فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنِّ

باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنِّ
[ سـ :720 ... بـ :449]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَمَا رَآهُمْ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ قَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شَيْءٍ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَمَرَّ النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ وَهُوَ بِنَخْلٍ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَقَالُوا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ

قَوْلُهُ : ( سُوقُ عُكَاظٍ ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ ، وَالسُّوقُ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ لُغَتَانِ ، قِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ .

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجِنِّ وَمَا رَآهُمْ ) وَذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : ( أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمِ الْقُرْآنَ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هُمَا قَضِيَّتَانِ ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَأَوَّلُ النُّبُوَّةِ حِينَ أَتَوْا فَسَمِعُوا قِرَاءَةَ قُلْ أُوحِيَ وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِمَاعَهُمْ حَالَ اسْتِمَاعِهِمْ بِوَحْيٍ أُوحِيَ إِلَيْهِ؟ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَضِيَّةٌ أُخْرَى جَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ ، وَكَانَ بَعْدَ اشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ .

قَوْلُهُ : ( وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتِ الشُّهُبُ عَلَيْهِمْ ) ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا حَدَثَ بَعْدَ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا ، وَلِهَذَا أَنْكَرَتْهُ الشَّيَاطِينُ ، وَارْتَاعَتْ لَهُ . وَضَرَبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا لِيَعْرِفُوا خَبَرَهُ ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْكِهَانَةُ فَاشِيَةً فِي الْعَرَبِ حَتَّى قُطِعَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ صُعُودِ السَّمَاءِ وَاسْتِرَاقِ السَّمْعِ ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا وَقَدْ جَاءَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِاسْتِغْرَابِهِمْ رَمْيَهَا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْهَدُوهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، وَكَانَ رَمْيُهَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ .

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : مَا زَالَتِ الشُّهُبُ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ ، وَرَوَى فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَدِيثًا قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ : يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا فَقَالَ كَانَتِ الشُّهُبُ قَلِيلَةً فَغَلُظَ أَمْرُهَا وَكَثُرَتْ حِينَ بُعِثَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ نَحْوَ هَذَا وَذَكَرُوا أَنَّ الرَّمْيَ بِهَا وَحِرَاسَةَ السَّمَاءِ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَعْلُومَةً وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانَتْ تَقَعُ عِنْدَ حُدُوثِ أَمْرٍ عَظِيمٍ مِنْ عَذَابٍ يَنْزِلُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ ، أَوْ إِرْسَالِ رَسُولٍ إِلَيْهِمْ ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى : وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا وَقِيلَ : كَانَتِ الشُّهُبُ قَبْلُ مَرْئِيَّةً وَمَعْلُومَةً ، لَكِنْ رَجْمُ الشَّيَاطِينِ وَإِحْرَاقُهُمْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بَعْدَ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى : رُجُومًا وَفِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ : هُوَ مَصْدَرٌ فَتَكُونُ الْكَوَاكِبُ هِيَ الرَّاجِمَةُ الْمُحْرِقَةُ بِشُهُبِهَا لَا بِأَنْفُسِهَا ، وَقِيلَ : هُوَ اسْمٌ فَتَكُونُ هِيَ بِأَنْفُسِهَا الَّتِي يُرْجَمُ بِهَا ، وَيَكُونُ رُجُومُ جَمْعَ رَجْمٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا ) مَعْنَاهُ سِيرُوا فِيهَا كُلِّهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَاتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ وَهُوَ بِنَخْلٍ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ ( بِنَخْلٍ ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَصَوَابُهُ ( بِنَخْلَةٍ بِالْهَاءِ ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ كَذَا جَاءَ صَوَابُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ نَخْلٌ وَنَخْلَةٌ ، وَأَمَّا ( تِهَامَةُ ) فَبِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَمَكَّةَ مِنْ تِهَامَةَ .

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ : سُمِّيَتْ تِهَامَةُ مِنَ التَّهَمِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودُ الرِّيحِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا يُقَالُ تَهِمَ الدُّهْنُ إِذَا تَغَيَّرَ ، وَذَكَرَ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ فِي أَرْضِ تِهَامَةَ تَهَائِمُ .

قَوْلُهُ : ( وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ قَالُوا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ ) فِيهِ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي السَّفَرِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً مِنَ أَوَّلِ النُّبُوَّةِ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ آمَنُوا عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ آمَنَ عِنْدَ سَمَاعِهِ أَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْإِعْجَازِ وَشُرُوطَ الْمُعْجِزَةِ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الرَّسُولِ فَيَكُونُ الْجِنُّ عَلِمُوا ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الصَّادِقُ الْمُبَشَّرُ بِهِ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْمَعَاصِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مُؤْمِنَهُمْ وَمُطِيعُهُمْ هَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيُنَعَّمُ بِهَا ثَوَابًا وَمُجَازَاةً لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ أَمْ لَا يَدْخُلُونَ بَلْ يَكُونُ ثَوَابُهُمْ أَنْ يَنْجُوا مِنَ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ : كُونُوا تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَجَمَاعَةٍ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا وَيُنَعَّمُونَ فِيهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالضَّحَّاكِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ .




[ سـ :721 ... بـ :450]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ فَقَالَ عَلْقَمَةُ أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَقُلْنَا اسْتُطِيرَ أَوْ اغْتِيلَ قَالَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَقَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ قَالَ فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ مُفَصَّلًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ دَاوُدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ

قَوْلُهُ : ( سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ لَا ) هَذَا صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ وَحُضُورِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ ، وَحَدِيثُ النَّبِيذِ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَمَدَارُهُ عَلَى زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ .

قَوْلُهُ : ( اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ ) مَعْنَى اسْتُطِيرَ طَارَتْ بِهِ الْجِنُّ ، وَمَعْنَى اغْتِيلَ قُتِلَ سِرًّا ، وَالْغِيلَةُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ هِيَ الْقَتْلُ فِي خُفْيَةٍ . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : انْتَهَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ : ( فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ ) ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ دَاوُدَ الرَّاوِي عَنِ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَابْنِ زُرَيْعٍ وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَابْنِ إِدْرِيسَ وَغَيْرِهِمْ . هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّعْبِيِّ ) أَنَّهُ لَيْسَ مَرْوِيًّا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَالشَّعْبِيُّ لَا يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( لَكُمْ كُلَّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهُ عَلَيْهِ ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا لِمُؤْمِنِيهِمْ ، وَأَمَّا غَيْرِهِمْ فَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ طَعَامَهُمْ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ .




[ سـ :722 ... بـ :450]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ

قَوْلُهُ : ( وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ ) فِيهِ الْحِرْصُ عَلَى مُصَاحَبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ فِي أَسْفَارِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ وَمَشَاهِدِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ مُطْلَقًا وَالتَّأَسُّفُ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ .




[ سـ :723 ... بـ :450]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ مَعْنٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَأَلْتُ مَسْرُوقًا مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُوكَ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهِمْ شَجَرَةٌ

قَوْلُهُ : ( آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ فِيمَا يَشَاءُ مِنَ الْجَمَادِ تَمْيِيزًا وَنَظِيرُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَحَدِيثُ الشَّجَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَتَتَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ ، وَحَدِيثُ حَنِينِ الْجِذْعِ ، وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ ، وَفِرَارِ حَجَرِ مُوسَى بِثَوْبِهِ ، وَرُجْعَانُ حِرَاءَ وَأُحُدٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .