فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ فَضِيلَةِ إِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا

باب فَضِيلَةِ إِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا
[ سـ :2653 ... بـ :1365]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ قَالَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً وَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ فَقَالَ اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ قَالَ ادْعُوهُ بِهَا قَالَ فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا قَالَ وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ قَالَ وَبَسَطَ نِطَعًا قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَوْلُهُ : ( فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَتِهَا الْغَدَاةَ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُكْرَهُ ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ : ( وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ ) دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْإِرْدَافِ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ . مُطِيقَةٌ ، وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ ) دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ ، وَلَا يُخِلُّ بِمَرَاتِبِ أَهْلِ الْفَضْلِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ لِلْقِتَالِ أَوْ رِيَاضَةِ الدَّابَّةِ أَوْ تَدْرِيبِ النَّفْسِ وَمُعَانَاةِ أَسْبَابِ الشَّجَاعَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) هَذَا مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ : الْفَخِذُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ عَوْرَةٌ ، وَيَحْمِلُ أَصْحَابُنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ انْحِسَارَ الْإِزَارِ وَغَيْرِهِ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْحَسَرَ لِلزَّحْمَةِ وَإِجْرَاءِ الْمَرْكُوبِ ، وَوَقَعَ نَظَرُ أَنَسٍ إِلَيْهِ فَجْأَةً لَا تَعَمُّدًا ، وَكَذَلِكَ مَسَّتْ رُكْبَتُهُ الْفَخِذَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا بَلْ لِلزَّحْمَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ، وَلَا أَنَّهُ حَسَرَ الْإِزَارَ بَلْ قَالَ : انْحَسَرَ بِنَفْسِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ ) فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَلِهَذَا قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرٌ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَرِبَتْ خَيْبَرُ ) فَذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دُعَاءٌ تَقْدِيرُهُ أَسْأَلُ اللَّهَ خَرَابَهَا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ إِخْبَارٌ بِخَرَابِهَا عَلَى الْكُفَّارِ وَفَتْحِهَا لِلْمُسْلِمِينَ .

قَوْلُهُ : ( مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِرَفْعِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ ، وَهُوَ الْجَيْشُ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ، سُمِّيَ خَمِيسًالِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ : مُقَدِّمَةٌ وَسَاقَةٌ وَمَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ وَقَلْبٌ ، وَقِيلَ لِتَخْمِيسِ الْغَنَائِمِ ، وَأَبْطَلُوا هَذَا الْقَوْلَلِأَنَّ ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ كَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَخْمِيسٌ .

قَوْلُهُ : ( وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ قَهْرًا لَا صُلْحًا ، وَبَعْضُ حُصُونِ خَيْبَرَ أُصِيبَ صُلْحًا ، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَوْلُهُ : ( فَجَاءَهُ دِحْيَةُ إِلَى قَوْلِهِ : فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ) أَمَّا ( دِحْيَةُ ) فَبِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا ( صَفِيَّةُ ) فَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا كَانَ اسْمَهَا قَبْلَ السَّبْيِ ، وَقِيلَ : كَانَ اسْمَهَا ( زَيْنَبُ ) فَسُمِّيَتْ بَعْدَ السَّبْيِ وَالِاصْطِفَاءِ ( صَفِيَّةَ ) .

قَوْلُهُ : ( أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ قَالَ : ادْعُوهُ بِهَا قَالَ : فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا ) قَالَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ يَحْتَمِلُ مَا جَرَى مَعَ دِحْيَةَ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ رَدَّ الْجَارِيَةَ بِرِضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي غَيْرِهَا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي جَارِيَةٍ لَهُ مِنْ حَشْوِ السَّبْيِ لَا أَفْضَلَهُنَّ . فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخَذَ أَنْفَسَهُنَّ وَأَجْوَدَهُنَّ نَسَبًا وَشَرَفًا فِي قَوْمِهَا وَجَمَالًا اسْتَرْجَعَهَالِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا ، وَرَأَى فِي إِبْقَائِهَا لِدِحْيَةَ مَفْسَدَةً لِتَمَيُّزِهِ بِمِثْلِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْشِ ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ انْتِهَاكِهَا مَعَ مَرْتَبَتِهَا وَكَوْنِهَا بِنْتَ سَيِّدِهِمْ ، وَلِمَا يَخَافُ مِنَ اسْتِعْلَائِهَا عَلَى دِحْيَةَ بِسَبَبِ مَرْتَبَتِهَا ، وَرُبَّمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ شِقَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَكَانَ أَخْذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا لِنَفْسِهِ قَاطِعًا لِكُلِّ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَخَوَّفَةِ ، وَمَعَ هَذَا فَعَوَّضَ دِحْيَةَ عَنْهَا . وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : إِنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : ( وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ ) أَيْ حَصَلَتْ بِالْإِذْنِ فِي أَخْذِ جَارِيَةٍ لِيُوَافِقَ بَاقِي الرِّوَايَاتِ . وَقَوْلُهُ : ( اشْتَرَاهَا ) أَيْ أَعْطَاهُ بَدَلَهَا سَبْعَةَ أَنْفُسٍ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ ، لَا أَنَّهُ جَرَى عَقْدَ بَيْعٍ ، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ . وَهَذَا الْإِعْطَاءُ لِدِحْيَةَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : التَّنْفِيلُ يَكُونُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ التَّنْفِيلَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ يَكُونُ هَذَا التَّنْفِيلُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ أَنْ مُيِّزَ أَوْ قَبْلَهُ وَيُحْسَبُ مِنْهُ . فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ ، وَحَكَى الْقَاضِي مَعْنَى بَعْضِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ تَكُونَ صَفِيَّةُ فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ ، وَهُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ بَنِي أَبِي الْحَقِيقِ كَانُوا صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أنْ لَا يَكْتُمُوهُ كَنْزًا ، فَإِنْ كَتَمُوهُ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ . وَسَأَلَهُمْ عَنْ كَنْزِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَكَتَمُوهُ ، وَقَالُوا : أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ ، ثُمَّ عَثَرَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ ، فَانْتَقَضَ عَهْدَهُمْ فَسَبَاهُمْ . ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ . فَصَفِيَّةُ مِنْ سَبْيِهِمْ فَهِيَ فَيْءٌ لَا يُخَمَّسُ ، بَلْ يَفْعَلُ فِيهِ الْإِمَامُ مَا رَأَى . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّالْفَيْءَ لَا يُخَمَّسُ ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُخَمَّسُ كَالْغَنِيمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ : يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا ؟ قَالَ : نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْتِقَ الْأَمَةَ وَيَتَزَوَّجَهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ ( لَهُ أَجْرَانِ ) . وَقَوْلُهُ : ( أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا ) اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا تَبَرُّعًا بِلَا عِوَضٍ وَلَا شَرْطٍ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِلَا صَدَاقٍ ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهُ بِلَا مَهْرٍ لَا فِي الْحَالِ ، وَلَا فِيمَا بَعْدُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يُعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا فَقَبِلَتْ فَلَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِهِ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا ، وَكَانَتْ مَجْهُولَةٌ وَلَا يَجُوزُ هَذَا وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ لِغَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُمَا مِنَ الْخَصَائِصِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ ، وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ : لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ . وَمِمَّنْ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَزُفَرُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ ، وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ ، بَلْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَالِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهَا مَجَّانًا ، فَإِنْ رَضِيَتْ وَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَلَهُ عَلَيْهَا الْقِيمَةُ ، وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مَعْلُومَةً لَهُ وَلَهَا صَحَّ الصَّدَاقُ وَلَا تَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا قِيمَةٌ وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا ، أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةًلِأَنَّ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّخْفِيفِ . وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ بَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ ، وَيَكُونُ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا ، وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ ، وَيَصِحُّ الصَّدَاقُ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَتَأَوَّلَهُ الْآخَرُونَ بِمَا سَبَقَ .

قَوْلُهُ ( حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا ) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ : ( ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَصْنَعُهَا وَتُهَيِّئُهَا قَالَ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا ) .

أَمَّا قَوْلُهُ : ( تَعْتَدُّ ) فَمَعْنَاهُ تَسْتَبْرِئُ فَإِنْ كَانَتْ مَسْبِيَّةً يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا وَجَعَلَهَا فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ ، فَلَمَّا انْقَضَى الِاسْتِبْرَاءُ جَهَّزَتْهَا أُمُّ سُلَيْمٍ وَهَيَّأَتْهَا أَيْ زَيَّنَتْهَا وَجَمَّلَتْهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرُوسِ بِمَا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ مِنْ وَشْمٍ وَوَصْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ . وَقَوْلُهُ : ( أَهْدَتْهَا ) أَيْ زَفَّتْهَا يُقَالُ : أَهْدَيْتَ الْعَرُوسَ إِلَى زَوْجِهَا أَيْ زَفَفْتَهَا . وَالْعَرُوسُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ جَمِيعًا . وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَمَعْنَاهُ اعْتَدَّتْ أَيِ اسْتَبْرَأَتْ ، ثُمَّ هَيَّأَتْهَا ، ثُمَّ أَهْدَتْهَا . وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبَهَا . وَفِيهِ : الزِّفَافُ بِاللَّيْلِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ تَزَوُّجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزِّفَافُ نَهَارًا ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ جَوَازَ الْأَمْرَيْنِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْنِي بِهِ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( فَلْيَجِئْ بِهِ ) بِغَيْرِ نُونٍ فِيهِ دَلِيلٌ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ ، وَأَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ، وَفِيهِ إِدْلَالُ الْكَبِيرِ عَلَى أَصْحَابِهِ وَطَلَبُ طَعَامِهِمْ فِي نَحْوِ هَذَا .

وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَصْحَابِ الزَّوْجِ وَجِيرَانِهِ مُسَاعَدَتُهُ فِي وَلِيمَتِهِ بِطَعَامٍ مِنْ عِنْدِهِمْ .

قَوْلُهُ : ( وَبَسَطَ نِطَعًا ) فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِهَا أَفْصَحُهُنَّ كَسْرُ النُّونِ مَعَ فَتْحِ الطَّاءِ ، وَجَمْعُهُ نُطُوعٌ وَأَنْطَاعٌ .

قَوْلُهُ : ( فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ ، فَحَاسُوا حَيْسًا ) ( الْحَيْسُ ) هُوَ الْأَقِطُ وَالتَّمْرُ وَالسَّمْنُ يُخْلَطُ وَيُعْجَنُ ، وَمَعْنَاهُ جَعَلُوا ذَلِكَ حَيْسًا ثُمَّ أَكَلُوهُ .




[ سـ :2655 ... بـ :154]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا لَهُ أَجْرَانِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا ( لَهُ أَجْرَانِ ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإَيْمَانِ حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَفِيَّةَ لِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ الظَّاهِرَةِ .




[ سـ :2656 ... بـ :1365]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتْ الشَّمْسُ وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قَالَ وَهَزَمَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قَالَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ فُحِصَتْ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا وَجِيءَ بِالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبِعَ النَّاسُ قَالَ وَقَالَ النَّاسُ لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعْنَا قَالَ فَعَثَرَتْ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ وَنَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ فَقَامَ فَسَتَرَهَا وَقَدْ أَشْرَفَتْ النِّسَاءُ فَقُلْنَ أَبْعَدَ اللَّهُ الْيَهُودِيَّةَ قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ أَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِي وَاللَّهِ لَقَدْ وَقَعَ

قَوْلُهُ ( حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِهَا .

قَوْلُهُ : ( وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ ) أَمَّا الْفُؤُوسُ فَبِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ عَلَى وَزْنِ ( فُعُولٍ ) جَمْعُ فَأْسٍ بِالْهَمْزَةِ ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ . ( وَالْمَكَاتِلُ ) جَمْعُ مِكْتَلٍ وَهُوَ الْقُفَّةُ وَالزِّنْبِيلُ ، ( وَالْمُرُورُ ) جَمْعُ مَرٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ ، نَحْوُ الْمِجْرَفَةِ وَأَكْبَرُ مِنْهَا ، يُقَالُ لَهَا الْمَسَاحِي . هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ ، وَحَكَى الْقَاضِي قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِالْمُرُورِ هُنَا الْحِبَالُ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِهَا إِلَى النَّخِيلِ قَالَ : وَاحِدُهَا ( مَرٌّ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَالِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمُرُّ حِينَ يُفْتَلُ .

قَوْلُهُ : ( فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ كُشِفَ التُّرَابُ مِنْ أَعْلَاهَا وَحُفِرَتْ شَيْئًا يَسِيرًا لِجَعْلِ الْأَنْطَاعِ فِي الْمَحْفُورِ وَيُصَبُّ فِيهَا السَّمْنُ فَيَثْبُتُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوَانِبِهَا . وَأَصْلُ الْفَحْصِ الْكَشْفُ ، وَفَحَصَ عَنِ الْأَمْرِ وَفَحَصَ الطَّائِرُ لِبَيْضِهِ وَالْأَفَاحِيصُ جَمْعُ أُفْحُوصٍ .

قَوْلُهُ : ( فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ وَنَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ فَقَامَ فَسَتَرَهَا ) قَوْلُهُ : ( عَثَرَتْ ) بِفَتْحِ الثَّاءِ ، ( وَنَدَرَ ) بِالنُّونِ أَيْ سَقَطَ وَأَصْلُ النُّدُورِ الْخُرُوجُ وَالِانْفِرَادُ ، وَمِنْهُ كَلِمَةُ ( نَادِرَةٍ ) أَيْ فَرْدَةٌ عَنِ النَّظَائِرِ .




[ سـ :2657 ... بـ :1428]
قَالَ أَنَسٌ وَشَهِدْتُ وَلِيمَةَ زَيْنَبَ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا وَكَانَ يَبْعَثُنِي فَأَدْعُو النَّاسَ فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ وَتَبِعْتُهُ فَتَخَلَّفَ رَجُلَانِ اسْتَأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ لَمْ يَخْرُجَا فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَيَقُولُونَ بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ فَيَقُولُ بِخَيْرٍ فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ إِذَا هُوَ بِالرَّجُلَيْنِ قَدْ اسْتَأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ فَلَمَّا رَأَيَاهُ قَدْ رَجَعَ قَامَا فَخَرَجَا فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِأَنَّهُمَا قَدْ خَرَجَا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ أَرْخَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الْآيَةَ

قَوْلُهُ : ( فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؟ فَيَقُولُونَ : بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ ؟ فَيَقُولُ : بِخَيْرٍ ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا أَتَى مَنْزِلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَهْلِهِ ، وَهَذَا مِمَّا يَتَكَبَّرُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ الْمُتَرَفِّعِينَ .

وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ قَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ . قَالُوا : لِيَتَنَاوَلَهُ وَمَلِكَيْهِ .

وَمِنْهَا سُؤَالُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ عَنْ حَالِهِمْ ، فَرُبَّمَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْمَرْأَةِ حَاجَةٌ فَتَسْتَحْيِي أَنْ تَبْتَدِئَ بِهَا ، فَإِذَا سَأَلَهَا انْبَسَطَتْ لِذِكْرِ حَاجَتِهَا .

وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ عَقِبَ دُخُولِهِ كَيْفَ حَالُكَ ؟ وَنَحْوَ هَذَا .

قَوْلُهُ : ( فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ ) هِيَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَضْمُومَةٍ وَبِإِسْكَانِ السِّينِ .




[ سـ :2658 ... بـ :1365]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ح وَحَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا فِي السَّبْيِ مِثْلَهَا قَالَ فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَالَ أَصْلِحِيهَا قَالَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْقُبَّةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأْتِنَا بِهِ قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا حَيْسًا فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَيْسِ وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشِشْنَا إِلَيْهَا فَرَفَعْنَا مَطِيَّنَا وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطِيَّتَهُ قَالَ وَصَفِيَّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ قَالَ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَا إِلَيْهَا حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَهَا قَالَ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ لَمْ نُضَرَّ قَالَ فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَخَرَجَ جَوَارِي نِسَائِهِ يَتَرَاءَيْنَهَا وَيَشْمَتْنَ بِصَرْعَتِهَا

قَوْلُهُ : ( فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا حَيْسًا ) السَّوَادُ بِفَتْحِ السِّينِ ، وَأَصْلُ السَّوَادِ الشَّخْصُ ، وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ : رَأَى آدَمُ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةً ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةً أَيْ أَشْخَاصًا وَالْمُرَادُ هُنَا حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَوْمًا شَاخِصًا مُرْتَفِعًا فَخَلَطُوهُ وَجَعَلُوا حَيْسًا .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشَّنَا إِلَيْهَا ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ( هَشَّنَا ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ نُونٍ ، وَفِي بَعْضِهَا ( هَشِشْنَا ) بِشِينَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ مُخَفَّفَةٌ ، وَمَعْنَاهُمَا نَشِطْنَا وَخَفَفْنَا وَانْبَعَثَتْ نُفُوسُنَا إِلَيْهَا ، يُقَالُ مِنْهُ : ( هَشِشْتُ ) بِكَسْرِ الشِّينِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ . قَالَ : وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى الْإِدْغَامِ لِالْتِقَاءِ الْمِثْلَيْنِ ، وَهِيَ لُغَةُ مَنْ قَالَ : هَزَّتْ سَيْفِي ، وَهِيَ لُغَةُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ . قَالَ : وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ( هِشْنَا ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَهُوَ مِنْ هَاشَ يَهِيشُ بِمَعْنَى هَشَّ .

قَوْلُهُ : ( فَخَرَجَ جِوَارِي نِسَائِهِ ) أَيْ صَغِيرَاتُ الْأَسْنَانِ مِنْ نِسَائِهِ .

قَوْلُهُ : ( يَشْمَتْنَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمِيمِ .

قَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا : ( إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ ) اسْتَدَلَّتْ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ إِذَا أُعْلِنَلِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمْ ، وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ . وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ شَرَطُوا الْإِعْلَانَ دُونَ الشَّهَادَةِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ : تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ دُونَ الْإِعْلَانِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَشْتَرِطُونَ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ : يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ سِرًّا بِغَيْرِ شَهَادَةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَأَمَّا إِذَا عَقَدَ سِرًّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَصِحُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .