فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ ، وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ

باب تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ
[ سـ :2619 ... بـ :1409]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَقَالَ أَبَانُ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ

بَابُ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ ، وَلَا يَخْطُبُ ) ثُمَّ ذَكَرَ مُسْلِمٌ الِاخْتِلَافَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، أَوْ وَهُوَ حَلَالٌ ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ : لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ ، وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ الْبَابِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ : يَصِحُّ نِكَاحُهُ لِحَدِيثِ قِصَّةِ مَيْمُونَةَ ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِأَجْوِبَةٍ أَصَحُّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ . قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَلَمْ يَرْوِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا إِلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ ، وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ وَأَبُو رَافِعٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِهِ ، بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَلِأَنَّهُلِأَنَّهُمْ أَضْبَطُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ .

الْجَوَابُ الثَّانِي : تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ ، وَيُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي الْحَرَمِ مُحْرِمٌ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا ، وَهِيَ لُغَةٌ شَائِعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، وَمِنْهُ الْبَيْتُ الْمَشْهُورُ :

قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا

أَيْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَارَضَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ ، وَالصَّحِيحُ حِينَئِذٍ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِلِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْغَيْرِ ، وَالْفِعْلُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ .

وَالرَّابِعُ جَوَابُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ، وَهُوَ مِمَّا خُصَّ بِهِ دُونَ الْأُمَّةِ ، وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ حَرَامٌ فِي حَقِّهِ كَغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْخَصَائِصِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَنْكِحُ ) فَمَعْنَاهُ لَا يُزَوِّجُ امْرَأَةً بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : سَبَبُهُ أَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ صَارَ كَالْمَرْأَةِ فَلَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ . وَظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَ بِوِلَايَةٍ خَاصَّةٍ كَالْأَبِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ ، أَوْ بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ وَهُوَ السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي وَنَائِبُهُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا : وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُحْرِمُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّهَا يُسْتَفَادُ بِهَا مَا لَا يُسْتَفَادُ بِالْخَاصَّةِ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَزْوِيجُ الذِّمِّيَّةِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ .

وَاعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ النِّكَاحِ وَالْإِنْكَاحِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ ، فَلَوْ عَقَدَ لَمْ يَنْعَقِدْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ هُوَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ أَوِ الْعَاقِدُ لَهُمَا بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ مُحِلِّينَ ، وَوَكَّلَ الْوَلِيُّ أَوِ الزَّوْجُ مُحْرِمًا فِي الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَخْطُبُ ) فَهُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي نِكَاحٍ عَقَدَهُ الْمُحِلُّونَ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِ لِأَنَّ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُكْنٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَالْوَلِيِّ . وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ انْعِقَادُهُ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ ) ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهٍ قَالَ : بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ ، وَكَانَ يَخْطُبُ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِهِ . هَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ عَنْ أَيُّوبَ فِي رِوَايَةِ بِنْتِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ ، وَزَعَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَنَّهُ الصَّوَابُ ، وَأَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِيهِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : بَلْ قَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ ؛ فَإِنَّهَا بِنْتُ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ الحَجَبِيُّ كَذَا حَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ : شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ فَلَا يَكُونُ خَطَأً ، بَلِ الرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ إِحْدَاهُمَا حَقِيقَةٌ ، وَالْأُخْرَى مَجَازٌ .

وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ هَذِهِ الْبِنْتَ تُسَمَّى أَمَةَ الْحُمَيْدِ .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي إِسْنَادِ رِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ تَابِعِيِّينِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَنَافِعٌ وَنُبَيْهٌ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى نَظَائِرَ كَثِيرَةٍ لِهَذَا سَبَقَتْ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا فِي جُزْءٍ مَعَ رُبَاعِيَّاتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .




[ سـ :2619 ... بـ :1409]
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ طَلْحَةَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْحَجِّ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانٍ إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ فَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبَانُ أَلَا أُرَاكَ عِرَاقِيًّا جَافِيًا إِنِّي سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ لَهُ أَبَانٌ : أَلَا أُرَاكَ عِرَاقِيًّا جَافِيًا ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا ( عِرَاقِيًّا ) وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ( عِرَاقِيًّا ) وَفِي بَعْضِهَا ( أَعْرَابِيًّا ) قَالَ : وَهُوَ الصَّوَابُ ، أَيْ جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ . وَالْأَعْرَابِيُّ هُوَ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ ، قَالَ : ( وَعِرَاقِيًّا ) هُنَا خَطَأٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ حِينَئِذٍ جَوَازُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَيَصِحُّ عِرَاقِيًّا أَيْ آخِذًا بِمَذْهَبِهِمْ فِي هَذَا جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .