فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ ، وَإِقَامَتِهَا ، وَفَضْلِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا ،


[ سـ :693 ... بـ :432]
باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام
[ سـ :693 ... بـ :432]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا وَحَدَّثَنَاه إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ خَشْرَمٍ أَخْبَرَنَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) ( لِيَلِنِي ) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامَيْنِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ قَبْلَ النُّونِ وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى التَّوْكِيدِ ، وَأُولُو الْأَحْلَامِ هُمُ الْعُقَلَاءُ وَقِيلَ الْبَالِغُونَ ، وَ ( النُّهَى ) بِضَمِّ النُّونِ الْعُقُولُ . فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : أُولُو الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءُ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَأْكِيدًا . وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَاحِدَةُ ( النُّهَى ) نُهْيَةٌ بِضَمِّ النُّونِ وَهِيَ الْعَقْلُ وَرَجُلٌ ( نَهٍ ) وَ ( نُهًى ) مِنْ قَوْمِ نَهِينَ ، وَسُمِّيَ الْعَقْلُ نُهْيَةٌ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا يَتَجَاوَزُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يَنْهَى عَنِ الْقَبَائِحِ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مَصْدَرًا كَالْهُدَى ، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعًا كَالظُّلَمِ . قَالَ : وَالنَّهْيُّ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ الثَّبَاتُ وَالْحَبْسُ . وَمِنْهُ النِّهَى وَالنَّهَى بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالنُّهْيَةُ لِلْمَكَانِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَاءُ فَيَسْتَنْقِعُ . قَالَ الْوَاحِدِيُّ : فَرَجَعَ الْقَوْلَانِ فِي اشْتِقَاقِ النُّهْيَةِ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَبْسُ فَالنُّهْيَةُ هِيَ الَّتِي تَنْهَى وَتَحْبِسُ عَنِ الْقَبَائِحِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) مَعْنَاهُ الَّذِي يَقْرَبُونَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ . قَوْلُهُ : ( يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا ) أَيْ يُسَوِّي مَنَاكِبَنَا فِي الصُّفُوفِ وَيَعْدِلُنَا فِيهَا . فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ إِلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى اسْتِخْلَافٍ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ يَتَفَطَّنُ لِتَنْبِيهِ الْإِمَامِ عَلَى السَّهْوِ لِمَا لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ غَيْرُهُ ، وَلِيَضْبِطُوا صِفَةَ الصَّلَاةِ ، وَيَحْفَظُوهَا وَيَنْقُلُوهَا وَيُعَلِّمُوهَا النَّاسَ وَلِيَقْتَدِيَ بِأَفْعَالِهِمْا مَنْ وَرَاءَهُمْ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا التَّقْدِيمُ بِالصَّلَاةِ ، بَلِ السُّنَّةُ أَنْ يُقَدَّمَ أَهْلُ الْفَضْلِ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ إِلَى الْإِمَامِ وَكَبِيرِ الْمَجْلِسِ كَمَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالْقَضَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْمُشَاوَرَةِ ، وَمَوَاقِفِ الْقِتَالِ وَإِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ وَإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ وَنَحْوَهَا ، وَيَكُونُ النَّاسُ فِيهَا عَلَى مَرَاتِبِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرَفِ وَالسِّنِّ وَالْكَفَاءَةِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُتَعَاضِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ . وَفِيهِ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَاعْتِنَاءُ الْإِمَامِ بِهَا وَالْحَثُّ عَلَيْهَا .


[ سـ :694 ... بـ :432]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ وَصَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنِي خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ ) هِيَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيِ اخْتِلَاطُهَا وَالْمُنَازَعَةُ وَالْخُصُومَاتُ وَارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطُ وَالْفِتَنُ الَّتِي فِيهَا .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ) اسْمُ أَبِي مَعْشَرٍ ( زِيَادُ بْنُ كُلَيْبٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ الْكُوفِيُّ ) .




[ سـ :695 ... بـ :433]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ بَصْرِيُّونَ .




[ سـ :696 ... بـ :434]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتِمُّوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ .


[ سـ :697 ... بـ :435]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ ) أَيْ سَوُّوهُ وَعَدِّلُوهُ وَتَرَاصُّوا فِيهِ .




[ سـ :698 ... بـ :436]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيَّ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) قِيلَ مَعْنَاهُ يَمْسَخُهَا وَيُحَوِّلُهَا عَنْ صُوَرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ وَقِيلَ : يُغَيِّرُ صِفَاتَهَا ، وَالْأَظْهَرُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ مَعْنَاهُ يُوقِعُ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَاخْتِلَافَ الْقُلُوبِ ، كَمَا يُقَالُ تَغَيَّرَ وَجْهُ فُلَانٍ عَلَيَّ أَيْ ظَهَرَ لِي مِنْ وَجْهِهِ كَرَاهَةٌ لِي وَتَغَيَّرَ قَلْبُهُ عَلَيَّ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي ظَوَاهِرِهِمْ ، وَاخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ سَبَبٌ لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ .




[ سـ :699 ... بـ :436]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ فَقَالَ عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهُ : ( يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ ) الْقِدَاحُ بِكَسْرِ الْقَافِ هِيَ خَشَبُ السِّهَامِ حِينَ تُنْحَتُ وَتُبْرَى ، وَاحِدُهَا ( قِدْحٌ ) بِكَسْرِ الْقَافِ ، مَعْنَاهُ يُبَالِغُ فِي تَسْوِيَتِهَا حَتَّى تَصِيرَ كَأَنَّمَا يَقُومُ بِهَا السِّهَامُ لِشِدَّةِ اسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالِهَا .

( قَوْلُهُ : فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ لَتُسَوُّنَّ عِبَادَ اللَّهِ صُفُوفَكُمْ ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَسْوِيَتِهَا ، وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، وَمَنَعَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ، وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِهَا أَوْ لَا لِمَصْلَحَةٍ .




[ سـ :700 ... بـ :437]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ) النِّدَاءُ هُوَ الْأَذَانُ وَالِاسْتِهَامُ الِاقْتِرَاعُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا فَضِيلَةَ الْأَذَانِ وَقَدْرَهَا وَعَظِيمَ جَزَائِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا يُحَصِّلُونَهُ بِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ أَذَانٍ بَعْدَ أَذَانٍ ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يُؤَذِّنُ لِلْمَسْجِدِ إِلَّا وَاحِدٌ لَاقْتَرَعُوا فِي تَحْصِيلِهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَضِيلَةِ نَحْوَ مَا سَبَقَ ، وَجَاءُوا إِلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَضَاقَ عَنْهُمْ ، ثُمَّ لَمْ يَسْمَحْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِهِ ، لَاقْتَرَعُوا عَلَيْهِ . وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقُرْعَةِ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يُزْدَحَمُ عَلَيْهَا وَيُتَنَازَعُ فِيهَا .

قَوْلُهُ : ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ) التَّهْجِيرُ التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلَاةِ أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ . قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ : وَخَصَّهُ الْخَلِيلُ بِالْجُمُعَةِ ، وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ) فِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى حُضُورِ جَمَاعَةِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ ، وَالْفَضْلُ الْكَثِيرُ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ مِنْ تَنْغِيصِ أَوَّلِ نَوْمِهَا وَآخِرِهِ ، وَلِهَذَا كَانَتَا أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ ، وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ النَّهْيُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَتَمَةِ هُنَا لِمَصْلَحَةٍ وَنَفْيِ مَفْسَدَةٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ لَفْظَةَ الْعِشَاءِ فِي الْمَغْرِبِ ، فَلَوْ قَالَ : لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ لَحَمَلُوهَا عَلَى الْمَغْرِبِ ، فَفَسَدَ الْمَعْنَى ، وَفَاتَ الْمَطْلُوبُ ، فَاسْتَعْمَلَ الْعَتَمَةَ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَشُكُّونَ فِيهَا ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى احْتِمَالِ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْظَمِهِمَا . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَلَوْ حَبْوًا ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَإِنَّمَا ضَبَطْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مِنَ الْكِبَارِ مَنْ صَحَّفَهُ .




[ سـ :701 ... بـ :438]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ : ( تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ ) مَعْنَى ( وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ ) أَيْ يَقْتَدُوا بِي مُسْتَدِلِّينَ عَلَى أَفْعَالِي بِأَفْعَالِكُمْ فَفِيهِ جَوَازُ اعْتِمَادِ الْمَأْمُومِ فِي مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ عَلَى مُبَلِّغٍ عَنْهُ ، أَوْ صَفٍّ قُدَّامَهُ يَرَاهُ مُتَابِعًا لِلْإِمَامِ ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ أَيْ عَنِ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَحْمَتِهِ أَوْ عَظِيمِ فَضْلِهِ وَرَفْعِ الْمَنْزِلَةِ وَعَنِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .




[ سـ :702 ... بـ :439]
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً وَقَالَ ابْنُ حَرْبٍ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَا كَانَتْ إِلَّا قُرْعَةً

قَوْلُهُ : ( قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ .