فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ صِفَةِ الْأَذَانِ

[ سـ :607 ... بـ :379]
حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وَقَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَانَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ زَادَ إِسْحَقُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

قَوْلُهُ : ( أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ) قَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ غَسَّانَ مُخْتَلَفٌ فِي صَرْفِهِ ، وَالْمِسْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعٍ جَدِّ قَبِيلَةٍ . قَوْلُهُ : ( أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيِّ ) قَوْلُهُ : ( صَاحِبِ ) هُوَ مَجْرُورٌ صِفَةً لَهِشَامٍ ، وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ مَرْفُوعٌ صِفَةً لِمُعَاذٍ ، وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ صِفَةٌ لِهِشَامٍ ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ . وَقَدْ بَيَّنْتُهُ هُنَاكَ وَأَوْضَحْتُ الْقَوْلَ فِيهِ ، وَذَكَرْتُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي ( الدَّسْتُوَانِيِّ ) بِالنُّونِ وَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى دَسْتُوَا كُورَةٍ مِنْ كُوَرِ الْأَهْوَازِ . قَوْلُهُ : ( عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ ) هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، وَعَامِرٌ هَذَا هُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَصْرِيُّ . قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ ) اسْمُهُ سَمُرَةُ ، وَقِيلَ : أَوْسٌ ، وَقِيلَ : جَابِرٌ ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ : اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ ، وَهُوَ غَرِيبٌ . وَ ( أَبُو مَحْذُورَةَ ) قُرَشِيٌّ جُمَحِيٌّ أَسْلَمَ بَعْدَ حُنَيْنٍ ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا ، تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ ، وَقِيلَ : سَبْعٍ وَسَبْعِينَ ، وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ ، وَتَوَارَثَتْ ذُرِّيَّتُهُ الْأَذَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ . قَوْلُهُ : ( عَنْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَانَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ فِي أَوَّلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ ، وَوَقَعَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْفَارِسِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي التَّثْنِيَةِ وَالتَّرْبِيعِ ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ التَّرْبِيعُ ، وَبِالتَّرْبِيعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَبِالتَّثْنِيَةِ قَالَ مَالِكٌ ، وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَبِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِالسُّنَنِ . وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ ، وَبِالتَّرْبِيعِ عَمَلُ أَهْلِ [ ص: 64 ] مَكَّةَ ، وَهِيَ مَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ ثَابِتٌ مَشْرُوعٌ ، وَهُوَ الْعَوْدُ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ ، بَعْدَ قَوْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالْكُوفِيُّونَ : لَا يَشْرَعُ التَّرْجِيعُ عَمَلًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ ، وَالزِّيَادَةُ مُقَدَّمَةٌ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ هَذَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ، فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ حُنَيْنٍ ، وَحَدِيثُ ابْنُ زَيْدٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، وَانْضَمَّ إِلَى هَذَا كُلِّهِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَسَائِرِ الْأَمْصَارِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّرْجِيعِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إِلَّا بِهِ ، أَمْ هُوَ سُنَّةٌ لَيْسَ رُكْنًا حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ مَعَ فَوَاتِ كَمَالِ الْفَضِيلَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ ، وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ فِعْلِ التَّرْجِيعِ وَتَرْكِهِ ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ) مَعْنَاهُ تَعَالَوْا إِلَى الصَّلَاةِ وَأَقْبِلُوا إِلَيْهَا قَالُوا : وَفُتِحَتِ الْيَاءُ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْيَاءِ السَّابِقَةِ الْمُدْغَمَةِ . وَمَعْنَى ( حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ) هَلُمَّ إِلَى الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ . وَقِيلَ : إِلَى الْبَقَاءِ أَيْ أقْبِلُوا عَلَى سَبَبِ الْبَقَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَالْفَلَحُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ لُغَةٌ فِي الْفَلَاحِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَيُقَالُ لِحَيَّ عَلَى كَذَا : الْحَيْعَلَةُ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ : قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْحَاءُ وَالْعَيْنُ لَا يَأْتَلِفَانِ فِي كَلِمَةٍ أَصْلِيَّةِ الْحُرُوفِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يُؤَلَّفَ فِعْلٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ مِثْلَ ( حَيَّ عَلَى ) فَيُقَالُ مِنْهُ حَيْعَلَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.