فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

باب النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَاتِّخَاذِ الصُّوَرِ فِيهَا وَالنَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ
[ سـ :863 ... بـ :528]
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُولَئِكِ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَنِيسَةً ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ

أَحَادِيثُ الْبَابِ ظَاهِرَةُ الدَّلَالَةِ فِيمَا تَرْجَمْنَا لَهُ .

قَوْلُهَا : ( ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنِيسَةً ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ( ذَكَرْنَ ) بِالنُّونِ ، وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ ( ذَكَرَتْ ) بِالتَّاءِ ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ لُغَةِ : أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ . وَمِنْهَا : يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ .




[ سـ :864 ... بـ :529]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَا حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ قَالَتْ فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَلَوْلَا ذَاكَ لَمْ يَذْكُرْ قَالَتْ

قَوْلُهَا : ( غَيْرُ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ) ضَبَطْنَاهُ ( خُشِيَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ .




[ سـ :865 ... بـ :530]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَمَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ ) وَمَعْنَاهُ : لَعَنَهُمْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ قَتَلَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ .




[ سـ :867 ... بـ :531]
وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَرْمَلَةُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ هَارُونُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَا لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا

قَوْلُهُ : ( لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ( نُزِلَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ ، وَفِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ ( نُزِلَتْ ) بِفَتْحِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ وَبِتَاءِ التَّأْنِيثِ السَّاكِنَةِ ، أَيْ لَمَّا حَضَرَتِ الْمَنِيَّةُ وَالْوَفَاةُ . وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ : نَزَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ .

قَوْلُهُ : ( طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ ) يُقَالُ طَفِقَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ جَعَلَ ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ ، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ ، وَمِمَّنْ حَكَى الْفَتْحَ الْأَخْفَشُ وَالْجَوْهَرِيُّ . وَالْخَمِيصَةُ : كِسَاءٌ لَهُ أَعْلَامٌ .




[ سـ :868 ... بـ :532]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي جُنْدَبٌ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ ) هُوَ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ . . . إِلَى آخِرِهِ ) مَعْنَى أَبْرَأُ أَيْ أَمْتَنِعُ مِنْ هَذَا وَأُنْكِرُهُ . وَ ( الْخَلِيلُ ) هُوَ الْمُنْقَطِعُ إِلَيْهِ ، وَقِيلَ الْمُخْتَصُّ بِشَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ . قِيلَ : هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ ( الْخَلَّةِ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهِيَ الْحَاجَةُ ، وَقِيلَ مِنَ ( الْخُلَّةِ ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ تُخَلِّلُ الْمَوَدَّةَ فِي الْقَلْبِ ، فَنَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُ وَانْقِطَاعُهُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقِيلَ الْخَلِيلُ مَنْ لَا يَتَّسِعُ الْقَلْبُ لِغَيْرِهِ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ وَقَبْرِ غَيْرِهِ مَسْجِدًا خَوْفًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ وَالِافْتِتَانِ بِهِ ، فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ كَمَا جَرَى لِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ . وَلَمَا احْتَاجَتِ الصَّحَابَةُ - رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَالتَّابِعُونَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ بُيُوتُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ ، وَمِنْهَا حُجْرَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَدْفِنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَنَوْا عَلَى الْقَبْرِ حِيطَانًا مُرْتَفِعَةً مُسْتَدِيرَةً حَوْلَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَيُصَلِّيَ إِلَيْهِ الْعَوَامُّ وَيُؤَدِّي الْمَحْذُورَ ، ثُمَّ بَنَوْا جِدَارَيْنِ مِنْ رُكْنَيِ الْقَبْرِ الشَّمَالِيَّيْنِ ، وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِقْبَالِ الْقَبْرِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ : لَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .