فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتِحْبَابِ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ ، وَالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا

باب اسْتِحْبَابِ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ وَالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا
[ سـ :987 ... بـ :602]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعُونَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) فِيهِ : النَّدْبُ الْأَكِيدُ إِلَى إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ ، وَالنَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا ، سَوَاءٌ فِيهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهَا ، سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَمْ لَا . وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الذَّهَابُ ، يُقَالُ سَعَيْتُ فِي كَذَا أَوْ إِلَى كَذَا إِذَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ ، وَعَمِلْتُ فِيهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْحِكْمَةُ فِي إِتْيَانِهَا بِسَكِينَةٍ وَالنَّهْيُ عَنِ السَّعْيِ أَنَّ الذَّاهِبَ إِلَى صَلَاةٍ عَامِدًا فِي تَحْصِيلِهَا وَمُتَوَصِّلًا إِلَيْهَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَدِّبًا بِآدَابِهَا ، وَعَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ . وَهَذَا مَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ) إِنَّمَا ذَكَرَ الْإِقَامَةَ لِلتَّنْبِيهِ بِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا فِي حَالِ الْإِقَامَةِ مَعَ خَوْفِهِ فَوْتَ بَعْضِهَا فَقَبْلَ الْإِقَامَةِ أَوْلَى ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْعِلَّةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَوْقَاتِ الْإِتْيَانِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا آخَرَ قَالَ : فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ، فَحَصَلَ فِيهِ تَنْبِيهٌ وَتَأْكِيدٌ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ بَعْضِ الصَّلَاةِ ، فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ وَإِنْ فَاتَ مِنَ الصَّلَاةِ مَا فَاتَ ، وَبَيَّنَ مَا يُفْعَلُ فِيمَا فَاتَ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَمَا فَاتَكُمْ ) دَلِيلٌ : عَلَى جَوَازِ قَوْلِ : فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ ، وَقَالَ : إِنَّمَا يُقَالُ لَمْ نُدْرِكْهَا . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) . هَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِهِ . وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ : فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ آخِرُهَا ، وَعَكَسَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَائِفَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ ، وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ ( وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ ) . وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ ( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ ( وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْفِعْلُ لَا الْقَضَاءُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ وَيُقَالُ : قَضَيْتُ حَقَّ فُلَانٍ ، وَمَعْنَى الْجَمِيعِ الْفِعْلُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ ) مَعْنَاهُ إِذَا أُقِيمَتْ ، سُمِّيَتِ الْإِقَامَةُ تَثْوِيبًا ؛ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الدُّعَاءِ بِالْأَذَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ : ثَابَ إِذَا رَجَعَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلذَّاهِبِ إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ ، وَلَا يَتَكَلَّمَ بِقَبِيحٍ ، وَلَا يَنْظُرَ نَظَرًا قَبِيحًا ، وَيَجْتَنِبَ مَا أَمْكَنَهُ مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُصَلِّي ، فَإِذَا وَصَلَ الْمَسْجِدَ وَقَعَدَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آكَدَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ ) قِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ، وَأَنَّ السَّكِينَةَ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَالْوَقَارُ فِي الْهَيْئَةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى طَرِيقِهِ بِغَيْرِ الْتِفَاتٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَسَمِعَ جَلَبَةً ) أَيْ أَصْوَاتًا لِحَرَكَتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ وَاسْتِعْجَالِهِمْ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ) يَعْنِي حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ : عَنْ يَحْيَى ؛ لِأَنَّ شَيْبَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ ، وَعَادَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَذْكُرُوا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي رَجُلًا مِمَّنْ سَبَقَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ ، وَيَقُولُوا بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَتَّى يُعْرَفَ ، وَكَأَنَّ مُسْلِمًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اقْتَصَرَ عَلَى شَيْبَانَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ السَّابِقِ ، وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .