فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقِيَامِهِ


[ سـ :1341 ... بـ :770]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى رَبَّ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ عَظِيمِ الْمَرْتَبَةِ وَكَبِيرِ الشَّأْنِ دُونَ مَا يُسْتَحْقَرُ وَيُسْتَصْغَرُ ، فَيُقَالُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، وَرَبَّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ، رَبَّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبَّ الْمَغْرِبَيْنِ ، رَبَّ النَّاسِ ، مَالِكَ النَّاسِ ، إِلَهَ النَّاسِ ، رَبَّ الْعَالَمِينَ ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ ، رَبَّ النَّبِيِّينَ ، خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؛ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، جَاعِلَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا . فَكُلُّ ذَلِكَ وَشَبَهُهُ وَصْفٌ لَهُ سُبْحَانَهُ بِدَلَائِلِ الْعَظَمَةِ وَعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ فِيمَا يُحْتَقَرُ وَيُسْتَصْغَرُ فَلَا يُقَالُ : رَبَّ الْحَشَرَاتِ وَخَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَشِبْهَ ذَلِكَ عَلَى الْإِفْرَادِ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : خَالِقَ الْمَخْلُوقَاتِ وَخَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ هَذِهِ فِي الْعُمُومِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ) مَعْنَاهُ : ثَبِّتْنِي عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ .




[ سـ :1342 ... بـ :771]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْمَاجِشُونُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ وَإِذَا رَكَعَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَإِذَا رَفَعَ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ وَإِذَا سَجَدَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحَدَّثَنَاه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِي وَقَالَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَقَالَ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ وَقَالَ وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْمَاجِشُونُ ) هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ أَبْيَضُ الْوَجْهِ مُوَرَّدُهُ ، لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ .

قَوْلُهُ : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ ) أَيْ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي لِلَّذِي ( فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) أَيِ ابْتَدَأَ خَلْقَهُمَا .

قَوْلُهُ : ( حَنِيفًا ) قَالَ الْأَكْثَرُونَ : مَعْنَاهُ : مَائِلًا إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ . وَأَصْلُ الْحَنَفِ الْمَيْلُ وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَيَتَصَرَّفُ إِلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْقَرِينَةُ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْحَنِيفِ هُنَا الْمُسْتَقِيمُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَانْتَصَبَ حَنِيفًا عَلَى الْحَالِ أَيْ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ فِي حَالِ حَنِيفِيَّتِي .

وَقَوْلُهُ : ( ) بَيَانٌ لِلْحَنِيفِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ ، وَالْمُشْرِكُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ وَصَنَمٍ وَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزِنْدِيقٍ وَغَيْرِهِمْ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : النُّسُكُ الْعِبَادَةُ ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّسِيكَةِ وَهِيَ الْفِضَّةُ الْمُذَابَةُ الْمُصَفَّاةُ مِنْ كُلِّ خَلْطٍ . وَالنَّسِيكَةُ أَيْضًا كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .

قَوْلُهُ : ( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ) أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ فِيهِمَا وَإِسْكَانُهَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَتْحِ يَاءِ مَحْيَايَ وَإِسْكَانِ مَمَاتِي .

قَوْلُهُ : ( لِلَّهِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذِهِ لَامُ الْإِضَافَةِ وَلَهَا مَعْنَيَانِ الْمِلْكُ وَالِاخْتِصَاصُ وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ .

قَوْلُهُ : ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فِي مَعْنَى ( رَبِّ ) أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ : الْمَالِكُ ، وَالسَّيِّدُ وَالْمُدَبِّرُ وَالْمُرَبِّي . فَإِنْ وُصِفَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَبٍّ لِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ سَيِّدٌ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، وَإِنْ وُصِفَ لِأَنَّهُ مُدَبِّرُ خَلْقِهِ وَمُرَبِّيهِمْ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ ، وَمَتَى دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَقِيلَ : ( الرَّبُّ ) اخْتُصَّ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَإِذَا حُذِفَتَا جَازَ إِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، فَيُقَالُ : رَبُّ الْمَالِ ، وَرَبُّ الدَّارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ .

وَالْعَالَمُونَ جَمْعُ عَالَمٍ وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظِهِ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِيقَتِهِ فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ : الْعَالَمُ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ ، وَزَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءُ : الشَّيَاطِينُ ، وَقِيلَ : بَنُو آدَمَ خَاصَّةً . قَالَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : هُوَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . ثُمَّ قِيلَ : هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَلَامَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ صَانِعِهِ ، وَقِيلَ : مِنَ الْعِلْمِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ بِالْعُقَلَاءِ .

قَوْلُهُ : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ ) أَيِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ .

قَوْلُهُ : ( وَأَنَا عَبْدُكَ ) أَيْ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مَالِكِي وَمُدَبِّرِي وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِيَّ .

قَوْلُهُ : ( ظَلَمْتُ نَفْسِي ) أَيِ اعْتَرَفْتُ بِالتَّقْصِيرِ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ أَدَبًا كَمَا قَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ : رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

قَوْلُهُ : ( اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ ) أَيْ أَرْشِدْنِي لِصَوَابِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا ) أَيْ قَبِيحَهَا .

قَوْلُهُ : ( لَبَّيْكَ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكِ إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ ، يُقَالُ : لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا ، وَأَلَبَّ إِلْبَابًا أَيْ أَقَامَ بِهِ ، وَأَصْلُ ( لَبَّيْكَ ) لَبَّيْنَ فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَسَعْدَيْكَ ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ : مَعْنَاهُ مُسَاعَدَةً لِأَمْرِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَمُتَابَعَةً لِدِينِكَ بَعْدَ مُتَابَعَةٍ .

قَوْلُهُ : ( وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ : فِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَدْحِهِ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ) فَمِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ الْمُحْدَثَاتِ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقُهُ ، سَوَاءٌ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ؛ أَحَدُهَا : مَعْنَاهُ : لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ . قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ .

وَالثَّانِي : حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا مَعْنَاهُ : لَا يُضَافُ إِلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ ، لَا يُقَالُ : يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَيَا رَبَّ الشَّرِّ وَنَحْوُ هَذَا ، وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ الشَّرُّ فِي الْعُمُومِ .

وَالثَّالِثُ : مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ إِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ .

وَالرَّابِعُ : مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ .

وَالْخَامِسُ : حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ كَقَوْلِكَ فُلَانٌ إِلَى بَنِي فُلَانٍ إِذَا كَانَ عِدَادُهُ فِيهِمْ أَوْ صَفُّوهُ إِلَيْهِمْ .

قَوْلُهُ : ( أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ ) أَيِ الْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إِلَيْكَ وَتَوْفِيقِي بِكَ .

قَوْلُهُ : ( تَبَارَكْتَ ) أَيِ اسْتَحْقَقْتَ الثَّنَاءَ وَقِيلَ : ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَكَ ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : تَبَارَكَ الْعِبَادُ بِتَوْحِيدِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِنَصْبِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَرَفْعِهَا وَاخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا ، وَالْأَشْهَرُ النَّصْبُ ، وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ بِدَلَائِلِهِ مُضَافًا إِلَى قَائِلِيهِ ، وَمَعْنَاهُ : حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِعِظَمِهِ .

قَوْلُهُ : ( سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الْوَجْهِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : هُمَا مِنَ الرَّأْسِ ، وَآخَرُونَ أَعْلَاهُمَا مِنَ الرَّأْسِ وَأَسْفَلُهُمَا مِنَ الْوَجْهِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : مَا أَقْبَلَ عَلَى الْوَجْهِ فَمِنَ الْوَجْهِ وَمَا أَدْبَرَ فَمِنَ الرَّأْسِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ : هُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ لَا مِنَ الرَّأْسِ وَلَا مِنَ الْوَجْهِ بَلْ يَطْهُرَانِ بِمَاءٍ مُسْتَقِلٍّ ، وَمَسْحُهُمَا سُنَّةٌ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ احْتِجَاجِ الزُّهْرِيِّ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ جُمْلَةُ الذَّاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ السُّجُودَ يَقَعُ بِأَعْضَاءٍ أُخَرَ مَعَ الْوَجْهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الشَّيْءَ يُضَافُ إِلَى مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا يُقَالُ بَسَاتِينُ الْبَلَدِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) أَيِ الْمُقَدِّرِينَ وَالْمُصَوِّرِينَ .

قَوْلُهُ : ( أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ) مَعْنَاهُ : تُقَدِّمُ مَنْ شِئْتَ بِطَاعَتِكَ وَغَيْرِهَا ، وَتُؤَخِّرُ مَنْ شِئْتَ عَنْ ذَلِكِ كَمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُكَ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ . وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ .

قَوْلُهُ : ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : ( وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .