فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ حُكْمِ الْعَزْلِ

باب حُكْمِ الْعَزْلِ
[ سـ :2691 ... بـ :1438]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْعَزْلَ فَقَالَ نَعَمْ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ بَلْمُصْطَلِقِ فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ فَقُلْنَا نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا نَسْأَلُهُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَعْنَى حَدِيثِ رَبِيعَةَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

بَابُ حُكْمِ الْعَزْلِ

الْعَزْلُ هُوَ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ وَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ امْرَأَةٍ سَوَاءٌ رَضِيَتْ أَمْ لَا لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ النَّسْلِ ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ تَسْمِيَتُهُ الْوَأْدَ الْخَفِيَّ ؛ لِأَنَّهُ قَطْعُ طَرِيقِ الْوِلَادَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْمَوْلُودُ بِالْوَأْدِ .

وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَحْرُمُ فِي مَمْلُوكَتِهِ وَلَا فِي زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ سَوَاءٌ رَضِيَتَا أَمْ لَا لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي مَمْلُوكَتِهِ بِمَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَامْتِنَاعِ بَيْعِهَا وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي زَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ بِمَصِيرِ وَلَدِهِ رَقِيقًا تَبَعًا لِأُمِّهِ ، وَأَمَّا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ فَإِنْ أَذِنَتْ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا : لَا يَحْرُمُ .

ثُمَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَعَ غَيْرِهَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمَا وَرَدَ فِي الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ . هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ، وَلِلسَّلَفِ خِلَافٌ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَنْ حَرَّمَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ قَالَ : عَلَيْهَا ضَرَرٌ فِي الْعَزْلِ فَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ إِذْنُهَا .

قَوْلُهُ ( غَزْوَةُ بَلْمُصْطَلِقِ ) أَيْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ : هَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ .

قَوْلُهُ : ( كَرَائِمُ الْعَرَبِ ) أَيِ النَّفِيسَاتُ مِنْهُمْ ، قَوْلُهُ : ( فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ ) مَعْنَاهُ احْتَجْنَا إِلَى الْوَطْءِ وَخِفْنَا مِنَ الْحَبَلِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْنَا بَيْعُهَا وَأَخْذُ الْفِدَاءِ فِيهَا . فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ مَنْعُ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا ، مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ . مَعْنَاهُ مَا عَلَيْكُمْ ضَرَرٌ فِي تَرْكِ الْعَزْلِ لِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهَا لَا بُدَّ أَنْ يَخْلُقَهَا سَوَاءٌ عَزَلْتُمْ أَمْ لَا ، وَمَا لَمْ يُقَدِّرْ خَلْقَهَا لَا يَقَعُ ، سَوَاءٌ عَزَلْتُمْ أَمْ لَا . فَلَا فَائِدَةَ فِي عَزْلِكُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقَهَا سَبَقَكُمُ الْمَاءُ فَلَا يَنْفَعُ حِرْصُكُمْ فِي مَنْعِ الْخَلْقِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْعَرَبَ يَجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقُّ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْعَجَمِ وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مُشْرِكِينَ وَسُبُوا جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَرَبٌ صُلْبِيَّةٌ مِنْ خُزَاعَةَ وَقَدِ اسْتَرَقُّوهُمْ وَوَطِئُوا سَبَايَاهُمْ وَاسْتَبَاحُوا بَيْعَهُنَّ وَأَخْذَ فِدَائِهِنَّ . وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ : لَا يَجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقُّ لِشَرَفِهِمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :2698 ... بـ :1439]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَقَالَ اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ فَقَالَ قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا

قَوْلُهُ : ( إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا ) . أَيِ الَّتِي تَسْقِي لَنَا . شَبَّهَهَا بِالْبَعِيرِ فِي ذَلِكَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَخْبَرَهُ بِأَنَّ لَهُ جَارِيَةً يَعْزِلُ عَنْهَا ( إِنْ شِئْتَ ) ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا حَبِلَتْ إِلَى آخِرِهِ ، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِلْحَاقِ النَّسَبِ مَعَ الْعَزْلِ ، لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ سَبَقَ . وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَتَلْحَقُهُ أَوْلَادُهَا إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ .




[ سـ :2699 ... بـ :1439]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي جَارِيَةً لِي وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا أَرَادَهُ اللَّهُ قَالَ فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَكَ حَمَلَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ قَاصُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ النَّوْفَلِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ) مَعْنَاهُ هُنَا أَنَّ مَا أَقُولُ لَكُمْ حَقٌّ فَاعْتَمِدُوهُ وَاسْتَيْقِنُوهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ .