فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَقْبَلُهَا

باب التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَقْبَلُهَا
[ سـ :1753 ... بـ :1011]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَصَدَّقُوا فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيَهَا لَوْ جِئْتَنَا بِهَا بِالْأَمْسِ قَبِلْتُهَا فَأَمَّا الْآنَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَصَدَّقُوا فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيَهَا : لَوْ جِئْتَنَا بِهَا بِالْأَمْسِ قَبِلْتُهَا ، فَأَمَّا الْآنَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا ، فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا ) مَعْنَى أُعْطِيَهَا أَيْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ بَعْدَهُ - مِمَّا وَرَدَ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ - الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالصَّدَقَةِ ، وَاغْتِنَامِ إِمْكَانِهَا قَبْلَ تَعَذُّرِهَا ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ : ( تَصَدَّقُوا فَيُوشِكُ الرَّجُلُ ) إِلَى آخِرَ ، وَسَبَبُ عَدَمِ قَبُولِهِمُ الصَّدَقَةَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَظُهُورِ كُنُوزُ الْأَرْضِ ، وَوَضْعِ الْبَرَكَاتِ فِيهَا ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ هَلَاكِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَقِلَّةِ آمَالِهِمْ ، وَقُرْبِ السَّاعَةِ وَعَدَمِ ادِّخَارِهِمُ الْمَالَ ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَاتِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1754 ... بـ :1012]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بَرَّادٍ وَتَرَى الرَّجُلَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَطُوفُ الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ مِنَ الذَّهَبِ ) إِنَّمَا هَذَا يَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا سِوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ ، فَكَيْفَ الظَّنُّ بِغَيْرِهِ ؟ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَطُوفُ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ ، فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا فَتَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الصَّدَقَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : كَوْنُهُ يَعْرِضُهَا ، وَيَطُوفُ بِهَا ، وَهِيَ ذَهَبٌ .

قَوْلُهُ : ( وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ ) ثُمَّ قَالَ : وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بَرَّادٍ ( وَتَرَى ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ، الْأَوَّلُ ( يُرَى ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ ، وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ تَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ ) مَعْنَى ( يَلُذْنَ بِهِ ) أَيْ يَنْتَمِينَ إِلَيْهِ ، لِيَقُومَ بِحَوَائِجِهِنَّ وَيَذُبَّ عَنْهُنَّ كَقَبِيلَةٍ بَقِيَ مِنْ رِجَالِهَا وَاحِدٌ فَقَطْ وَبَقِيَتْ نِسَاؤُهَا ، فَيَلُذْنَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ لِيَذُبَّ عَنْهُنَّ وَيَقُومَ بِحَوَائِجِهِنَّ ، وَلَا يَطْمَعَ فِيهِنَّ أَحَدٌ بِسَبَبِهِ . وَأَمَّا سَبَبُ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ ، فَهُوَ الْحُرُوبُ وَالْقِتَالُ الَّذِي يَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَتَرَاكُمُ الْمَلَاحِمِ ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ " ، أَيِ الْقَتْلُ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ) وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ ، هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ القَبِيلَةِ المَعْرُوفَةِ ، وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا ) مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا وَيُعْرِضُونَ عَنْهَا فَتَبْقَى مُهْمَلَةً لَا تُزْرَعُ وَلَا تُسْقَى مِنْ مِيَاهِهَا وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ الْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ وَقُرْبِ السَّاعَةِ وَقِلَّةِ الْآمَالِ وَعَدَمِ الْفَرَاغِ لِذَلِكَ والِاهْتِمَامِ بِهِ .




[ سـ :1756 ... بـ :157]
وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ صَدَقَةً وَيُدْعَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَا أَرَبَ لِي فِيهِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ ) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَجْوَدُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا ( يُهِمَّ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مَنْصُوبًا مَفْعُولًا ، وَالْفَاعِلُ ( مَنْ ) وَتَقْدِيرُهُ : يُحْزِنُهُ وَيَهْتَمُّ لَهُ ، وَالثَّانِي : ( يَهُمَّ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ ، وَضَمِّ الْهَاءِ ، وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مَرْفُوعًا فَاعِلًا ، وَتَقْدِيرُهُ يَهُمُّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ أَيْ بِقَصْدِهِ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : أَهَمَّهُ إِذَا أَحْزَنَهُ ، وَهَمَّهُ إِذَا أَذَابَهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : هَمَّكَ مَا أَهَمَّكَ ، أَيْ أَذَابَكَ الشَّيْءُ الَّذِي أَحْزَنَكَ ، فَأَذْهَبَ شَحْمَكَ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ مِنْ هَمَّ بِهِ إِذَا قَصَدَهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا أَرَبَ لِي فِيهِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ ، أَيْ لَا حَاجَةَ .




[ سـ :1757 ... بـ :1013]
وَحَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَأَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ وَاللَّفْظُ لِوَاصِلٍ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَتَلْتُ وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا

قَوْلُهُ : ( مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ ) مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَاعَةَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَاضِي بَغْدَادَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : الْفَلْذُ : الْقِطْعَةُ مِنْ كَبِدِ الْبَعِيرِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ التَّشْبِيهُ ، أَيْ تُخْرِجُ مَا فِي جَوْفِهَا مِنَ الْقِطَعِ الْمَدْفُونَةِ فِيهَا . وَالْأُسْطُوَانُ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالطَّاءِ وَهُوَ جَمْعُ أُسْطُوَانَةٍ - وَهِيَ السَّارِيَةُ وَالْعَمُودُ ، وَشَبَّهَهُ بِالْأُسْطُوَانِ لِعِظَمِهِ وَكَثْرَتِهِ .