فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى ، وَوُجُوبِ

باب جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ وَبَيَانِ قَدْرِهَا
[ سـ :2167 ... بـ :1201]
وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قَالَ الْقَوَارِيرِيُّ قِدْرٍ لِي وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ بُرْمَةٍ لِي وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً قَالَ أَيُّوبُ فَلَا أَدْرِي بِأَيِّ ذَلِكَ بَدَأَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ

بَابُ جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى

وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ وَبَيَانِ قَدْرِهَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( فَأَمَرَنِي بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ مَا تَيَسَّرَ ) . وَفِي رِوَايَةٍ : ( صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ ، أَوِ انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ ) .

وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَأَطْعِمْ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ ) - وَالْفَرَقُ : ثَلَاثَةُ آصُعٍ - أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( أَوِ اذْبَحْ شَاةً ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( قَالَ : صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( قَالَ : هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ ؟ قَالَ : مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينَيْنِ صَاعٌ ) .

هَذِهِ رِوَايَاتُ الْبَابِ ، وَكُلُّهَا مُتَّفِقَةُةٌ فِي الْمَعْنَى ، وَمَقْصُودُهَا أَنَّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى حَلْقِ الرَّأْسِ لِضَرَرٍ مِنْ قَمْلٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ، فَلَهُ حَلْقُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَالصَّدَقَةَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ، وَالنُّسُكَ : شَاةٌ ، وَهِيَ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ ، ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ وَالْأَحَادِيثَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ : ( هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ ؟ قَالَ : مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَجْزِي إِلَّا لِعَادِمِ الْهَدْيِ ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ النُّسُكِ ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ ، وَإِنْ عَدِمَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحِنْطَةِ ، فَأَمَّا التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا فَيَجِبُ صَاعٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ، وَهَذَا خِلَافُ نَصِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : ( ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ ) ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةُ : أَنَّهُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَجِبُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ، أَوْ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ مَرْدُودٌ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ ) مَعْنَاهُ : مَقْسُومَةٌ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، وَ ( الْآصُعُ ) جَمْعُ ( صَاعٍ ) وَفِي الصَّاعِ لُغَتَانِ : التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ ، وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسْعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا بِالْبَغْدَادِيِّ ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ ، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْآصُعَ جَمْعُ صَاعٍ صَحِيحٌ ، وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الْآصُعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَذَلِكَ هُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ ؛ وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَكِّيٍّ فِي كِتَابِهِ : تَثْقِيفُ اللِّسَانِ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي جَمْعِ الصَّاعٍعِ : آصُعٌ لَحْنٌ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامِّ ، وَأَنَّ صَوَابَهُ ( أُصُوعٌ ) فَغَلَطٌ مِنْهُ وَذُهُولٌ ، وَعَجَبٌ قَوْلُهُ هَذَا مَعَ اشْتِهَارِ اللَّفْظَةِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهَا ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ ، قَالُوا : فَيَجُوزُ فِي جَمْعِ صَاعٍ آصُعٌ ، وَفِي دَارٍ آدُرٌ ، وَهُوَ بَابٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ ؛ لِأَنَّ فَاءَ الْكَلِمَةِ فِي آصُعٍ صَادٌ وَعَيْنُهَا وَاوٌ ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً ، وَنُقِلَتْ إِلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ ، ثُمَّ قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ أَلِفًا حِينَ اجْتَمَعَتْ هِيَ وَهَمْزَةُ الْجَمْعِ فَصَارَ ( آصُعًا ) ، وَوَزْنُهُ عِنْدَهُمْ : أَعْفُلُ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي آدُرٍ وَنَحْوِهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَوَامُّ رَأْسِكَ ) أَيِ الْقَمْلُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْسُكْ نَسِيكَةً ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَا تَيَسَّرَ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( شَاةً ) الْجَمِيعُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ ، وَهُوَ شَاةٌ وَشَرْطُهَا أَنْ تُجْزِئَ فِي الْأُضْحِيَّةِ ، وَيُقَالُ لِلشَّاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ : ( نَسِيكَةٌ ) وَيُقَالُ : نَسَكَ يَنْسُكُ وَيَنْسِكُ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ .

قَوْلُهُ : ( كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ .

قَوْلُهُ : ( وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلًا ) أَيْ يَتَسَاقَطُ وَيَتَنَاثَرُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا ، لُغَتَانِ وَفَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ ، وَهَكَذَا هُوَ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ .

قَوْلُهُ : ( فَقَمِلَ رَأْسُهُ ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ كَثُرَ قَمْلُهُ .