فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْخَلَاءِ

باب مَا يَقُولُ إِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْخَلَاءِ
[ سـ :598 ... بـ :375]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَالَ يَحْيَى أَيْضًا أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ فِي حَدِيثِ حَمَّادٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَفِي حَدِيثِ هُشَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ

قَوْلُهُ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ أَمَّا الْخَلَاءُ فَبِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ ، وَالْكَنِيفُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ ، وَالْخَلَاءُ وَالْكَنِيفُ وَالْمِرْحَاضُ كُلُّهَا مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ . وَقَوْلُهُ : إِذَا دَخَلَ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ ، وَكَذَا جَاءَ مُصَرِّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ : كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ . وَأَمَّا الْخُبُثُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ الْإِسْكَانُ ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمَاعَةُ الْخَبِيثِ ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ قَالَ : يُرِيدُ ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ .

قَالَ : وَعَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ : ( الْخُبْثُ ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ ، وَالصَّوَابُ الضَّمُّ . هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهَذَا الَّذِي غَلَّطَهُمْ فِيهِ لَيْسَ بِغَلَطٍ ، وَلَا يَصِحُّ إِنْكَارُهُ جَوَازَ الْإِسْكَانِ فَإِنَّ الْإِسْكَانَ جَائِزٌ عَلَى سَبِيلِ التَّخْفِيفِ كَمَا يُقَالُ كُتُبٌ وَرُسُلٌ وَعُنُقٌ وَأُذُنٌ وَنَظَائِرَهُ فَكُلُّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ جَائِزٌ تَسْكِينُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ بَابٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَبْوَابِ التَّصْرِيفِ لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ ، وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَقُولُ : أَصْلُهُ الْإِسْكَانُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَعِبَارَتُهُ مُوهِمَةٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ الْبَاءَ هُنَا سَاكِنَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ إِمَامُ هَذَا الْفَنِّ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ : هُوَ الشَّرُّ ، وَقِيلَ : الْكُفْرُ ، وَقِيلَ : الْخُبْثُ الشَّيَاطِينُ ، وَالْخَبَائِثُ الْمَعَاصِي .

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : الْخُبْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَهَذَا الْأَدَبُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .