فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ النَّهْيِ عَنْ نَشْدِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ سَمِعَ

باب النَّهْيِ عَنْ نَشْدِ الضَّالَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ سَمِعَ النَّاشِدَ
[ سـ :923 ... بـ :568]
حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْأَسْوَدِ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِمِثْلِهِ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : نَشَدْتُ الدَّابَّةَ إِذَا طَلَبْتَهَا ، وَأَنْشَدْتُهَا إِذَا عَرَّفْتُهَا . وَرِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ ( يَنْشُدُ ضَالَّةً ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ مِنْ نَشَدْتَ إِذَا طَلَبْتَ . وَمِثْلُهُ : قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( إِنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ) قَوْلُهُ : ( إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ) فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَوَائِدُ مِنْهَا : النَّهْيُ عَنْ نَشْدِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُقُودِ ، وَكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ .

قَالَ الْقَاضِي : قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ بِالْعِلْمِ وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُهُمْ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ .




[ سـ :924 ... بـ :569]
وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ مَعْنَاهُ : لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْمُذَاكَرَةِ فِي الْخَيْرِ وَنَحْوِهَا . قَالَ الْقَاضِي : فِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ عَمَلِ الصَّانِعِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَشَبَهِهَا .

قَالَ : وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ . قَالَ : قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا : إِنَّمَا يُمْنَعُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ عَمَلِ الصَّنَائِعِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِنَفْعِهَا آحَادُ النَّاسِ وَيَكْتَسِبُ بِهِ ، فَلَا يُتَّخُذُ الْمَسْجِدُ مَتْجَرًا ، فَأَمَّا الصَّنَائِعُ الَّتِي يَشْمَلُ نَفْعُهَا الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ كَالْمُثَاقَفَةِ وَإِصْلَاحِ آلَاتِ الْجِهَادِ مِمَّا لَا امْتِهَانَ لِلْمَسْجِدِ فِي عَمَلِهِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ : وَحَكَى بَعْضُهُمْ خِلَافًا فِي تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِيهَا .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا وَجَدْتَ ) وَأَمَرَ أَنْ يُقَالَ مِثْلَ هَذَا ، فَهُوَ عُقُوبَةٌ لَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِهِ وَيَنْبَغِي لِسَامِعِهِ أَنْ يَقُولَ : لَا وَجَدْتَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا . أَوْ يَقُولَ : لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ . كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .