فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ

باب الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَصِفَةِ لِبْسِهِ
[ سـ :840 ... بـ :515]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ قَالَ ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

قَوْلُهُ : ( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ : أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ ) فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ ، وَلَا أَعْلَمُ صِحَّتَهُ ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ أَفْضَلُ .

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا كُلُّ أَحَدٍ فَلَوْ وَجَبَا لَعَجَزَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا عَنِ الصَّلَاةِ ، وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَأَمَّا صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَفِي وَقْتٍ كَانَ لِعَدَمِ ثَوْبٍ آخَرَ ، وَفِي وَقْتٍ كَانَ مَعَ وُجُودِهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَرَانِي الْجُهَّالُ وَإِلَّا فَالثَّوْبَانِ أَفْضَلُ كَمَا سَبَقَ .




[ سـ :842 ... بـ :516]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : حِكْمَتُهُ أَنَّهُ إِذَا ائْتَزَرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُؤْمِنْ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلَ بَعْضَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى إِمْسَاكِهِ بِيَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ فَيَشْغَلُ بِذَلِكَ ، وَتَفُوتُهُ سُنَّةُ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ صَدْرِهِ ، وَرَفْعِهِمَا حَيْثُ شُرِعَ الرَّفْعُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سَتْرِ أَعْلَى الْبَدَنِ وَمَوْضِعِ الزِّينَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : خُذُوا زِينَتَكُمْ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْجُمْهُورُ : هَذَا النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ ، فَلَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ يَجْعَلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَمْ لَا . وَقَالَ أَحْمَدُ وَبَعْضُ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إِذَا قَدَرَ عَلَى وَضْعِ شَيْءٍ عَلَى عَاتِقِهِ إِلَّا بِوَضْعِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ .

وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةٌ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ، وَلَكِنْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَأْتَزِرْ بِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ .




[ سـ :843 ... بـ :517]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ حَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ مُتَوَشِّحًا وَلَمْ يَقُلْ مُشْتَمِلًا

قَوْلُهُ : ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ ) .

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ ( مُتَوَشِّحًا بِهِ ) الْمُشْتَمِلُ وَالْمُتَوَشِّحُ وَالْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ هُنَا . قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : التَّوَشُّحُ أَنْ يَأْخُذَ طَرَفَ الثَّوْبِ الَّذِي أَلْقَاهُ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى ، وَيَأْخُذُ طَرَفَهُ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَعْقِدُهَا عَلَى صَدْرِهِ . وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ .




[ سـ :848 ... بـ :519]
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ قَالَ وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ ح وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ

قَوْلُهُ : ( فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ مِنْ ثَوْبٍ وَحَصِيرٍ وَصُوفٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَسَوَاءٌ نَبَتَ مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَا . وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : أَمَّا مَا نَبَتَ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَأَمَّا الْبُسُطُ وَاللُّبُودُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ ، لَكِنِ الْأَرْضُ أَفْضَلُ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ سِرُّهَا التَّوَاضُعُ وَالْخُضُوعُ . وَاللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .



باب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ
[ سـ :849 ... بـ :520]
حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي كَامِلٍ ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّهْ فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ

كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ ) فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا النَّجَاسَةُ كَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ ، وَكَذَا مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَعْنًى آخَرَ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَعْطَانُ الْإِبِلِ : وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمِنْهُ قَارِعَةُ الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامُ وَغَيْرُهَا لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهَا .

قَوْلُهُ : ( كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي الْقُرْآنَ فِي السُّدَّةِ فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَتِ أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ) قَوْلُهُ : السُّدَّةُ هِيَ بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ ، هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ فِي السِّكَّةِ ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي بَعْضِ السِّكَكِ ، وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : يَا أَبَتِ أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ؟ وَهُوَ مُقَارِبٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ السُّدَّةَ وَاحِدَةُ السُّدَدِ ، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَطُلُّ حَوْلَ الْمَسْجِدِ ، وَلَيْسَتْ مِنْهُ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِإِسْمَاعِيلَ السُّدِّيُّ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ فِي سُدَّةِ الْجَامِعِ ، وَلَيْسَ لِلسُّدَّةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهُ . وَأَمَّا سُجُودُهُ فِي السُّدَّةِ ، وَقَوْلُهُ : أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ فَمَحْمُولٌ عَلَى سُجُودِهِ عَلَى طَاهرٍ . قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ إِذَا قَرَآ السَّجْدَةَ ، فَقِيلَ : عَلَيْهِمَا السُّجُودُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ ، وَقِيلَ : لَا سُجُودَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَلَمْ تِحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : كَانَتْ غَنَائِمُ مَنْ قَبْلَنَا يَجْمَعُونَهَا ثُمَّ تَأْتِي نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي غَزَا وَحَبَسَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الشَّمْسَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا ) احْتَجَّ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يُجِيزُ التَّيَمُّمَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ ، وَاحْتَجَّ بِالثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالتُّرِابِ خَاصَّةً ، وَحَمَلُوا ذَلِكَ الْمُطْلَقَ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ . وقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَسْجِدًا " مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمُ الصَّلَوَاتُ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْكَنَائِسِ . قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : وَقِيلَ : إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ ، وَخَصَصْنَا نَحْنُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا مَا تَيَقَّنَّا نَجَاسَتُهُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ) هِيَ الشَّفَاعَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَحْشَرِ بِفَزَعِ الْخَلَائِقِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الْخَاصَّةِ جُعِلَتْ لِغَيْرِهِ أَيْضًا . قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : الْمُرَادُ شَفَاعَةٌ لَا تُرَدُّ ، قَالَ : وَقَدْ تَكُونُ شَفَاعَتُهُ لِخُرُوجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ مِنَ النَّارِ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ جَاءَتْ لِغَيْرِهِ إِنَّمَا جَاءَتْ قَبْلَ هَذَا ، وَهَذِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ كَشَفَاعَةِ الْمَحْشَرِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ أَنْوَاعِ شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ : جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا ، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا ، وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمَذْكُورُ هُنَا خَصْلَتَانِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأَرْضِ فِي كَوْنِهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَمَحْذُوفَةٌ هُنَا ذَكَرَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ الرَّاوِي هُنَا فِي مُسْلِمِ قَالَ : " أُوتِيتُ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ خَوَاتِمِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَلَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يُعْطَاهُنَّ أَحَدٌ بَعْدِي " .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ) . قَالَ الْهَرَوِيُّ : يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ ؛ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ مِنْهُ الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ ، وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : كَانَ بِالْجَوَامِعِ قَلِيلُ اللَّفْظِ كَثِيرُ الْمَعَانِي .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : إِلَى النَّاسِ كَافَّةً قِيلَ : الْمُرَادُ بِالْأَحْمَرِ : الْبِيضُ مِنَ الْعُجْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَبِالْأَسْوَدِ : الْعَرَبُ ؛ لِغَلَبَةِ السُّمْرَةِ فِيهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السُّودَانِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ : السُّودَانُ ، وَبِالْأَحْمَرِ : مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرُهُمْ . وَقِيلَ : الْأَحْمَرُ : الْإِنْسُ ، وَالْأَسْوَدُ : الْجِنُّ ، وَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ ، فَقَدْ بُعِثَ إِلَى جَمِيعِهِمْ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ) هَذَا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ؛ فَإِنَّهُ إِخْبَارٌ بِفَتْحِ هَذِهِ الْبِلَادِ لِأُمَّتِهِ ، وَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَنْتُمْ تَنْثِلُونَهَا ) يَعْنِي تَسْتَخْرِجُونَ مَا فِيهَا يَعْنِي خَزَائِنَ الْأَرْضِ وَمَا فُتِحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدُّنْيَا .

قَوْلُهُ : ( عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ) هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي زُبَيْدٍ .