فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَالْإِجَابَةِ فِيهِ

باب التَّرْغِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَالْإِجَابَةِ فِيهِ
[ سـ :1313 ... بـ :758]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ ، وَفِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ إِيضَاحُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمُخْتَصَرُهُمَا أَنَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ : أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمُتَعَارَفُ فِي حَقِّنَا غَيْرُ مُرَادٍ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهَا مَعَ اعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ ، وَعَنِ الِانْتِقَالِ وَالْحَرَكَاتِ وَسَائِرِ سِمَاتِ الْخَلْقِ .

وَالثَّانِي : مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ هُنَا عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ : أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا بِحَسَبِ مَوَاطِنِهَا . فَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا : تَأْوِيلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ : تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ وَأَمْرُهُ وَمَلَائِكَتُهُ كَمَا يُقَالُ : فَعَلَ السُّلْطَانُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ أَتْبَاعُهُ بِأَمْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ ، وَمَعْنَاهُ : الْإِقْبَالُ عَلَى الدَّاعِينَ بِالْإِجَابَةِ وَاللُّطْفِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1314 ... بـ :758]
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ مُكَرَّرٌ لِلتَّوْكِيدِ وَالتَّعْظِيمِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ ) فِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ التَّامِّ إِلَى إِضَاءَةِ الْفَجْرِ . وَفِيهِ : الْحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ إِلَى إِضَاءَةِ الْفَجْرِ . وَفِيهِ : تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1315 ... بـ :758]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( يَنْزِلُ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : ( حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : الصَّحِيحُ رِوَايَةُ ( حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ كَذَا قَالَهُ شُيُوخُ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ بِلَفْظِهِ ) وَمَعْنَاهُ . قَالَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ .

وَقَوْلُهُ : ( مَنْ يَدْعُونِي ) بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي ، قُلْتُ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فِي وَقْتٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ، ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَعْلَمَ بِهِ ، وَسَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْخَبَرَيْنِ فَنَقَلَهُمَا جَمِيعًا ، وَسَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَبَرَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَأَخْبَرَ بِهِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ . وَفِيهِ رَدٌّ لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي مِنْ تَضْعِيفِ رِوَايَةِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ ، وَكَيْفَ يُضَعِّفُهَا وَقَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادٍ لَا مَطْعَنَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابِيَّيْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1316 ... بـ :758]
حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو الْمُوَرِّعِ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ مَرْجَانَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ثُمَّ يَقُولُ مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ قَالَ مُسْلِم ابْنُ مَرْجَانَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمَرْجَانَةُ أُمُّهُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلَا ظَلُومٍ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو الْمُوَرِّعِ ) ، هُوَ مُحَاضِرٌ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْمُوَرِّعُ بِكَسْرِ الرَّاءِ ، هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَبُو الْمُوَرِّعِ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ ابْنُ الْمُوَرِّعِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ ابْنُ الْمُوَرِّعِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْمُوَرِّعِ . قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ مُحَاضِرٍ : ( يَنْزِلُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ .

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( غَيْرَ عَدُومٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ . فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : ( عَدِيمٍ ) ، وَالثَّانِيَةِ : ( عَدُومٍ ) . وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ أَعْدَمَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ فَهُوَ مُعْدِمٌ وَعَدِيمٌ وَعَدُومٌ ، وَالْمُرَادُ بِالْقَرْضِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَمَلُ الطَّاعَةِ سَوَاءٌ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالذِّكْرُ وَغَيْرُهَا مِنَ الطَّاعَاتِ ، وَسَمَّاهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَرْضًا مُلَاطَفَةً لِلْعِبَادِ وَتَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَةِ ، فَإِنَّ الْقَرْضَ إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ الْمُقْتَرِضُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُؤَانَسَةٌ وَمَحَبَّةٌ ، فَحِينَ يَتَعَرَّضُ لِلْقَرْضِ يُبَادِرُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ بِإِجَابَتِهِ لِفَرَحِهِ بِتَأْهِيلِهِ لِلِاقْتِرَاضِ مِنْهُ وَإِدْلَالِهِ عَلَيْهِ وَذِكْرِهِ لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ) هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى نَشْرِ رَحْمَتِهِ وَكَثْرَةِ عَطَائِهِ وَإِجَابَتِهِ وَإِسْبَاغِ نِعْمَتِهِ .