فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

باب تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقُدْسِ إِلَى الْكَعْبَةِ
[ سـ :859 ... بـ :525]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فَنَزَلَتْ بَعْدَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَحَدَّثَهُمْ فَوَلَّوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ

فِيهِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ وَوُقُوعِهِ ، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ . وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى جِهَتَيْنِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا : مَنْ صَلَّى إِلَى جِهَةٍ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي أَثْنَائِهَا فَيَسْتَدْبِرُ إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى ، حَتَّى لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ ، فَصَلَّى كُلَّ رَكْعَةٍ مِنْهَا إِلَى جِهَةٍ ؛ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ هَذَا الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ اسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ وَاسْتَقْبَلُوا الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَسْتَأْنِفُوهَا . وَفِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغُهُ . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا نَسْخٌ لِلْمَقْطُوعِ بِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ احْتَفَتْ بِهِ قَرَائِنُ وَمُقَدِّمَاتٌ أَفَادَتِ الْعِلْمَ ، وَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ مُجَرَّدًا .

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَلْ كَانَ ثَابِتًا بِالْقُرْآنِ أَمْ بِاجْتِهَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ كَانَ بِسُنَّةٍ لَا بِقُرْآنٍ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْقُرْآنَ يَنْسَخُ السُّنَّةَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْكِتَابِ فَكَيْفَ يَنْسَخُهَا؟ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : لَمْ يَكُنِ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِسُنَّةٍ ، بَلْ كَانَ بِوَحْيٍ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا الْآيَةَ . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي عَكْسِهِ وَهُوَ نَسْخُ السُّنَّةِ لِلْقُرْآنِ ، فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ ، وَمِنْهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَطَائِفَةٌ .

قَوْلُهُ : ( بَيْتُ الْمَقْدِسِ ) فِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ ، وَالثَّانِيَةُ : ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا : إِيلِيَاءُ ، وَالْيَاءُ . وَأَصْلُ الْمَقْدِسِ وَالتَّقْدِيسِ مِنَ التَّطْهِيرِ . وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ مَعَ بَيَانِ لُغَاتِهِ وَتَصْرِيفِهِ وَاشْتِقَاقِهِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ .




[ سـ :861 ... بـ :526]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ إِذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ

قَوْلُهُ : ( بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءَ ) هُوَ بِالْمَدِّ وَمَصْرُوفٌ وَمُذَكَّرٌ . وَقِيلَ : مَقْصُورٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ ، وَقِيلَ : مُؤَنَّثٌ ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مَعْرُوفٌ . وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : بَيْنَمَا وَبَيْنَا ، وَأَنَّ تَقْدِيرَهُ بَيْنَ أَوْقَاتِ كَذَا .

قَوْلُهُ : ( وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ) رُوِيَ ( فَاسْتَقْبِلُوهَا ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ تَمَامُ الْكَلَامِ بَعْدَهُ .

قَوْلُهَا : ( بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ ) . فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ : غَدَاةً ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى الْفَجْرَ ، وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى بِغَيْرِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ .