فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَتَى يَدْخُلُ مَنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي مُعْتَكَفِهِ

باب مَتَى يَدْخُلُ مَنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي مُعْتَكَفِهِ
[ سـ :2093 ... بـ :1173]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ وَحَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَقَ كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ إِسْحَقَ ذِكْرُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّهُنَّ ضَرَبْنَ الْأَخْبِيَةَ لِلِاعْتِكَافِ

قَوْلُهُ : ( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ : يَبْدَأُ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ : يَدْخُلُ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوِ اعْتِكَافَ عَشْرٍ ، وَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ ، وَانْقَطَعَ فِيهِ ، وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الصُّبْحَ ، لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ ، بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ .

قَوْلُهُ : ( وَأَنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ ) قَالُوا : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكِفِ لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ يَنْفَرِدُ فِيهِ مُدَّةَ اعْتِكَافِهِ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ ، وَإِذَا اتَّخَذُوهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ ؛ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى غَيْرِهِ ؛ وَلِيَكُونَ أَخْلَى لَهُ وَأَكْمَلَ فِي انْفِرَادِهِ .

قَوْلُهُ : ( نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ : آلْبِرَّ تُرِدْنَ ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ ) ( قُوِّضَ ) بِالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ : أُزِيلَ ، وَقَوْلُهُ : ( آلْبِرَّ ) أَيِ : الطَّاعَةَ ، قَالَ الْقَاضِي : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ إِنْكَارًا لِفِعْلِهِنَّ ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، قَالَ : وَسَبَبُ إِنْكَارِهِ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ ، بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْبَ مِنْهُ ؛ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ ، أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ ، فَكَرِهَ مُلَازَمَتَهُنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ وَيَحْضُرُهُ الْأَعْرَابُ وَالْمُنَافِقُونَ ، وَهُنَّ مُحْتَاجَاتٌ إِلَى الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ لِمَا يَعْرِضْ لَهُنَّ ، فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ ، أَوْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُنَّ عِنْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحُضُورِهِ مَعَ أَزْوَاجِهِ ، وَذَهَبَ الْمُهِمُّ مِنْ مَقْصُودِ الِاعْتِكَافِ ، وَهُوَ التَّخَلِّي عَنِ الْأَزْوَاجِ وَمُتَعَلِّقَاتِ الدُّنْيَا وَشِبْهِ ذَلِكَ ؛ أَوْ لِأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِدَ بِأَبْنِيَتِهِنَّ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَذِنَ لَهُنَّ ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ ، وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنَ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً ، فَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَهَلْ لَهُ مَنْعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ؟ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكِهِ وَإِخْرَاجُهُمَا مِنَ اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ ، وَمَنَعَهُمَا مَالِكٌ ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ إِخْرَاجَ الْمَمْلُوكِ دُونَ الزَّوْجَةِ .