فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا

باب التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا
[ سـ :2116 ... بـ :1184]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ

( بَابُ التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا )

قَالَ الْقَاضِي : قَالَ الْمَازِرِيُّ : التَّلْبِيَةُ مُثَنَّاةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ ، وَمَعْنَاهُ : إِجَابَةٌ بَعْدَ إِجَابَةٍ ، وَلُزُومًا لِطَاعَتِكَ فَتُثَنَّى لِلتَّوْكِيدِ لَا تَثْنِيَةً حَقِيقِيَّةً ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أَيْ : نِعْمَتَاهُ ، عَلَى تَأْوِيلِ الْيَدِ بِالنِّعْمَةِ هُنَا ، وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُحْصَى ، وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ : ( لَبَّيْكَ ) اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا مُثَنَّى ، قَالَ : وَأَلِفُهُ إِنَّمَا انْقَلَبَتْ يَاءً لِاتِّصَالِهَا بِالضَّمِيرِ ( كَلَدَيَّ ) وَعَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مُثَنَّى بِدَلِيلِ قَلْبِهَا يَاءً مَعَ الْمُظْهِرِ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : ثَنَّوْا ( لَبَّيْكَ ) كَمَا ثَنَّوْا ( حَنَانَيْكَ ) أَيْ : تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ وَأَصْلُ ( لَبَّيْكَ ) : لَبَّبْتُكَ فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ ثَلَاثِ بَاءَاتٍ ، فَأَبْدَلُوا مِنَ الثَّالِثَةِ يَاءً كَمَا قَالُوا : مِنَ الظَّنِّ ( تَظَنَّيْتُ ) ، وَالْأَصْلُ ( تَظَنَّنْتُ ) .

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ وَاشْتِقَاقِهَا ، فَقِيلَ : مَعْنَاهَا : اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْكَ ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : دَارِي تَلُبُّ دَارَكَ ، أَيْ : تُوَاجِهُهَا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهَا : مَحَبَّتِي ، قَوْلُهُمْ : ( لَكَ ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمُ : امْرَأَةٌ لَبَّةٌ ، إِذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِوَلَدِهَا ، عَاطِفَةً عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهَا : إِخْلَاصٌ لَكَ ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : ( حَسْبُ لُبَابٍ ) إِذَا كَانَ خَالِصًا مَحْضًا ، وَمِنْ ذَلِكَ ( لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ ) وَقِيلَ : مَعْنَاهَا : ( أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَإِجَابَتِكَ ) ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : ( لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ وَأَلَبَّ ) إِذَا أَقَامَ فِيهِ ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَبِهَذَا قَالَ الْخَلِيلُ ، قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : هَذِهِ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي مَعْنَى ( لَبَّيْكَ ) : أَيْ قُرْبًا مِنْكَ وَطَاعَةً ، وَالْإِلْبَابُ : الْقُرْبُ ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ : مَعْنَاهُ : ( أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْكَ ) أَيْ : خَاضِعٌ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي .

قَوْلُهُ : ( لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ ) يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ ( إِنَّ ) وَفَتْحِهَا ، وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ ، قَالَ الْجُمْهُورُ : الْكَسْرُ أَجْوَدُ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْفَتْحُ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ : الِاخْتِيَارُ الْكَسْرُ وَهُوَ الْأَجْوَدُ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْفَتْحِ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ : إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَمَنْ فَتَحَ قَالَ : مَعْنَاهُ لَبَّيْكَ ؛ لِهَذَا السَّبَبِ .

قَوْلُهُ : ( وَالنِّعْمَةَ لَكَ ) الْمَشْهُورُ فِيهِ نَصْبُ النِّعْمَةِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ ( إِنَّ ) مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ : إِنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةُ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ .

وَقَوْلُهُ : ( وَسَعْدَيْكَ ) قَالَ الْقَاضِي : إِعْرَابُهَا وَتَثْنِيَتُهَا كَمَا سَبَقَ فِي لَبَّيْكَ ، وَمَعْنَاهُ : مُسَاعَدَةٌ لِطَاعَتِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ .

قَوْلُهُ : ( وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ ) أَيِ : الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ ) قَالَ الْقَاضِي : قَالَ الْمَازِرِيُّ : يُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ ، وَبِضَمِّ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ ، وَنَظِيرُهُ الْعُلَا وَالْعَلْيَاءُ ، وَالنُّعْمَى وَالنَّعْمَاءُ ، قَالَ الْقَاضِي : حَكَى أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ أَيْضًا الْفَتْحَ مَعَ الْقَصْرِ ، ( الرَّغْبَى ) مِثْلُ ( سَكْرَى ) وَمَعْنَاهُ هُنَا : الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ .




[ سـ :2117 ... بـ :1184]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالُوا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ هَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَافِعٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزِيدُ مَعَ هَذَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيَةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيَةَ ) هُوَ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ ، أَيْ : أَخَذْتُهَا بِسُرْعَةٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَرُوِيَ ( تَلَقَّنْتُ ) بِالنُّونِ ، قَالَ : وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ : وَرُوِيَ ( تَلَقَّيْتُ ) بِالْيَاءِ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ .

قَوْلُهُ : ( أَهَلَّ فَقَالَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : ( الْإِهْلَالُ ) رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ ، وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ فِي اللُّغَةِ : رَفْعُ الصَّوْتِ ، وَمِنْهُ اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ : أَيْ صَاحَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أَيْ : رُفِعَ الصَّوْتُ عِنْدَ ذَبْحِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَسُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا ؛ لِرَفْعِهِمُ الصَّوْتَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ .




[ سـ :2118 ... بـ :1184]
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ فَإِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَيَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ

قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَلْبِيدِ الرَّأْسِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : التَّلْبِيدُ ضَفْرُ الرَّأْسِ بِالصَّمْغِ أَوَ الْخَطْمِيِّ وَشَبَهِهِمَا ، مِمَّا يَضُمُّ الشَّعْرَ وَيَلْزَقُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، وَيَمْنَعُهُ التَّمَعُّطَ وَالْقَمْلَ ، فَيُسْتَحَبُّ ؛ لِكَوْنِهِ أَرْفَقُ بِهِ .




[ سـ :2119 ... بـ :1185]
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ يَعْنِي ابْنَ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلَكُمْ قَدْ قَدْ فَيَقُولُونَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ

قَوْلُهُ : ( كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيْلكُمْ قَدْ قَدْ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ ، يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ ) فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ قَدْ ) قَالَ الْقَاضِي : رُوِيَ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ التَّنْوِينِ ، وَمَعْنَاهُ : كَفَاكُمْ هَذَا الْكَلَامُ فَاقْتَصِرُوا عَلَيْهِ وَلَا تَزِيدُوا ، وَهُنَا انْتَهَى كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ عَادَ الرَّاوِي إِلَى حِكَايَةِ كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : ( إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ . . . إِلَى آخِرِهِ ) مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : اقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلِكُمْ : ( لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا حُكْمُ التَّلْبِيَةِ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِهَا ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ هِيَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَجِّ وَلَا بِوَاجِبَةٍ ، فَلَوْ تَرَكَهَا صَحَّ حَجُّهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ، لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هِيَ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ ، وَيَصِحُّ الْحَجُّ بِدُونِهَا ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ ، قَالَ : وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ وَلَا الْحَجُّ إِلَّا بِهَا ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ ، وَلَكِنْ لَوْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ دَمٌ وَصَحَّ حَجُّهُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ : يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِالنِّيَّةِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ ، كَمَا يَنْعَقِدُ الصَّوْمُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِانْضِمَامِ التَّلْبِيَةِ أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ إِلَى النِّيَّةِ ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَيَجْزِي عَنِ التَّلْبِيَةِ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ كَمَا قَالَ : هُوَ أَنَّ التَّسْبِيحَ وَغَيْرَهُ يَجْزِي فِي الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ عَنِ التَّكْبِيرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ لَهَا الرَّفْعُ ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْفِتْنَةُ بِصَوْتِهَا . وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ ، كَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَالصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ ، وَاجْتِمَاعِ الرِّفَاقِ ، وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ ، وَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ ، وَفِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا أَذْكَارًا مَخْصُوصَةً .

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ كُلَّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ ، وَيُوَالِيَهَا وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ ، فَإِنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ رَدَّ السَّلَامَ بِاللَّفْظِ ، وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ .

وَإِذَا لَبَّى صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ أَحَبَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَأَفْضَلُهُ سُؤَالُ الرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ النَّارِ ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ : لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ .

وَلَا تَزَالُ التَّلْبِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْحَاجِّ حَتَّى يَشْرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ، أَوْ يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إِنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا ، أَوَ الْحَلْقُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْحَلْقُ نُسُكٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَتُسْتَحَبُّ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ ، وَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ لِلْمُحْرِمِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي " .