فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ

باب مَا يُقَالُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
[ سـ :1588 ... بـ :918]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ ابْنِ سَفِينَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ فَقُلْتُ إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ فَقَالَ أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) فِيهِ : فَضِيلَةُ هَذَا الْقَوْلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَقْتَضِي نَدْبَهُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ) قَالَ الْقَاضِي : أَجِرْنِي بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ ، حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْأَفْعَالِ . وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ : هُوَ مَقْصُورٌ لَا يُمَدُّ وَمَعْنَى أَجَرَهُ اللَّهُ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ ، وَجَزَاءُ صَبْرِهِ وَهَمِّهِ فِي مُصِيبَتِهِ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَخْلِفْ لِي ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ لِمَنْ ذَهَبَ لَهُ مَالٌ أَوْ وَلَدٌ قَرِيبٌ أَوْ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُ مِثْلِهِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَيْ رَدَّ عَلَيْكَ مِثْلَهُ فَإِنْ ذَهَبَ مَا لَا يُتَوَقَّعُ مِثْلُهُ بِأَنْ ذَهَبَ وَالِدٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ أخٌ لِمَنْ لَا جَدَّ لَهُ وَلَا وَالِدَ لَهُ قِيلَ : خَلَّفَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً مِنْهُ عَلَيْكَ .

وَقَوْلُهَا : ( وَأَنَا غَيُورٌ ) يُقَالُ : امْرَأَةٌ غَيْرَى وَغَيُورٌ ، وَرَجُلٌ غَيُورٌ وَغَيْرَانُ قَدْ جَاءَ فَعُولٌ فِي صِفَاتِ الْمُؤَنَّثِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ : امْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَعَرُوبٌ وَضَحُوكٌ لِكَثِيرَةِ الضَّحِكِ ، وَعَقَبَةٌ كَئُودٌ ، وَأَرْضٌ صَعُودٌ وَهَبُوطٌ وَحَدُودٌ وَأَشْبَاهُهَا .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ) هِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ ، وَيُقَالُ : أَذْهَبَ اللَّهُ الشَّيْءَ وَذَهَبَ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ " .




[ سـ :1589 ... بـ :918]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ وَزَادَ قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا قَالَتْ فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ ) هُوَ بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ وَمَدِّهَا ، وَالْقَصْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ كَمَا سَبَقَ .

قَوْلُهَا : ( ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا ) أَيْ خَلَقَ فِيَّ عَزْمًا ، وَقَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ أَوَّلِ خُطْبَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسَمَّى عَزْمًا مِنْ حَيْثُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَزْمِ حُدُوثُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا ، فَتَأَوَّلُوا قَوْلَ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ خَلَقَ لِي أَوْ فِيَّ عَزْمًا