فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ، وَبَيَانِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ

باب الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَبَيَانِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةٌ مَعَ يَوْمِهَا
[ سـ :2748 ... بـ :1462]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍفَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ هَذِهِ زَيْنَبُ فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا فَقَالَ اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا وَقَالَ أَتَصْنَعِينَ هَذَا

مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْسِمَ لِنِسَائِهِ بَلْ لَهُ اجْتِنَابُهُنَّ كُلِّهِنَّ ، لَكِنْ يُكْرَهُ تَعْطِيلُهُنَّ مَخَافَةً مِنَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِنَّ وَالْإِضْرَارِ بِهِنَّ ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَسْمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلَّا بِقُرْعَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَةً لَيْلَةً وَلَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ لَيْلَةٍ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إِلَّا بِرِضَاهُنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا .

وَفِيهِ أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ وَيَطَأَهُنَّ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ بِرِضَاهُنَّ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ وَإِذَا قَسَمَ كَانَ لَهَا الْيَوْمُ الَّذِي بَعْدَ لَيْلَتِهَا . وَيَقْسِمُ لِلْمَرِيضَةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا الْأُنْسُ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَمْتِعُ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَظَرٍ وَلَمْسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قَسَمَ لَا يَلْزَمُهُ الْوَطْءُ وَلَا التَّسْوِيَةُ فِيهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ ، وَلَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ بَعْضَهُنَّ فِي نَوْبَتِهَا دُونَ بَعْضٍ ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَلَّا يُعَطِّلَهُنَّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنهُنَّ فِي ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ، وَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : هَذِهِ زَيْنَبُ فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخْبَتَا ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتِهُمَا فَقَالَ اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ )

أَمَّا قَوْلُهُ ( تِسْعُ نِسْوَةٍ ) فَهُنَّ اللَّاتِي تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَسَوْدَةُ وَزَيْنَبُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ وَجُوَيْرِيَّةُ وَصْفِيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ .

وَيُقَالُ نِسْوَةٌ وَنُسْوَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( فَكَانَ إِذَا قَسَمَ لَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْأُولَى فِي تِسْعٍ ) فَمَعْنَاهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ التِّسْعِ ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَلَّا يَزِيدَ فِي الْقَسْمِ عَلَى لَيْلَةٍ لَيْلَةٍ لِأَنَّ فِيهِ مُخَاطَرَةً بِحُقُوقِهِنَّ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( كُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَ لَيْلَةٍ إِلَى آخِرِهِ ) فَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ كُلَّ امْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا وَلَا يَدْعُوهُنَّ إِلَى بَيْتِهِ ، لَكِنْ لَوْ دَعَا كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي نَوْبَتِهَا إِلَى بَيْتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَفْضَلِ ، وَلَوْ دَعَاهَا إِلَى بَيْتِ ضَرَائِرِهَا لَمْ تَلْزَمْهَا الْإِجَابَةُ ، وَلَا تَكُونُ بِالِامْتِنَاعِ نَاشِزَةً . بِخِلَافِ مَا إِذَا امْتَنَعَتْ مِنَ الْإِتْيَانِ إِلَى بَيْتِهِ لِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي الْإِتْيَانِ إِلَى ضَرَّتِهَا وَهَذَا الِاجْتِمَاعُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ .

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي غَيْرَ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ فِي بَيْتِهَا فِي اللَّيْلِ بَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ حَضَرَهَا الْمَوْتُ أَوْ نَحْوَهُ مِنَ الضَّرُورَاتِ .

وَأَمَّا مَدُّ يَدِهِ إِلَى زَيْنَبَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ : ( هَذِهِ زَيْنَبُ ) فَقِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا بَلْ ظَنَّهَا عَائِشَةَ صَاحِبَةَ النَّوْبَةِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي اللَّيْلِ وَلَيْسَ فِي الْبُيُوتِ مَصَابِيحُ . وَقِيلَ : كَانَ مِثْلُ هَذَا بِرِضَاهُنَّ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( حَتَّى اسْتَخْبَتَا ) فَهُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ، ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ . مِنَ السَّخَبِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَارْتِفَاعُهَا ، وَيُقَالُ أَيْضًا : صَخَبٌ بِالصَّادِ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( اسْتَخْبَثَتَا ) بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ ، أَيْ قَالَتَا الْكَلَامَ الرَّدِيءَ ، وَفِي بَعْضِهَا ( اسْتَحْيَتَا ) مِنَ الِاسْتِيحَاءِ . وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ ( اسْتَحَثَتَا ) بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ، قَالَ : وَمَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ حَثَتْ فِي وَجْهِ الْأُخْرَى التُّرَابَ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَمُلَاطَفَةِ الْجَمِيعِ .

وَقَدْ يَحْتَجُّ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ : ( مَدَّ يَدَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ) وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَمَسَ بِلَا حَائِلٍ ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ لَمَسَ بَشَرَتَهَا بِلَا حَائِلٍ ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ) فَمُبَالَغَةٌ فِي زَجْرِهِنَّ وَقَطْعِ خِصَامِهِنَّ .

وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَشَفَقَتُهُ وَنَظَرُهُ فِي الْمَصَالِحِ ، وَفِيهِ إِشَارَةُ الْمَفْضُولِ عَلَى صَاحِبِهِ الْفَاضِلِ بِمَصْلَحَتِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

باب جَوَازِ هِبَتِهَا نَوْبَتَهَا لِضُرَّتِهَا