوْ نَسَبَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ : الْوَفْدُ الْجَمَاعَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْقَوْمِ لِيَتَقَدَّمُوهُمْ فِي لُقِيِّ الْعُظَمَاءِ وَالْمَصِيرِ إِلَيْهِمْ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاحِدُهُمْ وَافِدٌ . قَالَ : وَوَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمُوا قَبَائِلَ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلْمُهَاجَرَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا : الْأَشَجُّ الْعَصْرِيُّ رَئِيسُهُمْ ، وَمَزِيدَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُحَارِبِيُّ ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ هَمَّامٍ الْمُحَارِبِيُّ ، وَصَحَّارُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُرِّيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ مَرْجُومٍ الْعَصْرِيُّ ، وَالْحَارِثُ بْنُ شُعَيْبٍ الْعَصْرِيُّ ، وَالْحَارِثُ بْنُ جُنْدُبٍ مِنْ بَنِي عَايِشٍ . وَلَمْ نَعْثُرْ بَعْدَ طُولِ التَّتَبُّعِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ . قَالَ : وَكَانَ سَبَبُ وُفُودِهِمْ أَحَدُ بَنِي غَنْمِ بْنِ وَدِيعَةَ كَانَ مَتْجَرُهُ إِلَى يَثْرِبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَشَخَصَ إِلَى يَثْرِبَ بِمَلَاحِفَ وَتَمْرٍ مِنْ هَجَرَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَبَيْنَا مُنْقِذُ بْنُ حَيَّانَ قَاعِدٌ إِذْ مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَضَ مُنْقِذٌ إِلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَمُنْقِذُ بْنُ حَيَّانَ كَيْفَ جَمِيعُ هَيْئَتِكَ وَقَوْمِكَ ؟ " ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ أَشْرَافِهِمْ رَجُلٍ رَجُلٍ يُسَمِّيهِمْ لِأَسْمَائِهِمْ . فَأَسْلَمَ مُنْقِذٌ وَتَعَلَّمَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ . ثُمَّ رَحَلَ قِبَلَ هَجَرَ . فَكَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ إِلَى جَمَاعَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ كِتَابًا فَذَهَبَ بِهِ وَكَتَمَهُ أَيَّامًا ، ثُمَّ اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَهِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَائِذٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ابْنِ حَارِثٍ وَالْمُنْذِرُ هُوَ الْأَشَجُّ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ لِأَثَرٍ كَانَ فِي وَجْهِهِ ، وَكَانَ مُنْقِذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصَلِّي وَيَقْرَأُ ، فَنَكِرَتِ امْرَأَتُهُ ذَلِكَ فَذَكَرَتْهُ لِأَبِيهَا الْمُنْذِرِ فَقَالَتْ : أَنْكَرْتُ بَعْلِي مُنْذُ قَدِمَ مِنْ يَثْرِبَ : إِنَّهُ يَغْسِلُ أَطْرَافَهُ ، وَيَسْتَقْبِلُ الْجِهَةَ تَعْنِي الْقِبْلَةَ ، فَيَحْنِي ظَهْرَهُ مَرَّةً وَيَضَعُ جَبِينَهُ مَرَّةً ، ذَلِكَ دَيْدَنُهُ مُنْذُ قَدِمَ ، فَتَلَاقَيَا فَتَجَارَيَا ذَلِكَ فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِهِ . ثُمَّ ثَارَ الْأَشَجُّ إِلَى قَوْمِهِ عَصَرٍ وَمُحَارِبٍ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ، فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى السَّيْرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَسَارَ الْوَفْدُ ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجُلَسَائِهِ : أَتَاكُمْ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ خَيْرُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَفِيهِمُ الْأَشَجُّ الْعَصَرِيُّ غَيْرَ نَاكِثِينَ وَلَا مُبَدِّلِينَ وَلَا مُرْتَابِينَ إِذْ لَمْ يُسْلِمْ قَوْمٌ حَتَّى وُتِرُوا .

قَالَ : وَقَوْلُهُمْ : ( إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ ) لِأَنَّهُ عَبْدُ الْقَيْسِ بْنُ أَفْصَى يَعْنِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْفَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ ابْنِ دَعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَكَانُوا يَنْزِلُونَ الْبَحْرَيْنَ الْخَطَّ وَأَعْنَابَهَا وَسُرَّةَ الْقَطِيفِ وَالظَّهْرَانِ إِلَى الرَّمْلِ إِلَى الْأَجْرَعِ مَا بَيْنَ هَجَرَ إِلَى قَصْرِ وَبَيْنُونَةَ ثُمَّ الْجَوْفَ وَالْعُيُونَ وَالْأَحْسَاءَ إِلَى حَدِّ أَطْرَافٍ وَسَائِرِ بِلَادِهَا . هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ . قَوْلُهُمْ : ( إِنَّا هَذَا الْحَيَّ ) فَالْحَيُّ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّخْصِيصِ . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ الَّذِي نَخْتَارُهُ نَصْبُ ( الْحَيِّ ) عَلَى التَّخْصِيصِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ رَبِيعَةَ وَمَعْنَاهُ إِنَّا هَذَا الْحَيُّ حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ . وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ ) . وَأَمَّا مَعْنَى الْحَيِّ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : الْحَيُّ اسْمٌ لِمَنْزِلِ الْقَبِيلَةِ ، ثُمَّ سُمِّيَتِ الْقَبِيلَةُ بِهِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَحْيَا بِبَعْضٍ .

قَوْلُهُمْ : ( وَقَدْ حَالَتْ بَيْننَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ ) سَبَبُهُ أَنَّ كُفَّارَ مُضَرَ كَانُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ، فَلَا يُمْكِنُهُمُ الْوُصُولُ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا عَلَيْهِمْ .

قَوْلُهُمْ : ( وَلَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ ) مَعْنَى نَخْلُصُ : نَصِلُ ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ : أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْكَ خَوْفًا مِنْ أَعْدَائِنَا الْكُفَّارِ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَنَا ، كَمَا كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ تَعْظِيمِ الْأَشْهُرِ الْحَرَامِ ، وَامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْقِتَالِ فِيهَا . وَقَوْلُهُمْ : ( شَهْرُ الْحَرَامِ ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا بِإِضَافَةِ شَهْرٍ إِلَى الْحَرَامِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَشْهُرُ الْحُرُمُ . وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظَائِرِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ : مَسْجِدُ الْجَامِعِ ، وَصَلَاةُ الْأُولَى . وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ فَعَلَى مَذْهَبِ النَّحْوِيِّينَ الْكُوفِيِّينَ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ . وَعَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْإِضَافَةُ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَهُمْ عَلَى حَذْفٍ فِي الْكَلَامِ لِلْعِلْمِ بِهِ فَتَقْدِيرُهُ : شَهْرُ الْوَقْتِ الْحَرَامِ ، وَأَشْهُرُ الْأَوْقَاتِ الْحُرُمِ ، وَمَسْجِدُ الْمَكَانِ الْجَامِعِ ، وَدَارُ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ ، وَجَانِبُ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُمْ : ( شَهْرُ الْحَرَامِ ) الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حُرُمٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ ( إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ ) . وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ ، وَذُو الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبٌ . هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْفُنُونِ . وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحْسَنِ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةُ الْكُتَّابِ قَالَ : ذَهَبَ الْكُوفِيّونَ إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ : الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ . قَالَ : وَالْكُتَّابُ يَمِيلُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ لِيَأْتُوا بِهِنَّ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ : وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ . وَقَوْمٌ يُنْكِرُونَ هَذَا وَيَقُولُونَ جَاءُوا بِهِنَّ مِنْ سَنَتَيْنِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ وَجَهْلٌ بِاللُّغَةِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ الْمُرَادُ ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُهَا ، وَأَنَّهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ; فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مِنْ سَنَتَيْنِ . قَالَ : وَالْأَوْلَى وَالِاخْتِيَارُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدْ تَظَاهَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالُوا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ : وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ . قَالَ النَّحَّاسُ : وَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمُحَرَّمِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ . قَالَ : وَجَاءَ مِنَ الشُّهُورِ ثَلَاثَةُ مُضَافَاتٍ شَهْرُ رَمَضَانَ وَشَهْرَا رَبِيعٍ . يَعْنِي وَالْبَاقِي غَيْرُ مُضَافَاتٍ . وَسُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ وَظُهُورِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ : الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ، ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ فَقَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ ) . وَفِي رِوَايَةٍ : ( شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَقَدَ وَاحِدَةً ) وَفِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى : ( قَالَ : وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ . قَالَ : أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ . قَالَ : وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ ) . وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ : ( آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَصُومُوا رَمَضَانَ ، وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ ) . هَذِهِ أَلْفَاظُهُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ وَقَالَ فِيهِ فِي بَعْضِهَا " شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَذَكَرَهُ فِي بَابِ إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَذَكَرَهُ فِي بَابٍ بَعْدَ بَابِ نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - ، وَقَالَ فِيهِ : آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ : الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، بِزِيَادَةِ وَاوٍ . وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ، وَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " بِزِيَادَةِ وَاوٍ أَيْضًا . وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الصِّيَامَ . وَذَكَرَ فِي بَابٍ حَدِيثَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . فَهَذِهِ أَلْفَاظُ هَذِهِ الْقِطْعَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا يُعَدُّ مِنَ الْمُشْكِلِ وَلَيْسَتْ مُشْكِلَةً عِنْدَ أَصْحَابِ التَّحْقِيقِ . وَالْإِشْكَالُ فِي كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ " . وَالْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ خَمْسٌ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا عَلَى أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا : مَا قَالَهُ الْإِمَامُابْنُ بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ : أَمَرَهُمْ بِالْأَرْبَعِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا ، ثُمَّ زَادَهُمْ خَامِسَةً ، يَعْنِي أَدَاءَ الْخُمْسِ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِكُفَّارِ مُضَرَ ، فَكَانُوا أَهْلَ جِهَادٍ وَغَنَائِمَ . وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ قَوْلُهُ : أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ أَعَادَهُ لِذِكْرِ الْأَرْبَعِ وَوَصْفِهِ لَهَا بِأَنَّهَا إِيمَانٌ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَلِتَفْسِيرِ الْإِسْلَامِ بِخَمْسٍ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا يُسَمَّى إِسْلَامًا يُسَمَّى إِيمَانًا وَأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ . وَقَدْ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ يُذْكَرِ الْحَجُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ فَرْضُهُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ فَلَيْسَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْبَعُ خَمْسًا ، وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَرْبَعٍ فَيَكُونُ مُضَافًا إِلَى الْأَرْبَعِ لَا وَاحِدًا مِنْهَا ; وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ مُطْلَقِ شُعَبِ الْإِيمَانِ . قَالَ : وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِ الصَّوْمِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَهُوَ إِغْفَالٌ مِنَ الرَّاوِي وَلَيْسَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الصَّادِرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ الصَّادِرِ مِنْ تَفَاوُتِهِمْ فِي الضَّبْطِ وَالْحِفْظِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ . فَافْهَمْ ذَلِكَ وَتَدَبَّرْهُ تَجِدْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا هَدَانَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِحَلِّهِ مِنَ الْعُقَدِ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو . وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مَا قَالَاهُ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَتَرَكْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ إِنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إِغْفَالٌ مِنَ الرَّاوِي وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَكَانَتْ وِفَادَةُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ وَنَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَهَا عَلَى الْأَشْهَرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ ) فَفِيهِ إِيجَابُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنَائِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ فِي السَّرِيَّةِ الْغَازِيَةِ وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ وَفُرُوعٌ سَنُنَبِّهُ عَلَيْهَا فِي بَابِهَا إِنْ وَصَلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَيُقَالُ : ( خُمُسٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا . وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَالسُّدُسُ وَالسُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالتُّسُعُ وَالْعُشُرُ بِضَمِّ ثَانِيهَا وَيُسَكَّنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُقَيَّرِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( الْمُزَفَّتِ ) بَدَلَ الْمُقَيَّرِ فَنَضْبِطُهُ ثُمَّ نَتَكَلَّمُ عَلَى مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . فَالدُّبَّاءُ بِضَمِّ الدَّالِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الْقَرْعُ الْيَابِسُ أَيِ الْوِعَاءُ مِنْهُ .

وَأَمَّا ( الْحَنْتَمُ ) فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ الْوَاحِدَةُ حَنْتَمَةُ .

وَأَمَّا ( النَّقِيرُ ) فَبِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْقَافِ .

وَأَمَّا ( الْمُقَيَّرُ ) فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَالْيَاءِ .

فَأَمَّا ( الدُّبَّاءُ ) فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .

وَأَمَّا ( الْحَنْتَمُ ) فَاخْتُلِفَ فِيهَا فَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا : أَنَّهَا جِرَارٌ خُضْرٌ ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ ثَابِتٌ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَوْ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا الْجِرَارُ كُلُّهَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو سَلَمَةَ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا جِرَارٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ مُقَيَّرَاتُ الْأَجْوَافِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزَادَ أَنَّهَا حُمْرٌ . وَالرَّابِعُ : عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جِرَارٌ حُمْرٌ أَعْنَاقُهَا فِي جُنُوبِهَا يُجْلَبُ فِيهَا الْخَمْرُ مِنْ مِصْرَ . وَالْخَامِسُ : عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا أَفْوَاهُهَا فِي جُنُوبِهَا يُجْلَبُ فِيهَا الْخَمْرُ مِنَ الطَّائِفِ . وَكَانَ نَاسٌ يَنْتَبِذُونَ فِيهَا يُضَاهُونَ بِهِ الْخَمْرَ . وَالسَّادِسُ عَنْ عَطَاءٍ : جِرَارٌ كَانَتْ تُعْمَلُ مِنْ طِينٍ وَشَعْرٍ وَدَمٍ .

وَأَمَّا ( النَّقِيرُ ) : فَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ : جِذْعٌ يُنْقَرُ وَسَطُهُ .

وَأَمَّا ( الْمُقَيَّرُ ) فَهُوَ الْمُزَفَّتُ وَهُوَ الْمَطْلِيُّ بِالْقَارِ وَهُوَ الزِّفْتُ . وَقِيلَ : الزِّفْتُ نَوْعٌ مِنَ الْقَارِ . وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : الْمُزَفَّتُ هُوَ الْمُقَيَّرُ .

وَأَمَّا مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ فَهُوَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ حَبَّاتٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِيَحْلُوَ وَيُشْرَبَ . وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ بِالنَّهْيِ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْإِسْكَارُ فِيهَا فَيَصِيرُ حَرَامًا نَجِسًا وَيَبْطُلُ مَالِيَّتُهُ فَنَهَى عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْلَافِ الْمَالِ ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَرِبَهُ بَعْدَ إِسْكَارِهِ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ .

وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ بَلْ أَذِنَ فِيهَا لِأَنَّهَا لِرِقَّتِهَا لَا يَخْفَى فِيهَا الْمُسْكِرُ . بَلْ إِذَا صَارَ مُسْكِرًا شَقَّهَا غَالِبًا . ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ إِلَّا فِي الْأَسْقِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ . هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ .

قَالَ : وَقَالَ قَوْمٌ : التَّحْرِيمُ بَاقٍ ، وَكَرِهُوا الِانْتِبَاذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ . ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :50 ... بـ :17]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ يَدَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْأَلُهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ فَقَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْوَفْدُ أَوْ مَنْ الْقَوْمُ قَالُوا رَبِيعَةُ قَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى قَالَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ قَالَ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ قَالَ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنْ الْمَغْنَمِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ قَالَ شُعْبَةُ وَرُبَّمَا قَالَ النَّقِيرِ قَالَ شُعْبَةُ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ وَقَالَ احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ وَرَاءَكُمْ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ الْمُقَيَّرِ وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَقَالَ أَنْهَاكُمْ عَمَّا يُنْبَذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَزَادَ ابْنُ مُعَاذٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ

قَوْلُهُ : ( قَالَ أَبُو بَكْرٍ : حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ الْآخَرُونَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ) هَذَا مِنِ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ غُنْدَرًا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَهُ بِلَقَبِهِ وَالْآخَرَانِ بِاسْمِهِ وَنَسَبهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ عَنْ شُعْبَةَ . قَالَ الْآخَرَانِ عَنْهُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَحَصَلَتْ مُخَالَفَةٌ بَيْنهمَا وَبَيْنَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلِهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ دَالَ غُنْدَرٍ مَفْتُوحَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَأَنَّ الْجَوْهَرِيَّ حَكَى ضَمَّهَا أَيْضًا . وَتَقَدَّمَ بَيَانُ سَبَبِ تَلْقِيبِهِ بِغُنْدَرٍ .

قَوْلُهُ : ( كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَتَقْدِيرُهُ : بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَحَذَفَ لَفْظَةَ بَيْنَهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ كَمَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِحَذْفِ " يَدَيْ " فَتَكُونُ " يَدَيْ " عِبَارَةً عَنِ الْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ أَيْ : قَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا مَعْنَى التَّرْجَمَةِ فَهُوَ التَّعْبِيرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ ، ثُمَّ قِيلَ : إِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَانَ يُتَرْجِمُ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِهَا ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَعِنْدِي أَنَّهُ كَانَ يُبَلِّغُ كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ ، إِمَّا لِزِحَامٍ مَنَعَ مِنْ سَمَاعِهِ فَأَسْمَعَهُمْ ، وَإِمَّا لِاخْتِصَارٍ مَنَعَ مِنْ فَهْمِهِ فَأَفْهَمَهُمْ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ . قَالَ : وَإِطْلَاقُهُ لَفْظَ النَّاسِ يُشْعِرُ بِهَذَا . قَالَ : وَلَيْسَتِ التَّرْجَمَةُ مَخْصُوصَةً بِتَفْسِيرِ لُغَةٍ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَقَدْ أَطْلَقُوا عَلَى قَوْلِهِمْ بَابُ كَذَا اسْمَ التَّرْجَمَةِ لِكَوْنِهِ يُعَبِّرُ عَمَّا يَذْكُرُهُ بَعْدَهُ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُفْهِمُهُمْ عَنْهُ وَيُفْهِمُهُ عَنْهُمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْأَلهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ ) أَمَّا ( الْجَرُّ ) فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ الْوَاحِدَةُ جَرَّةٌ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جِرَارٍ وَهُوَ هَذَا الْفَخَّارُ الْمَعْرُوفُ . وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِفْتَاءِ الْمَرْأَةِ الرِّجَالَ الْأَجَانِبَ ، وَسَمَاعِهَا صَوْتَهُمْ ، وَسَمَاعِهِمْ صَوْتَهَا لِلْحَاجَةِ . وَفِي قَوْلِهِ ( إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَخْ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ بَلْ حُكْمُهُ بَاقٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ وَأَكْثَرَتْ مِنْهُ تُرِيدُ بِهِ الْبِرَّ ، وَحُسْنَ اللِّقَاءِ . وَمَعْنَاهُ صَادَفْتُ رَحْبًا وَسَعَةً .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( غَيْرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( النَّدَامَى ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، وَ ( خَزَايَا ) بِحَذْفِهِمَا . وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِمَا ، وَرُوِيَ بِإِسْقَاطِهِمَا فِيهِمَا ، وَالرِّوَايَةُ فِيهِ غَيْرَ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْحَالِ .

وَأَشَارَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ إِلَى أَنَّهُ يُرْوَى أَيْضًا بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الصِّفَةِ لِلْقَوْمِ . وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى " ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

أَمَّا ( الْخَزَايَا ) فَجَمْعُ خَزْيَانَ كَحَيْرَانَ وَحَيَارَى وَسَكْرَانَ وَسَكَارَى وَالْخَزْيَانُ الْمُسْتَحِي . وَقِيلَ : الذَّلِيلُ الْمُهَانُ . وَأَمَّا ( النَّدَامَى ) : فَقِيلَ : إِنَّهُ جَمْعُ نَدْمَانَ بِمَعْنَى نَادِمٍ ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي نَادِمٍ ، حَكَاهَا الْقَزَّازُ صَاحِبُ جَامِعِ اللُّغَةِ ، وَالْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَعَلَى هَذَا هُوَ عَلَى بَابِهِ وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ نَادِمٍ اتِّبَاعًا لِلْخَزَايَا وَكَانَ الْأَصْلُ نَادِمِينَ فَأُتْبِعَ لِخَزَايَا تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ وَهَذَا الْإِتْبَاعُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ مِنْ فَصِيحِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ ، أَتْبَعَ مَأْزُورَاتٍ لِمَأْجُورَاتٍ وَلَوْ أَفْرَدَ وَلَمْ يَضُمَّ إِلَيْهِ مَأْجُورَاتٍ لَقَالَ مَوْزُورَاتٍ . كَذَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَاتٌ . قَالُوا : وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ ) إِنَى لَآتِيهِ بِالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا جَمَعُوا الْغَدَاةَ عَلَى غَدَايَا إِتْبَاعًا لِعَشَايَا وَلَوْ أُفْرِدَتْ لَمْ يَجُزْ إِلَّا غَدَوَاتٌ .

وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ تَأَخُّرٌ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَا عِنَادٌ وَلَا أَصَابَكُمْ إِسَارٌ وَلَا سَبَاءٌ وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَسْتَحْيُونَ بِسَبَبِهِ ، أَوْ تَذِلُّونَ أَوْ تُهَانُونَ أَوْ تَنْدَمُونَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ ) الشُّقَّةُ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَشْهَرُهُمَا وَأَفْصَحُهُمَا الضَّمُّ وَهِيَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهِيَ لُغَةُ قَيْسٍ . وَالشُّقَّةُ السَّفَرُ الْبَعِيدُ . كَذَا قَالَهُ ابْنُ سِكِّيتٍ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَقُطْرُبٌ ، وَغَيْرُهُمْ . قِيلَ : سُمِّيَتْ شُقَّةً لِأَنَّهَا تَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ . وَقِيلَ : هِيَ الْمَسَافَةُ . وَقِيلَ : الْغَايَةُ الَّتِي يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَيْهَا . فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ بَعِيدَةً مُبَالَغَةً فِي بُعْدِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلِهِمْ : ( فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ ) هُوَ بِتَنْوِينِ ( أَمْرٍ ) . قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ : هُوَ الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ الَّذِي يَنْفَصِلُ بِهِ الْمُرَادُ وَلَا يُشْكِلُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ وَرَاءَكُمْ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الْأُوَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا وَهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ .

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ .

قَوْلُهُ : ( قَالَا جَمِيعًا ) فَلَفْظَةُ جَمِيعًا مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ . وَمَعْنَاهُ اتَّفَقَا وَاجْتَمَعَا عَلَى التَّحْدِيثِ بِمَا يَذْكُرهُ إِمَّا مُجْتَمِعَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِمَّا فِي وَقْتَيْنِ ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيِّنًا .

قَوْلُهُ : ( وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ ) أَمَّا الْأَشَجُّ فَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْعَصَرِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَالْأَكْثَرُونَ أَوِ الْكَثِيرُونَ . وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ : اسْمُهُ الْمُنْذِرُ ابْنُ الْحَارِثِ بْنُ زِيَادِ بْنِ عَصَرِ بْنِ عَوْفٍ ، وَقِيلَ : اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَامِرٍ . وَقِيلَ : الْمُنْذِرُ بْنُ عُبَيْدٍ . وَقِيلَ : اسْمُهُ عَائِذُ ابْنُ الْمُنْذِرِ . وَقِيلَ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ .

وَأَمَّا الْحِلْمُ فَهُوَ الْعَقْلُ ، وَأَمَّا الْأَنَاةُ فَهِيَ التَّثْبِيتُ وَتَرْكُ الْعَجَلَةِ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ . وَسَبَبُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لَهُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْوَفْدِ أَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا الْمَدِينَةَ بَادَرُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَقَامَ الْأَشَجُّ عِنْدَ رِحَالِهِمْ فَجَمَعَهَا وَعَقَلَ نَاقَتَهُ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَقَرَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : تُبَايِعُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَقَوْمِكُمْ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : نَعَمْ . فَقَالَ الْأَشَجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَمْ تُزَاوِلِ الرَّجُلَ عَنْ شَيْءٍ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ . نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْفُسِنَا ، وَنُرْسِلُ مَنْ يَدْعُوهُمْ . فَمَنِ اتَّبَعَنَا كَانَ مِنَّا وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ . قَالَ : " صَدَقْتَ ، إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ " . الْحَدِيثَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : فَالْأَنَاةُ تَرَبُّصُهُ حَتَّى نَظَرَ فِي مَصَالِحِهِ وَلَمْ يَعْجَلْ ، وَالْحِلْمُ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الدَّالُّ عَلَى صِحَّةِ عَقْلِهِ ، وَجَوْدَةِ نَظَرِهِ لِلْعَوَاقِبِ ، قُلْتُ : وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَشَجِّ " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ " الْحَدِيثَ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَا فِيَّ أَمْ حَدَثَا ؟ قَالَ : " بَلْ قَدِيمٌ " . قَالَ : قُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا .




[ سـ :53 ... بـ :18]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ لَقِيَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ سَعِيدٌ وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ هَذَا أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْمُرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَصُومُوا رَمَضَانَ وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْغَنَائِمِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ قَالَ بَلَى جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنْ الْقُطَيْعَاءِ قَالَ سَعِيدٌ أَوْ قَالَ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ قَالَ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ قَالَ وَكُنْتُ أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ الَّتِي يُلَاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ وَلَا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الْأَدَمِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ قَالَ وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ لَقِيَ ذَاكَ الْوَفْدَ وَذَكَرَ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ وَتَذِيفُونَ فِيهِ مِنْ الْقُطَيْعَاءِ أَوْ التَّمْرِ وَالْمَاءِ وَلَمْ يَقُلْ قَالَ سَعِيدٌ أَوْ قَالَ مِنْ التَّمْرِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ لَقِيَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ سَعِيدٌ وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ . وَأَمَّا ( أَبُو عَرُوبَةَ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَاسْمُهُ مِهْرَانَ . وَهَكَذَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ ( عَرُوبَةُ ) بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ . وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ أَدَبُ الْكَاتِبِ فِي بَابِ مَا تَغَيَّرَ مِنْ أَسْمَاءِ النَّاسِ : هُوَ ابْنُ أَبِي الْعَرُوبَةَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُمْ : عَرُوبَةُ لَحْنٌ . وَذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ ( الْمَعَارِفُ ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ يُكْنَى أَبَا النَّضْرِ ، لَا عَقِبَ لَهُ ، يُقَالُ : إِنَّهُ لَمْ يَمَسَّ امْرَأَةً قَطُّ ، وَاخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنِ اخْتِلَاطِهِ كَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ ، وَاخْتِلَاطُهُ مَشْهُورٌ . قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : وَخَلَّطَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بَعْدَ هَزِيمَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ يَعْنِي وَمِائَةٍ ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ . وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ صَحِيحُ السَّمَاعِ مِنْهُ بِوَاسِطٍ .

وَأَثْبَتُ النَّاسِ سَمَاعًا مِنْهُ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ . قُلْتُ : وَقَدْ مَاتَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ . وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنَ الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا أَنَّ مِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ رَوَى عَنِ الْمُخْتَلِطِ فِي حَالِ سَلَامَتِهِ قَبِلْنَا رِوَايَتَهُ وَاحْتَجَجْنَا بِهَا ، وَمَنْ رَوَى فِي حَالِ الِاخْتِلَاطِ أَوْ شَكَكْنَا فِيهِ لَمْ نَحْتَجَّ بِرِوَايَتِهِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُخْتَلِطِينَ مُحْتَجًّا بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ أَخْذُ ذَلِكَ عَنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا أَبُو نَضْرَةَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ الْعَوَقِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ وَبِالْقَافِ . هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ . وَحَكَى صَاحِبُ ( الْمَطَالِعِ ) أَنَّ بَعْضَهُمْ سَكَّنَ الْوَاوَ مِنْ بَطْنٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ) فَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي خُدْرَةَ وَكَانَ أَبُوهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَحَابِيًّا أَيْضًا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ ) أَمَّا تَقْذِفُونَ فَهُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ نُونٍ كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَمَعْنَاهُ تُلْقُونَ فِيهِ وَتَرْمُونَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَابْنِ بَشَّارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ : وَتَذِيفُونَ ( بِهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ ) فَلَيْسَتْ فِيهَا قَافٌ وَرُوِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَهُمَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَكِلَاهُمَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ مِنْ ذَافَ يَذِيفُ بِالْمُعْجَمَةِ كَبَاعَ يَبِيعُ وَدَافَ يَدُوفُ بِالْمُهْمَلَةِ كَقَالَ يَقُولُ ، وَإِهْمَالُ الدَّالِ أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ . وَضَبَطَهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى رِوَايَةِ الْمُهْمَلَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا جَعَلَهُ مِنْ أَذَافَ وَالْمَعْرُوفُ فَتْحُهَا مِنْ ذَافَ وَأَذَافَ وَمَعْنَاهُ عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا خَلْطٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا الْقُطَيْعَاءُ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ صِغَارٌ يُقَالُ لَهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِهِمَا .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ ) مَعْنَاهُ إِذَا شَرِبَ هَذَا الشَّرَابَ سَكِرَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَقْلٌ ، وَهَاجَ بِهِ الشَّرُّ ، فَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ مِنْ أَحَبِّ أَحْبَابِهِ . وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ . وَنَبَّهَ بِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ . وَقَوْلُهُ أَحَدُكُمْ أَوْ أَحَدُهُمْ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ ) وَاسْمُ هَذَا الرَّجُلِ جَهْمٌ وَكَانَتِ الْجِرَاحَةُ فِي سَاقِهِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ الَّتِي يُلَاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ) أَمَّا ( الْأَدَمُ ) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ جَمْعُ أَدِيمٍ وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي تَمَّ دِبَاغُهُ . وَأَمَّا ( يُلَاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ) فَبِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ . كَذَا ضَبَطْنَاهُ ، وَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَفِي أَصْلِ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ ( تُلَاثُ ) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ . وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ . فَمَعْنَى الْأَوَّلُ يُلَفُّ الْخَيْطُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ، وَيُرْبَطُ بِهِ . وَمَعْنَى الثَّانِي تُلَفُّ الْأَسْقِيَةُ عَلَى أَفْوَاهِهَا كَمَا يُقَالُ ضَرَبْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ .

قَوْلُهُ ( إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ ( كَثِيرَةُ ) بِالْهَاءِ فِي آخِرهِ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ ( كَثِيرَ ) بِغَيْرِ هَاءٍ . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ : صَحَّ فِي أُصُولِنَا كَثِيرَ مِنْ غَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ عَلَى هَذَا أَرْضُنَا مَكَانٌ كَثِيرُ الْجِرْذَانِ . وَمَنْ نَظَائِرِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَأَمَّا ( الْجِرْذَانِ ) فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ ( جُرَذٍ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، كَنُغَرٍ وَنِغْرَانٍ ، وَصُرَدٍ . وَالْجُرَذُ نَوْعٌ مِنَ الْفَأْرِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ . وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ : هُوَ الذَّكَرُ مِنَ الْفَأْرِ . وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ الْفَأْرُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مُكَرَّرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

قَوْلُهُ : ( قَالَا ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ أَبُو عَدِيٍّ .




[ سـ :55 ... بـ :18]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاءَكَ مَاذَا يَصْلُحُ لَنَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَقَالَ لَا تَشْرَبُوا فِي النَّقِيرِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاءَكَ أَوَ تَدْرِي مَا النَّقِيرُ قَالَ نَعَمْ الْجِذْعُ يُنْقَرُ وَسَطُهُ وَلَا فِي الدُّبَّاءِ وَلَا فِي الْحَنْتَمَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالْمُوكَى

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ) أَمَّا ( أَبُو عَاصِمٍ ) فَالضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ وَأَمَّا ( ابْنُ جُرَيْجٍ ) فَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ ) هَذَا الْإِسْنَادُ مَعْدُودٌ فِي الْمُشْكِلَاتِ ، وَقَدِ اضْطَرَبَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ وَأَخْطَأَ فِيهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ الصَّوَابُ فِيهِ مَا حَقَّقَهُ وَحَرَّرَهُ وَبَسَطَهُ وَأَوْضَحَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِيهِ وَمَا أَحْسَنَهُ وَأَجْوَدَهُ ، وَقَدْ لَخَّصَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ : هَذَا الْإِسْنَادُ أَحَدُ الْمُعْضِلَاتِ ، وَلِإِعْضَالِهِ وَقَعَ فِيهِ تَعْبِيرَاتٌ مِنْ جَمَاعَةٍ وَاهِمَةٍ ; فَمِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو قَزَعَةَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ أَبَا نَضْرَةَ وَحَسَنًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، وَيَكُونُ أَبُو قَزَعَةَ هُوَ الَّذِي سَمِعَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِلَا شَكٍّ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْغَسَّانِيَّ صَاحِبَ تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ رَدَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُعْلِمِ وَمِنْ شَأْنِهِ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يَذْكُرُهُ مِنْ عِلْمِ الْأَسَانِيدِ ، وَصَوَّبَهُمَا فِي ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ : الصَّوَابُ فِي الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ وَحَسَنًا أَخْبَرَاهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ أَخْبَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ أَخْبَرَهُمَا لِأَنَّهُ رَدَّ الضَّمِيرَ إِلَى أَبِي نَضْرَةَ وَحْدَهُ وَأَسْقَطَ الْحَسَنَ لِمَوْضِعِ الْإِرْسَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَمْ يَلْقَهُ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ خَرَّجَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فِي مُصَنَّفِهِ بِإِسْنَادِهِ قَالَ : وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا مِنْ إِصْلَاحِ ابْنِ السَّكَنِ . وَذَكَرَ الْغَسَّانِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ رَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادِهِ وَحُكِيَ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظِ ، أَنَّهُمَا ذَكَرَا أَنَّ حَسَنًا هَذَا هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ، بَلْ مَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ هُوَ الصَّوَابُ ، وَكَمَا أَوْرَدَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ . وَقَدِ انْتَصَرَ لَهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابًا لَطِيفًا تَبَجَّحَ فِيهِ بِإِجَادَتِهِ وَإِصَابَتِهِ مَعَ وَهْمِ غَيْرِ وَاحِدٍ فِيهِ ، فَذَكَرَ أَنَّ حَسَنًا هَذَا هُوَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْحٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا قَزَعَةَ وَحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ كِلَيْهِمَا ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ أَعَادَ فَقَالَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ يَعْنِي أَخْبَرَ أَبُو سَعِيدٍ أَبَا نَضْرَةَ . وَهَذَا كَمَا تَقُولُ : إِنَّ زَيْدًا جَاءَنِي وَعَمْرًا جَاءَنِي فَقَالَا : كَذَا وَكَذَا . وَهَذَا مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَاحْتَجَّ عَلِيٌّ أَنَّ حَسَنًا فِيهِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ وَحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ الْحَدِيثَ .

وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ . وَقَدْ أَسْقَطَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُ ذِكْرَ حَسَنٍ مِنَ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ مَعَ إِشْكَالِهِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ . وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى مَا حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَبَيَّنَ بُطْلَانَهُ وَبُطْلَانَ رِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ أَخْبَرَهُمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّغْيِيرَاتِ . وَلَقَدْ أَجَادَ وَأَحْسَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو - رَحِمَهُ اللَّهُ - . وَفِي هَذَا الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ . وَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى قَدْ أَطْنَبَ فِي بَسْطِهِ وَإِيضَاحِهِ بِأَسَانِيدِهِ وَاسْتِشْهَادَاتِهِ وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( أَبُو قَزَعَةَ ) الْمَذْكُورُ فَاسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَهُوَ بَاهِلِيٌّ بَصْرِيٌّ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِالرِّوَايَةِ لَهُ دُونَ الْبُخَارِيِّ . وَقَزَعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ فِي ( تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ ) سِوَى الْفَتْحِ . وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ الْفَتْحَ وَالْإِسْكَانَ . وَوُجِدَ بِخَطِّ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ بِالْإِسْكَانِ . وَذَكَرَ ابْنُ مَكِّيٍّ فِي كِتَابِهِ ( فِيمَا يُلْحَنُ فِيهِ ) أَنَّ الْإِسْكَانَ هُوَ الصَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُمْ : ( جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ ) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ مَعْنَاهُ يَقِيكَ الْمَكَارِهَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَعَلَيْكُمْ بِالْمُوكَى ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ مَقْصُورٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَمَعْنَاهُ انْبِذُوا فِي السِّقَاءِ الدَّقِيقَ الَّذِي يُوكَى أَيْ يُرْبَطُ فُوهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ . وَأَمَّا أَحْكَامُهُ وَمَعَانِيهِ فَقَدِ انْدَرَجَ جُمَلٌ مِنْهَا فِيمَا ذَكَرْتُهُ وَأَنَا أُشِيرُ إِلَيْهَا مُلَخَّصَةً مُخْتَصَرَةً مُرَتَّبَةً . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وِفَادَةُ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَشْرَافِ إِلَى الْأَئِمَّةِ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الِاعْتِذَارِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَسْأَلَةِ . وَفِيهِ بَيَانُ مُهِمَّاتِ الْإِسْلَامِ وَأَرْكَانِهِ مَا سِوَى الْحَجِّ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ . وَفِيهِ اسْتِعَانَةُ الْعَالِمِ فِي تَفْهِيمِ الْحَاضِرِينَ وَالْفَهْمِ عَنْهُمْ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - . وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّرْجَمَةِ فِي الْفَتْوَى وَالْخَبَرِ قَوْلٌ وَاحِدٌ . وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِزُوَّارِهِ وَالْقَادِمِينَ عَلَيْهِ مَرْحَبًا وَنَحْوَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ إِينَاسًا وَبَسْطًا . وَفِيهِ جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةُ إِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ . وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ فَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ .

وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَقَدْ مَدَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الْوَجْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَسْتَ مِنْهُمْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَقَالَ لَهُ : وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ائْذَنْ لَهُ وَبِشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ . قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ وَرَأَيْتُ قَصْرًا فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا ؟ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ ؟ وَقَالَ لَهُ : مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : افْتَحْ لِعُثْمَانَ وَبِشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ وَقَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ : سَمِعْتُ دَقَّ نَعْلَيْكَ فِي الْجَنَّةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ : أَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ وَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ : ضَحِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ عَجِبَ مِنْ فِعَالِكُمَا وَقَالَ لِلْأَنْصَارِ : أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ مِنْ مَدْحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوَجْهِ .

وَأَمَّا مَدْحُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَا عَتَبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ وَالْمُسْتَفْتِي إِذَا قَالَ لِلْعَالِمِ أَوْضِحْ لِيَ الْجَوَابَ وَنَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ . وَفِيهِ جَوَازُ مُرَاجَعَةِ الْعَالِمِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِرْشَادِ وَالِاعْتِذَارِ لِيَتَلَطَّفَ لَهُ فِي جَوَابٍ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ . وَفِيهِ تَأْكِيدُ الْكَلَامِ وَتَفْخِيمِهِ لِيَعْظُمَ وَقْعُهُ فِي النَّفْسِ . وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِمُسْلِمٍ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ . فَهَذِهِ أَطْرَافٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً فَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَالِبِي التَّحْقِيقِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ .



باب الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ
[ سـ :56 ... بـ :19]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَقَ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رُبَّمَا قَالَ وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَقَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ

بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ

فِيهِ بَعْثِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَرُبَّمَا قَالَ وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ ) هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِهَايَةُ التَّحْقِيقِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّدْقِيقِ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى قَالَ فِيهَا عَنْ مُعَاذٍ ، وَالثَّانِيَةَ أَنَّ مُعَاذًا وَبَيْنَ ( أَنَّ ) وَ ( عَنْ ) فَرْقٌ ، فَإِنَّ الْجَمَاهِيرَ قَالُوا : ( أَنَّ كَعَنْ ، فَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَالِ .

وَقَالَ جَمَاعَةٌ : لَا تَلْتَحِقُ ( أَنَّ ) ( بِعَنْ ) ، بَلْ تُحْمَلُ ( أَنَّ ) عَلَى الِانْقِطَاعِ ، وَيَكُونُ مُرْسَلًا ، وَلَكِنَّهُ هُنَا يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ لَهُ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ . وَفِيهِ قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَيَّنَ اللَّفْظَيْنِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( أَبُو مَعْبَدٍ ) فَاسْمُهُ نَافِذٌ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ . فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ . فَإِنْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) أَمَّا الْكَرَائِمُ فَجَمْعُ كَرِيمَةٍ . قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هِيَ جَامِعَةُ الْكَمَالِ الْمُمْكِنِ فِي حَقِّهَا مِنْ غَزَارَةِ لَبَنٍ وَجَمَالِ صُورَةٍ أَوْ كَثْرَةِ لَحْمٍ أَوْ صُوفٍ . وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ ( فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ ) بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَكَرَائِمَ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ . وَلَا يَجُوزُ إِيَّاكَ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ بِحَذْفِهَا . وَمَعْنَى ( لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) أَيْ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ لَا تُرَدُّ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ، وَفِيهِ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَلِيلٍ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْوِتْرِ وَالْعَمَلِ بِهِ . وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْكُفَّارَ يُدْعَوْنَ إِلَى التَّوْحِيدِ قَبْلَ الْقِتَالِ . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ . وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَجِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . وَفِيهِ بَيَانُ عِظَمِ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ ، وَأَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي أَنْ يَعِظَ وُلَاتَهُ ، وَيَأْمُرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَيُبَالِغَ فِي نَهْيِهِمْ عَنِ الظُّلْمِ ، وَيُعَرِّفَهُمْ قُبْحَ عَاقِبَتِهِ . وَفِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى السَّاعِي أَخْذَ كَرَائِمِ الْمَالِ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ بَلْ يَأْخُذُ الْوَسَطَ ، وَيَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إِخْرَاجُ شَرِّ الْمَالِ . وَفِيهِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُدْفَعُ إِلَى كَافِرٍ ، وَلَا تُدْفَعُ أَيْضًا إِلَى غَنِيٍّ مِنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْ بَلَدِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي فُقَرَائِهِمْ مُحْتَمِلٌ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلِفُقَرَاءِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَالنَّاحِيَةِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَنَحْوِهَا ; لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُطِيعُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ .

وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ مُطَالَبُونَ بِالصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا فِي الدُّنْيَا ، وَالْمُطَالَبَةُ فِي الدُّنْيَا لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا يُزَادُ فِي عَذَابِهِمْ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَةِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَدَأَ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ . أَلَا تَرَاهُ بَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّكَاةِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : إِنَّهُ يَصِيرُ مُكَلَّفًا بِالصَّلَاةِ دُونَ الزَّكَاةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، هَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ ، وَقِيلَ : لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا ، وَقِيلَ : مُخَاطَبُونَ بِالْمَنْهِيِّ دُونَ الْمَأْمُورِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ دُونَ بَعْضِ هُوَ مِنْ تَقْصِيرِ الرَّاوِي كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ نَظَائِرِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَكَنَ مَكَّةَ . وَفِيهَا ( عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ) هُوَ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ ، يُكَنَى أَبَا مُحَمَّدٍ قِيلَ : اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ . وَفِيهَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ .

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا ) هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدَهُ .

وَأَمَّا الْأُولَى فَمِنْ مُسْنَدِ مُعَاذٍ . وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ مُعَاذٍ فَرَوَاهُ تَارَةً عَنْهُ مُتَّصِلًا وَتَارَةً أَرْسَلَهُ فَلَمْ يَذْكُرْ مُعَاذًا . وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُعْرَفِ الْمَحْذُوفُ يَكُونُ حُجَّةً فَكَيْفَ وَقَدْ عَرَفْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُعَاذٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ وَحَضَرَ الْقَضِيَّةَ فَتَارَةً رَوَاهَا بِلَا وَاسِطَةٍ لِحُضُورِهِ إِيَّاهَا ، وَتَارَةً رَوَاهَا عَنْ مُعَاذٍ إِمَّا لِنِسْيَانِهِ الْحُضُورَ ، وَإِمَّا لِمَعْنًى آخَرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :57 ... بـ :19]
حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ ) أَمَّا ( بِسْطَامُ ) فَبِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَيْضًا فَتْحَهَا . وَاخْتُلِفَ فِي صَرْفِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : بِسْطَامُ عَجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ . قَالَ : وَوَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْجَوَالِيقِيِّ فِي الْمُعَرَّبِ مَصْرُوفًا وَهُوَ بَعِيدٌ . هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو . وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ بِسْطَامُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا سَمَّى قَيْسُ بْنُ مَسْعُودٍ ابْنَهُ بِسْطَامًا بِاسْمِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ ، كَمَا سَمَّوْا قَابُوسَ فَعَرَّبُوهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ( الْعَيْشِيُّ ) فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي عَايِشِ بْنِ مَالِكِ بْنِ تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَكَانَ أَصْلُهُ الْعَايِشِيُّ وَلَكِنَّهُمْ خَفَّفُوهُ .

قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَالْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ : الْعَيْشِيُّونَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَصْرِيُّونَ وَالْعَبْسِيُّونَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كُوفِيُّونَ ، وَالْعَنْسِيُّونَ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ شَامِيُّونَ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ هُوَ الْغَالِبِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ : فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ إِلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِعَارِفِينَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَهُوَ مَذْهَبُ حُذَّاقِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ غَيْرُ عَارِفِينَ اللَّهَ تَعَالَى ; وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ ، وَيُظْهِرُونَ مَعْرِفَتَهُ لِدَلَالَةِ السَّمْعِ عِنْدَهُمْ عَلَى هَذَا ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْلُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : مَا عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى مَنْ شَبَّهَهُ وَجَسَّمَهُ مِنَ الْيَهُودِ ، أَوْ أَجَازَ عَلَيْهِ الْبِدَاءَ ، أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَدَ مِنْهُمْ ، أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ ، وَأَجَازَ الْحُلُولَ عَلَيْهِ ، وَالِانْتِقَالَ وَالِامْتِزَاجَ مِنَ النَّصَارَى ، أَوْ وَصَفَهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ ، أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الشَّرِيكَ وَالْمُعَانِدَ فِي خَلْقِهِ مِنَ الْمَجُوسِ وَالثَّنَوِيَّةِ فَمَعْبُودُهُمُ الَّذِي عَبَدُوهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهَ وَإِنْ سَمَّوْهُ بِهِ إِذْ لَيْسَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْإِلَهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ . فَإِذَنْ مَا عَرَفُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ . فَتَحَقَّقْ هَذِهِ النُّكْتَةَ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهَا وَقَدْ رَأَيْتُ مَعْنَاهَا لِمُتَقَدِّمِي أَشْيَاخِنَا وَبِهَا قَطَعَ الْكَلَامَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَارِسِيُّ بَيْنَ عَامَّةِ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ : ( فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِلَفْظَةِ ( مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) عَلَى أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَكِنْ هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَيَجْزِيهِ ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .