فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِ الْقُرْآنِ ، وَكَرَاهَةِ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا ،

باب الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِ الْقُرْآنِ وَكَرَاهَةِ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَجَوَازِ قَوْلِ أُنْسِيتُهَا
[ سـ :1363 ... بـ :788]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا

قَوْلُهُ : ( سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا ) ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا : ( بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ ) فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَوَائِدُ مِنْهَا : جَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ فِي اللَّيْلِ وَفِي الْمَسْجِدِ ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ إِذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا ، وَلَا تَعَرَّضَ لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَفِيهِ : الدُّعَاءُ لِمَنْ أَصَابَ الْإِنْسَانُ مِنْ جِهَتِهِ خَيْرًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ .

وَفِيهِ : أَنَّ الِاسْتِمَاعَ لِلْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ . وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ سُورَةِ كَذَا كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ، فَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ . وَفِيهِ كَرَاهَةُ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَوْلُ أُنْسِيتُهَا وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ نَسِيتُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّسَاهُلَ فِيهَا وَالتَّغَافُلَ عَنْهُ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : أَوْلَى مَا يُتَأَوَّلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَنَّ مَعْنَاهُ ذَمُّ الْحَالِ لَا ذَمُّ الْقَوْلِ أَيْ نَسِيتُ الْحَالَةَ ، حَالَةَ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ فَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى نَسِيَهُ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( بَلْ هُوَ نُسِّيَ ) ضَبَطْنَاهُ بِتَشْدِيدِ السِّينِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : ضَبَطْنَاهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ .




[ سـ :1364 ... بـ :788]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( كُنْتُ أُنْسِيتُهَا ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَدْ بَلَّغَهُ إِلَى الْأُمَّةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ الْكَلَامُ فِيمَا يَجُوزُ مِنَ السَّهْوِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا لَا يَجُوزُ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ : جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءٌ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَالتَّعْلِيمُ ، وَلَكِنْ مَنْ جَوَّزَ قَالَ : لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَذَكَّرَهُ أَوْ يَذْكُرَهُ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شُرُوطِ ذَلِكَ الْفَوْرُ أَمْ يَصِحُّ التَّرَاخِي قَبْلَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ : وَأَمَّا نِسْيَانُ مَا بَلَغَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَيَجُوزُ .

قَالَ : وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ . قَالَ : وَقَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ وَمُتَابِعِيهِمْ : لَا يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَيْهِ أَصْلًا فِي شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِنْهُ صُورَتُهُ لَيْسَ إِلَّا ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مَرْدُودٌ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ إِلَّا الْأُسْتَاذُ أَبُو الظَّفَرِ الْإِسْفَرَايِينِيِّ مِنْ شُيُوخِنَا ، فَإِنَّهُ مَالَ إِلَيْهِ وَرَجَّحَهُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مُتَنَاقِضٌ .




[ سـ :1365 ... بـ :789]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ الْقَطَّانُ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيَّبِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ جَمِيعًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَزَادَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ ) إِلَى آخِرِهِ . فِيهِ : الْحَثُّ عَلَى تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ وَالْحَذَرِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِلنِّسْيَانِ . قَالَ الْقَاضِي : وَمَعْنَى ( صَاحِبِ الْقُرْآنِ ) أَيِ الَّذِي أَلِفَهُ ، وَالْمُصَاحَبَةُ : الْمُؤَالَفَةُ ، وَمِنْهُ فُلَانٌ صَاحِبُ فُلَانٍ ، وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَأَصْحَابُ الصُّفَّةِ ، وَأَصْحَابُ إِبِلٍ وَغَنَمٍ ، وَصَاحِبُ كَنْزٍ وَصَاحِبُ عِبَادَةٍ .




[ سـ :1366 ... بـ :790]
وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ ) أَيْ آيَةَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا وَكَسْرَهَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ .

قَوْلُهُ : ( اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : التَّفَصِّي : الِانْفِصَالُ ، وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَشَدُّ تَفَلُّتًا . النَّعَمُ : أَصْلُهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِبِلُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُعْقَلُ ، وَالْعُقُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْقَافِ ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْقَافِ وَهُوَ كَنَظَائِرِهِ ، وَهُوَ جَمْعُ عِقَالٍ كَكِتَابٍ ، وَالنَّعَمُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ ، وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ : ( بِعُقُلِهَا ) . وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : ( مِنْ عُقُلِهِ ) ، وَفِي الثَّالِثَةِ : ( فِي عُقُلِهَا ) ، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ ، وَالْمُرَادُ بِرِوَايَةِ الْبَاءِ ( مِنْ ) كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَعْنَاهَا .




[ سـ :1368 ... بـ :790]
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ تَعَاهَدُوا هَذِهِ الْمَصَاحِفَ وَرُبَّمَا قَالَ الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ

قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : ( عُقُلِهِ ) بِتَذْكِيرِ النَّعَمِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ .