فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ

باب فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ
[ سـ :1625 ... بـ :940]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةٌ فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرَ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهُ : ( فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ ) مَعْنَاهُ : وُجُوبُ إِنْجَازِ وَعْدٍ بِالشَّرْعِ لَا وُجُوبٌ بِالْعَقْلِ كَمَا تَزْعُمُهُ الْمُعْتَزِلَةُ ، وَهُوَ نَحْوُ مَا فِي الْحَدِيثِ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ .

قَوْلُهُ : ( فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا ) مَعْنَاهُ : لَمْ يُوَسَّعْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، وَلَمْ يُعَجَّلْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ جَزَاءِ عَمَلِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنْ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةً ) هِيَ كِسَاءٌ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَكْفِينِهِ فِي نَمِرَتِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا ؟ وَلَا يَبْعُدُ مِنْ حَالِ مَنْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ . وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنَ الدُّيُونِ الدَّيْنَ الْمُتَعَلِّقَ بِعَيْنِ الْمَالِ ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْكَفَنِ ، وَذَلِكَ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَرْهُونِ ، وَالْمَالِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ زَكَاةٌ أَوْ حَقُّ بَائِعِهِ بِالرُّجُوعِ بِإِفْلَاسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ ، وَهُوَ حَشِيشٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ . وَفِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ الْكَفَنُ عَنْ سَتْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ جُعِلَ مِمَّا يَلِيَ الرَّأْسَ ، وَجُعِلَ النَّقْصُ مِمَّا يَلِي الرِّجْلَيْنِ وَيَسْتُرُ الرَّأْسَ ، فَإِنْ ضَاقَ عَنْ ذَلِكَ سُتِرَتِ الْعَوْرَةُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ جُعِلَ فَوْقَهَا ، فَإِنْ ضَاقَ عَنِ الْعَوْرَةِ سُتِرَتِ السَّوْأَتَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَهَمُّ وَهُمَا الْأَصْلُ فِي الْعَوْرَةِ . وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَنِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْبَدَنِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ . فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يَكُونُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لِقَوْلِهِ : لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهَا ، فَجَوَابُهُ : أَنَّ مَعْنَاهُ : لَمْ يُوجَدْ مِمَّا يَمْلِكُ الْمَيِّتُ إِلَّا نَمِرَةٌ ، وَلَوْ كَانَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْحَاضِرِينَ تَتْمِيمُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، فَإِنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ . فَإِنْ قِيلَ : كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ جَرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ كَثُرَتِ الْقَتْلَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَغَلُوا بِهِمْ وَبِالْخَوْفِ مِنَ الْعَدُوِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَجَوَابُهُ : أَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ حَالِ الْحَاضِرِينَ الْمُتَوَلِّينَ دَفْنَهُ أنْ لَا يَكُونَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِطْعَةٌ مِنْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( مِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ ) أَيْ : أَدْرَكَتْ وَنَضِجَتْ .

قَوْلُهُ : ( فَهُوَ يَهْدُبُهَا ) هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا ، أَيْ يَجْتَنِيهَا . يُقَالُ : يَنَعَ الثَّمَرُ وَأَيْنَعَ يُنْعًا وَيُنُوعًا فَهُوَ يَانِعٌ . وَهَدَبَهَا يَهْدِبُهَا إِذَا جَنَاهَا ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لِمَا فُتِحَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا .




[ سـ :1626 ... بـ :941]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَأَحْبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِي ثُمَّ قَالَ لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا

قَوْلُهَا : ( كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ) السَّحُولِيَّةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا ، وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ . قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ : هِيَ ثِيَابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْقُطْنِ ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : ثِيَابٌ بِيضٌ ، وَلَمْ يَخُصَّهَا بِالْقُطْنِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى سَحُولَ قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ تُعْمَلُ فِيهَا ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : السَّحُولِيَّةُ - بِالْفَتْحِ - مَنْسُوبَةٌ إِلَى سَحُولَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ يُحْمَلُ مِنْهَا هَذِهِ الثِّيَابُ ، وَبِالضَّمِّ ثِيَابٌ بِيضٌ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْقَرْيَةَ أَيْضًا بِالضَّمِّ ، حَكَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ .

فِي هَذَا الْحَدِيثِ - وَحَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِمَا - وُجُوبُ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَجِبُ فِي مَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُوَزِّعُهُ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْيَسَارِ وَعَلَى مَا يَرَاهُ .

وَفِيهِ : أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْكَفَنِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لِلرَّجُلِ ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ ، وَالْوَاجِبُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ كَمَا سَبَقَ ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْمَرْأَةِ خَمْسَةٌ أَثْوَابٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي خَمْسَةٍ ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الثَّلَاثَةَ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى خَمْسَةٍ فَإِسْرَافٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ .

قَوْلُهَا : ( بِيضٌ ) دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ التَّكْفِينِ فِي الْأَبْيَضِ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الثِّيَابِ الْبِيضِ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَيُكْرَهُ الْمُصْبَغَاتُ وَنَحْوُهَا مِنْ ثِيَابِ الزِّينَةِ .

وَأَمَّا الْحَرِيرُ ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : يَحْرُمُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيهِ ، وَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ . وَكَرِهَ مَالِكٌ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ التَّكْفِينَ فِي الْحَرِيرِ مُطْلَقًا ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَلَا أَحْفَظُ خِلَافَهُ .

وَقَوْلُهَا : ( لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ) مَعْنَاهُ : لَمْ يُكَفَّنْ فِي قَمِيصٍ وَلَا عِمَامَةٍ ، وَإِنَّمَا كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ غَيْرِهِمَا ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الثَّلَاثَةِ شَيْءٌ آخَرُ ، هَكَذَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ . قَالُوا : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ : يُسْتَحَبُّ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ . وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : لَيْسَ الْقَمِيصُ وَالْعِمَامَةُ مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثَةِ ، وَإِنَّمَا هُمَا زَائِدَانِ عَلَيْهِمَا ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ .

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْقَمِيصَ الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُزِعَ عَنْهُ عِنْدَ تَكْفِينِهِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ رُطُوبَتِهِ لَأَفْسَدَ الْأَكْفَانَ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ : الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ ، وَقَمِيصُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ ، فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ؛ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ خَالَفَ بِرِوَايَتِهِ الثِّقَاتِ .

قَوْلُهُ : ( مِنْ كُرْسُفٍ ) هُوَ الْقُطْنُ . وَفِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ كَفَنِ الْقُطْنِ .

قَوْلُهَا : ( أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا ) هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَمَعْنَاهُ : اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : وَلَا تَكُونُ الْحُلَّةُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ : إِزَارًا وَرِدَاءً .




[ سـ :1627 ... بـ :941]
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ يَمَنِيَّةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولٍ يَمَانِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ وَلَا قَمِيصٌ فَرَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ الْحُلَّةَ فَقَالَ أُكَفَّنُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ يُكَفَّنْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُكَفَّنُ فِيهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدَةُ وَوَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَاه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ قِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ

قَوْلُهَا : ( حُلَّةٍ يَمَنِيَّةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ) ضُبِطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْلِمٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النُّسَخِ ، أَحَدُهَا ( يَمَنِيَّةٍ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ . وَالثَّانِي ( يَمَانِيَّةٍ ) مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ أَيْضًا . وَالثَّالِثُ ( يُمْنَةٍ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ أَشْهَرُ . قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَهِيَ عَلَى هَذَا مُضَافَةٌ : حُلَّةُ يُمْنَةٍ ، قَالَ الْخَلِيلُ : هِيَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ .

قَوْلُهَا : ( وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولٍ يَمَانِيَّةٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ ( سُحُولٍ ) . ( أَمَّا يَمَانِيَةٍ ) فَبِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لُغَةً فِي تَشْدِيدِهَا ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ : أَنَّ الْأَلِفَ بَدَلُ يَاءِ النَّسَبِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ ، بَلْ يُقَالُ : يَمَنِيَّةٍ أَوْ يَمَانِيَةٍ بِالتَّخْفِيفِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( سُحُولٍ ) فَبِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ ، وَالسُّحُولُ - بِضَمِّ السِّينِ - جَمْعُ سَحْلٍ ، وَهُوَ ثَوْبُ الْقُطْنِ .