فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ ، وَلَوْ بِالْقَلِيلِ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنَ الْقَلِيلِ

باب الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ الْقَلِيلِ لِاحْتِقَارِهِ
[ سـ :1785 ... بـ :1030]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالسِّينِ وَهُوَ الظِّلْفُ ، قَالُوا : وَأَصْلُهُ فِي الْإِبِلِ ، وَهُوَ فِيهَا مِثْلُ الْقَدَمِ فِي الْإِنْسَانِ ، قَالُوا : وَلَا يُقَالُ إِلَّا فِي الْإِبِلِ ، وَمُرَادُهُمْ أَصْلُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْغَنَمِ اسْتِعَارَةً . وَهَذَا النَّهْيُ عَنِ الِاحْتِقَارِ نَهْيٌ لِلْمُعْطِيَةِ الْمُهْدِيَةِ ، وَمَعْنَاهُ : لَا تَمْتَنِعُ جَارَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ لِجَارَتِهَا لِاسْتِقْلَالِهَا وَاحْتِقَارِهَا الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا ، بَلْ تَجُودُ بِمَا تَيَسَّرَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كَفِرْسِنِ شَاةٍ ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " قَالَ الْقَاضِي : هَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَالِكٍ لِإِدْخَالِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا لِلْمُعْطَاةِ عَنِ الِاحْتِقَارِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ ) ذَكَرَ الْقَاضِي فِي إِعْرَابِهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا نَصْبُ النِّسَاءِ وَجَرُّ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْإِضَافَةِ ، قَالَ الْبَاجِيُّ : وَبِهَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا بِالْمَشْرِقِ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ ، وَالْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ ، وَالْأَعَمِّ إِلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ، وَلَدَارُ الْآخِرَةِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدِّرُونَ فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ مَسْجِدَ الْمَكَانِ الْجَامِعِ ، وَجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ ، وَلِدَارُ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ ، وَتُقَدَّرُ هُنَا : يَا نِسَاءَ الْأَنْفُسِ الْمُسْلِمَاتِ أَوِ الْجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَقِيلَ : تَقْدِيرُهُ : يَا فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ، كَمَا يُقَالُ : هَؤُلَاءِ رِجَالُ الْقَوْمِ أَيْ سَادَاتِهِمْ وَأَفَاضِلِهِمْ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : رَفْعُ النِّسَاءِ وَرَفْعُ الْمُسْلِمَاتِ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ وَالصِّفَةِ أَيْ : يَا أَيُّهَا النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ ، قَالَ الْبَاجِيُّ : وَهَكَذَا يَرْوِيهِ أَهْلُ بَلَدِنَا .

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : رَفْعُ نِسَاءٍ وَكَسْرُ التَّاءِ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ ، عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ الصِّفَةُ عَلَى الْمَوْضِعِ ، كَمَا يُقَالُ : يَا زَيْدُ الْعَاقِلَ بِرَفْعِ زَيْدٍ وَنَصْبِ الْعَاقِلِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .