فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ حَمْلَ الصِّبْيَانِ فِي الصَّلَاةِ

باب جَوَازِ حَمْلِ الصِّبْيَانِ فِي الصَّلَاةِ
[ سـ :887 ... بـ :543]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قُلْتُ لِمَالِكٍ حَدَّثَكَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ نَعَمْ

فِيهِ حَدِيثُ حَمْلِ أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ حَمَلَ آدَمِيًّا أَوْ حَيَوَانًا طَاهِرًا مِنْ طَيْرٍ وَشَاةٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَأَنَّ ثِيَابَ الصِّبْيَانِ وَأَجْسَادَهُمْ طَاهِرَةٌ حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا ، وَأَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ ، وَأَنَّ الْأَفْعَالَ إِذَا تَعَدَّدَتْ وَلَمْ تَتَوَالَ ، بَلْ تَفَرَّقَتْ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ . وَفِيهِ : تَوَاضُعٌ مَعَ الصِّبْيَانِ وَسَائِرِ الضَّعَفَةِ وَرَحْمَتُهُمْ وَمُلَاطَفَتُهُمْ .

وَقَوْلُهُ : ( رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ عَلَى عَاتِقِهِ ) هَذَا يَدُلُّ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ، وَالْمُنْفَرِدِ ، وَحَمَلَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى النَّافِلَةِ ، وَمَنَعُوا جَوَازَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدٌ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : يَؤُمُّ النَّاسَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَادَّعَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ ، وَكُلُّ هَذِهِ الدَّعَاوِي بَاطِلَةٌ وَمَرْدُودَةٌ ، فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَا ضَرُورَةَ إِلَيْهَا ، بَلِ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ ، وَمَا فِي جَوْفِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِكَوْنِهِ فِي مَعِدَتِهِ ، وَثِيَابُ الْأَطْفَالِ وَأَجْسَادُهُمْ عَلَى الطَّهَارَةِ ، وَدَلَائِلُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا . وَالْأَفْعَالُ فِي الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُهَا إِذَا قَلَّتْ أَوْ تَفَرَّقَتْ ، وَفَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ ، وَتَنْبِيهًا بِهِ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ، وَهَذَا يَرُدُّ مَا ادَّعَاهُ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ ، فَحَمَلَهَا فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَمْ يَدْفَعْهَا فَإِذَا قَامَ بَقِيَتْ مَعَهُ . قَالَ : وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ حَمَلَهَا وَوَضَعَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عَمْدًا ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَيَشْغَلُ الْقَلْبَ ، وَإِذَا كَانَتِ الْخَمِيصَةُ شَغَلَتْهُ فَكَيْفَ لَا يَشْغَلُهُ هَذَا؟ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَدَعْوَى مُجَرَّدَةٌ ، وَمِمَّا يَرُدُّهَا قَوْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا .

وَقَوْلُهُ : ( فَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا ) ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : ( خَرَجَ عَلَيْنَا حَامِلًا أُمَامَةَ فَصَلَّى ) فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

وَأَمَّا قَضِيَّةُ الْخَمِيصَةِ فَلِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ بِلَا فَائِدَةٍ ، وَحَمْلُ أُمَامَةَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ ، وَإِنْ شَغَلَهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَائِدُ ، وَبَيَانُ قَوَاعِدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ ، فَأُحِلَّ ذَلِكَ الشَّغْلُ لِهَذِهِ الْفَوَائِدِ ، بِخِلَافِ الْخَمِيصَةِ . فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ : أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ الْفَوَائِدِ ، فَهُوَ جَائِزٌ لَنَا ، وَشَرْعٌ مُسْتَمِرٌّ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ ) يَعْنِي بِنْتَ زَيْنَبَ مِنْ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَقَوْلُهُ : ابْنُ الرَّبِيعِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ وَكُتُبِ الْأَنْسَابِ وَغَيْرِهَا ، وَرَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالُوا : ابْنُ رَبِيعَةَ ، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ : هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ بْنِ رَبِيعَةَ ، فَنَسَبَهُ مَالِكٌ إِلَى جَدِّهِ . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ ، وَنَسَبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالْأَنْسَابِ بِاتِّفَاقِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . وَاسْمُ أَبِي الْعَاصِ لَقِيطٌ ، وَقِيلَ : مُهَشَّمٌ ، وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .