فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ السَّلَامِ لِلتَّحْلِيلِ مِنَ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَرَاغِهَا وَكَيْفِيَّتِهِ

باب السَّلَامِ لِلتَّحْلِيلِ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَرَاغِهَا وَكَيْفِيَّتِهِ
[ سـ :957 ... بـ :581]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ وَمَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّى عَلِقَهَا قَالَ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَنَّى عَلِقَهَا؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ ) وَعَنْ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : ( كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ ) فَقَوْلُهُ : أَنَّى عَلِقَهَا؟ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، أَيْ مِنْ أَيْنَ حَصَّلَ هَذِهِ السُّنَّةَ وَظَفِرَ بِهَا؟ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يُسَنُّ تَسْلِيمَتَانِ .

وَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ : إِنَّمَا يُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَتَعَلَّقُوا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ لَا تُقَاوِمُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ ، وَلَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْهَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَإِنْ سَلَّمَ وَاحِدَةً اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، وَإِنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ جَعَلَ الْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ ، وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ ، وَيَلْتَفِتُ فِي كُلِّ تَسْلِيمَةٍ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ جَانِبِهِ خَدَّهُ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : حَتَّى يَرَى خَدَّيْهِ مَنْ عَنْ جَانِبِهِ . وَلَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، أَوِ الْأُولَى عَنْ يَسَارِهِ وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَمِينِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَصَلَتْ تَسْلِيمَتَانِ ، وَلَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ فِي كَيْفِيَّتِهِمَا . وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَفَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ . هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : هُوَ سُنَّةٌ ، وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ مِنَ الصَّلَاةِ بِكُلِّ شَيْءٍ يُنَافِيهَا مِنْ سَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ . وَثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ : تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ .