فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ


[ سـ :2175 ... بـ :1203]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ

قَوْلُهُ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ ) وَسَطُ الرَّأْسِ بِفَتْحِ السِّينِ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : كُلُّ مَا كَانَ يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الصَّفِّ وَالْقِلَادَةِ وَالسُّبْحَةِ وَحَلْقَةِ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ : وَسْطٌ ، بِالْإِسْكَانِ ، وَمَا كَانَ مُصْمَتًا لَا يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ وَالرَّأْسِ وَالرَّاحَةِ فَهُوَ : وَسَطٌ ، بِفَتْحِ السِّينِ ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا : وَقَدْ أَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ ، وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهَا لَهُ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ قَطَعَ الشَّعْرَ حِينَئِذٍ ، لَكِنْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ؛ لِقَطْعِ الشَّعْرِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ الْآيَةَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي الْحِجَامَةِ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ قَطْعِ شَعْرٍ ، أَمَّا إِذَا أَرَادَ الْمُحْرِمُ الْحِجَامَةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، فَإِنْ تَضَمَّنَتْ قَلْعَ شَعْرٍ فَهِيَ حَرَامٌ لِتَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّعْرِ ، وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا شَعْرَ فِيهِ ، فَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهَا ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ كَرَاهَتُهَا ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيهَا الْفِدْيَةُ ، دَلِيلُنَا أَنَّ إِخْرَاجَ الدَّمِ لَيْسَ حَرَامًا فِي الْإِحْرَامِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ قَاعِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْإِحْرَامِ ، وَهِيَ أَنَّ الْحَلْقَ وَاللِّبَاسَ وَقَتْلَ الصَّيْدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ، يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ، كَمَنِ احْتَاجَ إِلَى حَلْقٍ أَوْ لِبَاسٍ لِمَرَضٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ قَتْلِ صَيْدٍ لِلْحَاجَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .