فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ، وَهُوَ التَّغْلِيسُ ،

باب اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ التَّغْلِيسُ وَبَيَانِ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا
[ سـ :1066 ... بـ :645]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ كُنَّ يُصَلِّينَ الصُّبْحَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ ) صُورَتُهُ صُورَةُ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ ، وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ وَتَقْدِيرِهِ ، فَقِيلَ : تَقْدِيرُهُ : نِسَاءُ الْأَنْفُسِ الْمُؤْمِنَاتِ ، وَقِيلَ : نِسَاءُ الْجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَقِيلَ : إِنَّ نِسَاءَ هُنَا بِمَعْنَى الْفَاضِلَاتِ ، أَيْ فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ : كَمَا يُقَالُ : رِجَالُ الْقَوْمِ ، أَيْ فُضَلَاؤُهُمْ وَمُقَدَّمُوهُمْ .

قَوْلُهُ : ( مُتَلَفِّعَاتٌ ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الْفَاءِ ، أَيْ مُتَجَلِّلَاتٌ وَمُتَلَفِّفَاتٌ .

قَوْلُهُ : ( بِمُرُوطِهِنَّ ) أَيْ بِأَكْسِيَتِهِنَّ ، وَاحِدُهَا مِرْطٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ . وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّبْكِيرِ بِالصُّبْحِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْإِسْفَارُ أَفْضَلُ . وَفِيهَا : جَوَازُ حُضُورِ النِّسَاءِ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ إِذَا لَمْ يُخْشَ فِتْنَةٌ عَلَيْهِنَّ أَوْ بِهِنَّ .




[ سـ :1068 ... بـ :645]
وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَإِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ مُتَلَفِّفَاتٍ

قَوْلُهُ : ( مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ ) هُوَ بَقَايَا ظَلَامِ اللَّيْلِ . قَالَ الدَّاوُدِيُّ : مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاءٌ هُنَّ أَمْ رِجَالٌ ، وَقِيلَ : مَا يُعْرَفُ أَعْيَانُهُنَّ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ فِي النَّهَارِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ عَيْنُهَا فَلَا يَبْقَى فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ .

قَوْلُهُ : ( وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُهُ فَيَعْرِفُهُ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( وَكَانَ يَنْصَرِفُ حِينَ يَعْرِفُ بَعْضُنَا وَجْهَ بَعْضٍ ) مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ ، أَيْ يُسَلِّمُ فِي أَوَّلِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ بَعْضُنَا وَجْهَ مَنْ يَعْرِفُهُ ، مَعَ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ قِرَاءَةً مُرَتَّلَةً ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي شِدَّةِ التَّبْكِيرِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ فِي النِّسَاءِ : ( مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ جَلِيسِهِ ، وَذَاكَ إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ النِّسَاءِ مِنْ بُعْدٍ .

قَوْلُهُ : ( وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ ) هِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفُ النَّهَارِ عَقِبَ الزَّوَالِ ، قِيلَ : سُمِّيَتْ ( هَاجِرَةً ) مِنَ الْهَجْرِ وَهُوَ التَّرْكُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ التَّصَرُّفَ حِينَئِذٍ بِشِدَّةِ الْحَرِّ ، وَيَقِيلُونَ . وَفِيهِ : اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ .

قَوْلُهُ : ( وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ ) أَيْ صَافِيةٌ خَالِصَةٌ لَمْ يَدْخُلْهَا بَعْدُ صُفْرَةٌ .

قَوْلُهُ : ( وَالْمَغْرِبُ إِذَا وَجَبَتْ ) أَيْ غَابَتِ الشَّمْسُ ، وَالْوُجُوبُ : السُّقُوطُ كَمَا سَبَقَ ، وَحَذَفَ ذِكْرَ الشَّمْسِ لِلْعِلْمِ بِهَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ .




[ سـ :1071 ... بـ :647]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُبَالِي بَعْضَ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَكَانَ لَا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلَا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ .




[ سـ :1072 ... بـ :647]
وَحَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَيَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَكَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ الْمِائَةِ إِلَى السِّتِّينَ وَكَانَ يَنْصَرِفُ حِينَ يَعْرِفُ بَعْضُنَا وَجْهَ بَعْضٍ

قَوْلُهُ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَيَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا ) . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَسَبَبُ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا أَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِفَوَاتِ وَقْتِهَا بِاسْتِغْرَاقِ النَّوْمِ ، أَوْ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارُ وَالْأَفْضَلُ ، وَلِئَلَّا يَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَيَنَامُوا عَنْ صَلَاتِهَا جَمَاعَةً ، وَسَبَبُ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى السَّهَرِ ، وَيُخَافُ مِنْهُ غَلَبَةُ النَّوْمِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، أَوِ الذِّكْرِ فِيهِ ، أَوْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِهَا الْجَائِزِ ، أَوْ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَوِ الْأَفْضَلِ ، وَلِأَنَّ السَّهَرَ فِي اللَّيْلِ سَبَبٌ لِلْكَسَلِ فِي النَّهَارِ عَمَّا يَتَوَجَّهُ مِنْ حُقُوقِ الدِّينِ وَالطَّاعَاتِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْمَكْرُوهُ مِنَ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْعِشَاءِ هُوَ مَا كَانَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَصْلَحَةَ فِيهَا . أَمَّا مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَخَيْرٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَذَلِكَ كَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ ، وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ ، وَمُحَادَثَةِ الضَّيْفِ وَالْعَرُوسِ لِلتَّأْنِيسِ ، وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ لِلْمُلَاطَفَةِ وَالْحَاجَةِ ، وَمُحَادَثَةِ الْمُسَافِرِينَ بِحِفْظِ مَتَاعِهِمْ أَوْ أَنْفُسِهِمْ ، وَالْحَدِيثُ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَالشَّفَاعَةِ إِلَيْهِمْ فِي خَيْرٍ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَالْإِرْشَادِ إِلَى مَصْلَحَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَكُلُّ هَذَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَقَدْ جَاءَتْ أحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِبَعْضِهِ ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَالْبَاقِي مَشْهُورٌ . ثُمَّ كَرَاهَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْمُرَادُ بِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا إِلَّا مَا كَانَ فِي خَيْرٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ . وَأَمَّا النَّوْمُ قَبْلَهَا فَكَرِهَهُ عُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ ، وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ ، وَرَخَّصَ فِيهِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْكُوفِيُّونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ . وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : يُرَخَّصُ فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .