فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَا رُوِيَ فِيمَنْ نَامَ اللَّيْلَ أَجَمْعَ حَتَّى أَصَبْحَ

باب مَا رُوِيَ فِيمَنْ نَامَ اللَّيْلَ أَجَمْعَ حَتَّى أَصَبْحَ
[ سـ :1345 ... بـ :774]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ قَالَ عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ قَالَ فِي أُذُنِهِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ) يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ ، هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ .

قَوْلُهُ : ( ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ : ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ أَوْ قَالَ : فِي أُذُنَيْهِ ) اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : مَعْنَاهُ : أَفْسَدَهُ ، يُقَالُ : بَالَ فِي كَذَا إِذَا أَفْسَدَهُ ، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَالطَّحَاوِيُّ وَآخَرُونَ : هُوَ اسْتِعَارَةٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى انْقِيَادِهِ لِلشَّيْطَانِ وَتَحَكُّمِهِ فِيهِ وَعَقْدِهِ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ وَإِذْلَالُهُ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ اسْتَخَفَّ بِهِ وَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَعْلَى عَلَيْهِ ، يُقَالُ لِمَنِ اسْتَخَفَّ بِإِنْسَانٍ وَخَدَعَهُ : بَالَ فِي أُذُنِهِ ، وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي دَابَّةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْأَسَدِ إِذْلَالًا لَهُ ، وَقَالَ الْحَرْبِيُّ : مَعْنَاهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ ، وَسَخِرَ مِنْهُ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ : وَخَصَّ الْأُذُنَ ؛ لِأَنَّهَا حَاسَّةُ الِانْتِبَاهِ .




[ سـ :1346 ... بـ :775]
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ أَلَا تُصَلُّونَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ بِضَمِّ الْحَاءِ عَلَى التَّصْغِيرِ ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا الَّتِي رَأَيْتُهَا مَعَ كَثْرَتِهَا ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْرَاكَاتِ وَقَالَ : إِنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْحَسَنَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى التَّكْبِيرِ .

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ النَّهَاوَنْدِيُّ وَالْجُعْفِيُّ ، وَخَالَفَهُمُ النَّسَائِيُّ وَالسَّرَّاجُ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ فَرَوَوْهُ عَنْ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْحُسَيْنَ يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ قَالَ : وَرَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ وَحَمْزَةُ بْنُ زِيَادٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ لَيْثٍ فَقَالُوا فِيهِ : ( الْحَسَنُ ) .

وَقَالَ يُونُسُ الْمُؤَدِّبُ وَأَبُو النَّضْرِ وَغَيْرُهُمَا : عَنْ لَيْثٍ : ( الْحُسَيْنُ ) يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ مِنْهُمْ : صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَابْنُ أَبِي عَقِيقٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَشُعَيْبٌ وَحَكِيمُ بْنُ حَكَمٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَعُقَيْلٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْهُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَأَرْسَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : عَنْ لَيْثٍ : ( الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ) وَهْمٌ ، يَعْنِي مَنْ قَالَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَقَدْ غَلِطَ ، هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ : إِنَّ الصَّوَابَ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثٍ ( الْحُسَيْنُ ) التَّصْغِيرُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ ) أَيْ أَتَاهُمَا فِي اللَّيْلِ .

قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ : وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَجَّبَ مَنْ سُرْعَةِ جَوَابِهِ وَعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِهَذَا ، وَلِهَذَا ضَرَبَ فَخِذَهُ ، وَقِيلَ : قَالَهُ تَسْلِيمًا لِعُذْرِهِمَا ، وَأَنَّهُ لَا عَتْبَ عَلَيْهِمَا . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ ، وَأَمْرُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ بِهَا ، وَتَعَهُّدُ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ رَعِيَّتَهُ بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلنَّاصِحِ إِذَا لَمْ يَقْبَلْ نَصِيحَتَهُ أَوِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِمَا لَا يَرْتَضِيهِ أَنْ يَنْكَفَّ وَلَا يُعَنِّفَ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ .

قَوْلُهُ : ( طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ : أَلَا تُصَلُّونَ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( تُصَلُّونَ ) ، وَجَمْعُ الِاثْنَيْنِ صَحِيحٌ ، لَكِنْ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ ، الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ ، وَقَالَ آخَرُونَ : حَقِيقَةٌ




[ سـ :1347 ... بـ :776]
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ ) الْقَافِيةُ : آخِرُ الرَّأْسِ ، وَقَافِيةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرُهُ ، وَمِنْهُ قَافِيةُ الشِّعْرِ .

قَوْلُهُ : ( عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا بِصَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ ( عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ( عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ ) بِالرَّفْعِ أَيْ بَقِيَ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ فَقِيلَ : هُوَ عَقْدٌ حَقِيقِيٌّ بِمَعْنَى عَقْدِ السِّحْرِ لِلْإِنْسَانِ وَمَنْعُهُ مِنَ الْقِيَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ يُؤَثِّرُ فِي تَثْبِيطِ النَّائِمِ كَتَأْثِيرِ السِّحْرِ ، وَقِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا يَفْعَلُهُ كَفِعْلِ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ، وَقِيلَ : هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ ، فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ وَيُحَدِّثُهُ بِأَنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَتَأَخَّرْ عَنِ الْقِيَامِ ، وَقِيلَ : هُوَ مَجَازٌ ، كُنِّيَ لَهُ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا : الْحَثُّ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ ، وَجَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ مَخْصُوصَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ ، وَقَدْ جَمَعْتُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ بَابٍ مِنْ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ ذِكْرٌ ، لَكِنَّ الْأَذْكَارَ الْمَأْثُورَةَ فِيهِ أَفْضَلُ . وَمِنْهَا : التَّحْرِيضُ عَلَى الْوُضُوءِ حِينَئِذٍ وَعَلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ قَلَّتْ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ ) مَعْنَاهُ : تَمَامُ عُقْدَتَيْنِ ، أَيِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ثَانِيَةٌ ، وَتَمَّ بِهَا عُقْدَتَانِ ، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ . . . إِلَى قَوْلِهِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَيْ فِي تَمَامِ أَرْبَعَةٍ وَمَعْنَاهُ : فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ تَمَّتِ الْجُمْلَةُ بِهِمَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ هَذَا لَفْظُ إِحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِمَعْنَاهُ ، وَالْمُرَادُ قِيرَاطَانِ بِالْأَوَّلِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ بِالصَّلَاةِ يَحْصُلُ قِيرَاطٌ ، وَبِالِاتِّبَاعِ قِيرَاطٌ آخَرُ ، يَتِمُّ بِهِ الْجُمْلَةُ قِيرَاطَانِ . وَدَلِيلُ أَنَّ الْجُمْلَةَ قِيرَاطَانِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ ( مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ، ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنَ الْأَجْرِ ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أُحُدٍ ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ ( مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ ) . وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَمِثْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةً فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ) . وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ) مَعْنَاهُ : لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَوَعَدَهُ بِهِ مِنْ ثَوَابِهِ مَعَ مَا يُبَارِكُ لَهُ فِي نَفْسِهِ ، وَتَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ ، مَعَ مَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَتَثْبِيطِهِ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ) ، مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَآثَارِ تَثْبِيطِهِ وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ : الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَنْ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي ) فَإِنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ هَذَا اللَّفْظَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ صِفَةِ غَيْرِهِ .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ لِهَذَا الْحَدِيثِ : بَابَ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ : الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعْقِدُ قَافِيَةَ رَأْسِهِ وَإِنْ صَلَّى بَعْدَهُ ، وَإِنَّمَا يَنْحَلُّ عُقَدُهُ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ . قَالَ : وَيُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْعُقَدِ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ ، وَجَعَلَ مَنْ صَلَّى وَانْحَلَّتْ عُقَدَهُ كَمَنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ لِزَوَالِ أَثَرِهِ .