فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي الصَّدَقَةِ بِلُحُومِ الْهَدْيِ وَجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا

باب فِي الصَّدَقَةِ بِلُحُومِ الْهَدْيِ وَجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا
[ سـ :2407 ... بـ :1317]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا قَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا أَجْرُ الْجَازِرِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا ، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : سُمِّيَتِ الْبَدَنَةُ لِعَظَمِهَا ، وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَلَكِنَّ مُعْظَمَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْأَحَادِيثِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ ، فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا : اسْتِحْبَابُ سَوْقِ الْهَدْيِ ، وَجَوَازُ النِّيَابَةِ فِي نَحْرِهِ ، وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ وَتَفْرِقَتِهِ ، وَأَنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا ، وَأَنَّهَا تُجَلَّلُ ، وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ جِلًّا حَسَنًا ، وَأَنْ لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنْهَالِأَنَّ ؛ لِأَنَّ عَطِيَّتَهُ عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهَا ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ . وَفِيهِ : جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى النَّحْرِ وَنَحْوِهِ ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْهَدْيِ وَلَا الْأُضْحِيَّةِ وَلَا شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْبَيْتِ وَلَا بِغَيْرِهِ ، سَوَاءٌ كَانَا تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبَتَيْنِ ، لَكِنْ إِنْ كَانَا تَطَوُّعًا فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْجِلْدِ وَغَيْرِهِ بِاللُّبْسِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَجُوزُ إِعْطَاءُ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ جِزَارَتِهِ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ : أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ جِلْدِ هَدْيِهِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ ، قَالَ : وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ أَبُو ثَوْرٍ ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ : لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الْغِرْبَالَ وَالْمُنْخُلَ وَالْفَأْسَ وَالْمِيزَانَ وَنَحْوَهَا ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ جِلْدَهَا ، وَهَذَا مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْقَاضِي : التَّجْلِيلُ سُنَّةٌ ، وَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ ، وَهُوَ مِمَّا اشْتُهِرَ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ ، قَالَ : وَمِمَّنْ رَآهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ . قَالُوا : وَيَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ ، قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا وَنَفَاسَتُهَا بِحَسَبِ حَالِ الْمُهْدِي ، وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُجَلِّلُ بِالْوَشْيِ ، وَبَعْضُهُمْ بِالْحِبَرَةِ ، وَبَعْضُهُمْ بِالْقَبَاطِيِّ وَالْمَلَاحِفِ وَالْأُزُرِ ، قَالَ مَالِكٌ : وَتُشَقُّ عَلَى الْأَسْنِمَةِ إِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الثَّمَنِ لِئَلَّا تَسْقُطَ ، قَالَ مَالِكٌ : وَمَا عَلِمْتُ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ إِلَّا ابْنَ عُمَرَ اسْتِبْقَاءً لِلثِّيَابِلِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ الْجِلَالَ الْمُرْتَفِعَةَ مِنَ الْأَنْمَاطِ وَالْبُرُودِ وَالْحُبُرِ ، قَالَ : كَانَ لَا يُجَلِّلُ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ ، قَالَ : وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَكَانَ يَعْقِدُ أَطْرَافَ الْجِلَالِ عَلَى أَذْنَابِهَا ، فَإِذَا مَشَى لَيْلَةً نَزَعَهَا ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَلَّلَهَا ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النَّحْرِ نَزَعَهَا لِئَلَّا يُصِيبَهَا الدَّمُ ، قَالَ مَالِكٌ : أَمَّا الْجِلُّ فَيُنْزَعُ فِي اللَّيْلِ ، لِئَلَّا يَخْرِقَهَا الشَّوْكُ ، قَالَ : وَاسْتُحِبَّ إِنْ كَانَتِ الْجِلَالُ مُرْتَفِعَةً أَنْ يَتْرُكَ شِقَّهَا ، وَأَنْ لَا يُجَلِّلَهَا حَتَّى يَغْدُوَ إِلَى عَرَفَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَمِنْ حِينِ يُحْرِمُ يَشُقُّ وَيُجَلِّلُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَفِي شَقِّ الْجِلَالِ عَلَى الْأَسْنِمَةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ إِظْهَارُ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَسْتَتِرَ تَحْتَهَا .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّدَقَةُ بِالْجِلَالِ وَهَكَذَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَوَّلًا يَكْسُوهَا الْكَعْبَةَ ، فَلَمَّا كُسِيَتِ الْكَعْبَةُ تَصَدَّقَ بِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .