فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ فِي الطَّوَافِ دُونَ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ

باب اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ فِي الطَّوَافِ دُونَ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ
[ سـ :2309 ... بـ :1267]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مِنْ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ

قَوْلُهُ : ( لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَالَّذِي يَلِيهِ مِنْ نَحْوِ دُورِ الْجُمَحِيِّينَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ ) هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ ، فَالرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ هُمَا الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُ ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمَا الْيَمَانِيَانِ لِلتَّغْلِيبِ ، كَمَا قِيلَ : فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ : الْأَبَوَانِ ، وَفِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ : الْقَمَرَانِ ، وَفِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : الْعُمَرَانِ ، وَفِي الْمَاءِ وَالتَّمْرِ : الْأَسْوَدَانِ ، وَنَظَائِرُهُ مَشْهُورَةٌ ، ( وَالْيَمَانِيَانِ ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهَا لُغَةً أُخْرَى بِالتَّشْدِيدِ ، فَمَنْ خَفَّفَ قَالَ : هَذِهِ نِسْبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ ، فَالْأَلِفُ عِوَضٌ مِنْ إِحْدَى يَائَيِ النَّسَبِ ، فَتَبْقَى الْيَاءُ الْأُخْرَى مُخَفَّفَةً ، وَلَوْ شَدَّدْنَاهَا لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ ، وَمَنْ شَدَّدَ قَالَ : الْأَلِفُ فِي الْيَمَانِي زَائِدَةٌ ، وَأَصْلُهُ الْيَمَنِيُّ فَتَبْقَى الْيَاءُ مُشَدَّدَةً ، وَتَكُونُ الْأَلِفُ زَائِدَةً ، كَمَا زِيدَتِ النُّونُ فِي صَنْعَانِيٍّ وَرَقَبَانِيٍّ ، وَنَظَائِرِ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( يَمْسَحُ ) فَمُرَادُهُ يَسْتَلِمُ ، وَسَبَقَ بَيَانُ الِاسْتِلَامِ . وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْبَيْتِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ : الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ . وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُ ، وَيُقَالُ لَهُمَا الْيَمَانِيَانِ كَمَا سَبَقَ ، وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَيُقَالُ لَهُمَا : الشَّامِيَّانِ ، فَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا : كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالثَّانِيَةُ كَوْنُهُ فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ ، وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَفِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْفَضِيلَتَيْنِ ، فَلِهَذَا خُصَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ بِشَيْئَيْنِ : الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ لِلْفَضِيلَتَيْنِ ، وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَيَسْتَلِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَاحِدَةً ، وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ ، وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُ السَّلَفِ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ بِاسْتِلَامِهِمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَا عَلِيٍّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : أَجْمَعَتْ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَانْقَرَضَ الْخِلَافُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :2311 ... بـ :1267]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ ) يَحْتَجُّ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي أَنَّهُ يَقْتَصِرُ بِالِاسْتِلَامِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَيْهِ دُونَ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا فِيهِ خِلَافُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ .




[ سـ :2313 ... بـ :1268]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي خَالِدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ

قَوْلُهُ : ( رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ : مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ ) فِيهِ : اسْتِحْبَابُ تَقْبِيلِ الْيَدِ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِذَا عَجَزَ عَنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ ، وَإِلَّا فَالْقَادِرُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ ، وَلَا يَقْتَصِرُ فِي الْيَدِ عَلَى الِاسْتِلَامِ بِهَا ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اسْتِحْبَابِ تَقْبِيلِ الْيَدِ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ لِلْعَاجِزِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّابِعِيُّ الْمَشْهُورُ : لَا يُسْتَحَبُّ التَّقْبِيلُ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .