فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ صِفةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ

باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ
[ سـ :508 ... بـ :316]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ

( بَابُ صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ) قَالَ أَصْحَابُنَا : كَمَالُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ ، ثُمَّ يَغْسِلُ مَا عَلَى فَرْجِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ مِنَ الْأَذَى ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ بِكَمَالِهِ ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا فِي الْمَاءِ ، فَيَغْرِفُ غُرْفَةً يُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ ، ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ، وَيَتَعَاهَدَ مَعَاطِفَ بَدَنِهِ ، كَالْإِبْطَيْنِ وَدَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالسُّرَّةِ ، وَمَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ ، وَعُكَنِ الْبَطْنِ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ ، فَيُوَصِّلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، يُدَلِّكُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَدَاهُ مِنْ بَدَنِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي نَهَرٍ أَوْ بِرْكَةٍ انْغَمَسَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَيُوصِلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ بَشَرَتِهِ ، وَالشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ ، وَيَعُمُّ بِالْغُسْلِ ظَاهِرَ الشَّعْرِ وَبَاطِنَهُ وَأُصُولَ مَنَابِتِهِ ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ وَأَعَالِي بَدَنِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْفَرَاغِ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَيَنْوِيَ الْغُسْلَ مِنْ أَوَّلِ شُرُوعِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَيَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غُسْلِهِ ، فَهَذَا كَمَالُ الْغُسْلِ ، وَالْوَاجِبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِ مُلَاقَاةِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ لِلْمَاءِ ، وَتَعْمِيمِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ بِالْمَاءِ ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَنُ طَاهِرًا مِنَ النَّجَاسَةِ ، وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّةٌ . وَيَنْبَغِي لِمَنِ اغْتَسَلَ مِنْ إِنَاءٍ كَالْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهَا ، وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَنْجَى وَطَهَّرَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَغْسِلْهُ الْآنَ رُبَّمَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ; فَلَا يَصِحُّ غَسْلُهُ لِتَرْكِ ذَلِكَ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ احْتَاجَ إِلَى مَسِّ فَرْجِهِ ; فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى كُلْفَةٍ فِي لَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى يَدِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ كَثِيرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّلْكَ ، فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ إِلَّا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ ، وَمَنْ سِوَاهُمَا يَقُولُ : هُوَ سُنَّةٌ ، لَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، وَلَمْ يُوجِبْ أَيْضًا الْوُضُوءَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إِلَّا دَاوُدَ الظَّاهِرِيَّ ، وَمَنْ سِوَاهُ يَقُولُونَ : هُوَ سُنَّةٌ ، فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ صَحَّ غُسْلُهُ ، وَاسْتَبَاحَ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الْغُسْلِ . وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مُعْظَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَمَا بَقِيَ فَلَهُ دَلَائِلُ مَشْهُورَةٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ : أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ إِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ ، تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ : تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ قَدَمَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ . وَلِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَالْمُخْتَارُ مِنْهُمَا : أَنَّهُ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ ، فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَأَوَّلُ رِوَايَاتِ عَائِشَةَ وَأَكْثَرَ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَهُ ، وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَيْمُونَةُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ ، وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ ، فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ ، فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ جَمِيعًا فِي تَقْدِيمِ وُضُوءِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ ظَاهَرَهُ كَمَالُ الْوُضُوءِ ، فَهَذَا كَانَ الْغَالِبَ وَالْعَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَانَ يُعِيدُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِإِزَالَةِ الطِّينِ لَا لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ ، فَتَكُونُ الرِّجْلُ مَغْسُولَةً مَرَّتَيْنِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ الْأَفْضَلُ ، فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاظِبُ عَلَيْهِ . وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ فَجَرَى ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ نَحْوَهَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ ، وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، وَمَرَّةً مَرَّةً ، فَكَانَ الثَّلَاثُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ لِكَوْنِهِ الْأَفْضَلُ ، وَالْمَرَّةُ فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ . وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا نِيَّةُ هَذَا الْوُضُوءِ فَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ ، فَإِنَّهُ يَنْوِي بِهِ سُنَّةَ الْغُسْلِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ ) إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُلَيِّنَ الشَّعْرَ وَيُرَطِّبْهُ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ حَفَنَاتٍ ) مَعْنَى ( اسْتَبْرَأَ ) أَيْ أَوْصَلَ الْبَلَلَ إِلَى جَمِيعِهِ . وَمَعْنَى ( حَفَنَ ) أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا .




[ سـ :510 ... بـ :317]
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ قَالَتْ أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَالْأَشَجُّ وَإِسْحَقُ كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعٍ ح وَحَدَّثَنَاه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا إِفْرَاغُ ثَلَاثِ حَفَنَاتٍ عَلَى الرَّأْسِ وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ وَصْفُ الْوُضُوءِ كُلِّهِ يَذْكُرُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِيهِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ذِكْرُ الْمِنْدِيلِ

قَوْلُهَا : ( أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ .

قَوْلُهَا : ( ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَلْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ إِذَا فَرَغَ أَنْ يَغْسِلُ يَدَهُ بِتُرَابٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ يَدْلُكُهَا بِالتُّرَابِ أَوْ بِالْحَائِطِ ، لِيَذْهَبَ الِاسْتِقْذَارُ مِنْهَا .

قَوْلُهَا ( ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأَصْلِ الَّتِي بِبِلَادِنَا ( كَفِّهِ ) بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ ( كَفَّيْهِ ) بِالتَّثْنِيَةِ ، وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ ، ( وَالْحَفْنَةُ ) مِلْءُ الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا .

قَوْلُهَا : ( ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ أَصْحَابِنَا فِي تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : أَشْهَرُهَا : أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ ، وَلَا يُقَالُ : فِعْلُهُ مَكْرُوهٌ . وَالثَّانِي أَنَّهُ مَكْرُوهٌ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ مُبَاحٌ ، يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ ، فَإِنَّ الْمَنْعَ وَالِاسْتِحْبَابَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ ; لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِرَازِ عَنِ الْأَوْسَاخِ . وَالْخَامِسُ : يُكْرَهُ فِي الصَّيْفِ دُونَ الشِّتَاءِ .

هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي التَّنْشِيفِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ . وَالثَّانِي : مَكْرُوهٌ فِيهِمَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى . وَالثَّالِثُ : يُكْرَهُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - . وَقَدْ جَاءَ فِي تَرْكِ التَّنْشِيفِ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي الصَّحِيحِ : أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، وَأَمَّا فِعْلُ التَّنْشِيفِ ، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ أَوْجُهٍ ، لَكِنَّ أَسَانِيدَهَا ضَعِيفَةٌ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ ، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِبَاحَةِ التَّنْشِيفِ ، بِقَوْلِ مَيْمُونَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا ، يَعْنِي يَنْفُضُهُ . قَالَ : فَإِذَا كَانَ النَّفْضُ مُبَاحًا ، كَانَ التَّنْشِيفُ مِثْلُهُ ، أَوْ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِزَالَةِ الْمَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( الْمِنْدِيلُ ) فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ : لَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ ، وَهُوَ الْوَسَخُ ; لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ ، وَيُقَالُ : تَنَدَّلْتُ بِالْمِنْدِيلِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَيُقَالُ أَيْضًا : تَمَنْدَلْتُ بِهِ ، وَأَنْكَرَهَا الْكِسَائِيُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :511 ... بـ :317]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَمَسَّهُ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ

قَوْلُهَا : ( وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَفْضَ الْيَدِ - بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ - لَا بَأْسَ بِهِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا : أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ ، وَلَا يُقَالُ : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ مُبَاحٌ ، يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ ، فَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْإِبَاحَةِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي النَّهْيِ شَيْءٌ أَصْلًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :512 ... بـ :318]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ وَبِالزَّايِ .

قَوْلُهَا : ( دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ ) - هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - ، وَهُوَ إِنَاءٌ يُحْلَبُ فِيهِ ، وَيُقَالُ لَهُ : الْمِحْلَبُ ، أَيْضًا بِكَسْرِ الْمِيمِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هُوَ إِنَاءٌ يَسَعُ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ . وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ ( الْجُلَّابُ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : وَأَرَادَ بِهِ مَاءَ الْوَرْدِ ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ، وَأَنْكَرَ الْهَرَوِيُّ هَذَا ، وَقَالَ : أَرَاهُ الْحِلَابَ ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .