فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ

باب فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ
[ سـ :1643 ... بـ :951]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ

قَوْلُهُ : ( إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ) فِيهِ : إِثْبَاتُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ فَرْضَهَا يَسْقُطُ بِصَلَاةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ اثْنَانِ . وَقِيلَ : ثَلَاثَةٌ ، وَقِيلَ : أَرْبَعَةٌ . وَفِيهِ : أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ . وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ ، وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِعْلَامِهِ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ وَهُوَ فِي الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ . وَفِيهِ : اسْتِحْبَابُ الْإِعْلَامِ بِالْمَيِّتِ لَا عَلَى صُورَةِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ ، بَلْ مُجَرَّدِ إِعْلَامِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ ، وَالَّذِي جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ النَّعْيِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ الْمَفَاخِرِ وَغَيْرِهَا ، وَقَدْ يَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ بِقَوْلِهِ : ( خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى ) ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُهَا فِيهِ ، وَيُحْتَجُّ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ ، وَيُتَأَوَّلُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْمُصَلَّى أَبْلَغُ فِي إِظْهَارِ أَمْرِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ ، وَفِيهِ أَيْضًا إِكْثَارُ الْمُصَلِّينَ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ عِنْدَهُمْ إِدْخَالُ الْمَيِّتِ الْمَسْجِدَ لَا مُجَرَّدُ الصَّلَاةِ .




[ سـ :1645 ... بـ :952]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا

قَوْلُهُ : ( عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَلِيمٌ - بِفَتْحِ السِّينِ - غَيْرَهُ ، وَمَنْ عَدَاهُ بِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ اللَّامِ .

قَوْلُهُ : ( صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ، وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ ، وَهَكَذَا هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْمَغَازِي وَغَيْرِهَا ، وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَسْمِيَتُهُ : صَحْمَةُ ، بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ ، وَقَالَ : هَكَذَا قَالَ لَنَا يَزِيدُ ، وَإِنَّمَا هُوَ صَمْحَةُ يَعْنِي بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى الْحَاءِ ، وَهَذَانِ شَاذَّانِ ، وَالصَّوَابُ أَصْحَمَةُ بِالْأَلِفِ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ : وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ : عَطِيَّةُ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالنَّجَاشِيُّ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ . وَأَمَّا أَصْحَمَةُ فَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لِهَذَا الْمَلِكِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ الْمُطَرِّزُ وَابْنُ خَالَوَيْهِ وَآخَرُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَلَامًا مُتَدَاخِلًا حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ : النَّجَاشِيُّ ، وَمَنْ مَلَكَ الرُّومَ : قَيْصَرُ ، وَمَنْ مَلَكَ الْفَرَسَ : كِسْرَى ، وَمَنْ مَلَكَ التُّرْكَ خاقَانُ ، وَمَنْ مَلَكَ الْقِبْطَ : فِرْعَوْنُ ، وَمَنْ مَلَكَ مِصْرَ : الْعَزِيزُ ، وَمَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ : تُبَّعُ ، وَمَنْ مَلَكَ حِمْيَرَ : الْقَيْلُ . بِفَتْحِ الْقَافِ ، وَقِيلَ : الْقَيْلُ أَقَلُّ دَرَجَةً مِنَ المَلِكِ .




[ سـ :1647 ... بـ :952]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ قَالَ فَقُمْنَا فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ ) . فِيهِ : وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ .

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ النَّجَاشِيِّ : ( وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ) وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( كَبَّرَ أَرْبَعًا ) ، وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بَعْدَ هَذَا ( خَمْسًا ) ، قَالَ الْقَاضِي : اخْتَلَفَ الْآثَارُ فِي ذَلِكَ فَجَاءَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ : فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا ، وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ إِلَى تِسْعٍ ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا ، وَعَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ خَمْسًا ، وَعَلَى غَيْرِهِمْ أَرْبَعًا ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعٍ ، وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ عَلَى أَرْبَعٍ ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ شُذُوذٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ، قَالَ : وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ يُخَمِّسُ إِلَّا ابْنَ أَبِي لَيْلَى ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ السَّلَامُ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ جُمْهُورُهُمْ : يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ : تَسْلِيمَتَيْنِ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمِ أَمْ يُسِرُّ ؟ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولَانِ : يَجْهَرُ . وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الْأَيْدِي فِي هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الرَّفْعُ فِي جَمِيعِهَا ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَا يَرْفَعُ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى . وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ : الرَّفْعُ فِي الْجَمِيعِ . وَفِي الْأُولَى فَقَطْ . وَعَدَمُهُ فِي كُلِّهَا .