فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى

باب تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ
[ سـ :1855 ... بـ :1069]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ

قَوْلُهُ : ( أَخْذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ) قَالَ الْقَاضِي : ( كِخْ كِخْ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَتَسْكِينِ الْخَاءِ ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مَعَ التَّنْوِينِ ، وَهِيَ كَلِمَةٌ يُزْجَرُ بِهَا الصِّبْيَانُ عَنِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ فَيُقَالُ لَهُ : ( كِخْ ) أَيِ اتْرُكْهُ ، وَارْمِ بِهِ ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ : هِيَ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ بِمَعْنَى بِئْسَ ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ فِي تَرْجَمَةِ بَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ .

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الصِّبْيَانَ يُوَقَّوْنَ مَا يُوَقَّاهُ الْكِبَارُ ، وَتُمْنَعُ مِنْ تَعَاطِيهِ ، ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُقَالُ فِي الشَّيْءِ الْوَاضِحِ التَّحْرِيمِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِهِ ، وَتَقْدِيرُهُ : عَجَبٌ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْكَ هَذَا مَعَ ظُهُورِ تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ آلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : هُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا ، وَقَالَ أُصْبَغُ الْمَالِكِيُّ : هُمْ بَنُو قُصَيٍّ .

دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى .

وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَصَحُّهَا : أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَحِلُّ لِآلِهِ ، وَالثَّانِي : تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ، وَالثَّالِثُ : تَحِلُّ لَهُ وَلَهُمْ .

وَأَمَّا مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا : تَحْرُمُ ، لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ ، وَالثَّانِي : تَحِلُّ . وَبِالتَّحْرِيمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبِالْإِبَاحَةِ قَالَ مَالِكٌ ؛ وَادَّعَى ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ ، وَأَمَّا مَوَالِي غَيْرِهِمْ فَتُبَاحُ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُهَا عَلَى مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ) ظَاهِرُهُ تَحْرِيمُ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَفِيهِمَا الْكَلَامُ السَّابِقُ .




[ سـ :1856 ... بـ :1070]
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي ثُمَّ أَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لِأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي ثُمَّ أَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيَهَا ) فِيهِ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الصَّدَقَةُ ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهِيَ تَعُمُّ النَّوْعَيْنِ ، وَلَمْ يَقُلِ الزَّكَاةُ . وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّمْرَةَ لَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ ؛ لَكِنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهَا .




[ سـ :1859 ... بـ :1071]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِتَمْرَةٍ بِالطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا

قَوْلُهُ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ : لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ كَمَا سَبَقَ ، وَفِيهِ : أَنَّ التَّمْرَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ مُحَقَّرَاتِ الْأَمْوَالِ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَلْ يُبَاحُ أَكْلُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَا لِكَوْنِهَا لُقَطَةً ، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَعَلَّلَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ صَاحِبَهَا فِي الْعَادَةِ لَا يَطْلُبُهَا وَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَطْمَعٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .