فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ، وَسَوْمِهِ عَلَى سَوْمِهِ

باب تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَسَوْمِهِ عَلَى سَوْمِهِ وَتَحْرِيمِ النَّجْشِ وَتَحْرِيمِ التَّصْرِيَةِ
[ سـ :2881 ... بـ :1412]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَفِي رِوَايَةٍ ( لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ )


[ سـ :2882 ... بـ :1412]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ

وَفِي رِوَايَةٍ ( لَا يَسِمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ) أَمَّا الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ : افْسَخْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَبِيعُكَ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ . وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَهَذَا حَرَامٌ .

يَحْرُمُ أَيْضًا الشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ : افْسَخْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ وَنَحْوَ هَذَا .

أَمَّا السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اتَّفَقَ مَالِكُ السِّلْعَةِ وَالرَّاغِبُ فِيهَا عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْقِدَاهُ ، فَيَقُولَ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ : أَنَا أَشْتَرِيهِ وَهَذَا حَرَامٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ .

وَأَمَّا السَّوْمُ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيمَنْ يَزِيدُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ .

وأَمَّا الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَسُؤَالُ الْمَرْأَةِ طَلَاقَ أُخْتِهَا فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وَاضِحًا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَبَقَ هُنَالِكَ أَنَّ الرِّوَايَةَ ( لَا يَبِيعُ وَلَا يَخْطِبُ ) بِالرَّفْعِ عَلَى سَبِيلِ الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ أَبْلَغُ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ فَلَوْ خَالَفَ وَعَقَدَ فَهُوَ عَاصٍ . وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ ، وَقَالَ دَاوُدُ : لَا يَنْعَقِدُ . وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى إِبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَنْ يَزِيدُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ .

وَأَمَّا النَّجْشُ فَبِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ لَا لِرَغْبَةٍ فِيهَا بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ وَيَغُرَّهُ لِيَزِيدَ وَيَشْتَرِيَهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْإِثْمُ مُخْتَصٌّ بِالنَّاجِشِ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ فَإِنْ وَاطَأَهُ عَلَى ذَلِكَ أَثِمَا جَمِيعًا ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَائِعِ مُوَاطَأَةٌ ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ - فِي الْأَصَحِّ - لِأَنَّهُ قَصَّرَ فِي الِاغْتِرَارِ ، وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ ، وَجَعَلَ النَّهْيَ عَنْهُ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ .

وَأَصْلُ النَّجْشِ الِاسْتِثَارَةُ ، وَمِنْهُ نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنْجُشُهُ بِضَمِّ الْجِيمِ نَجْشًا إِذَا اسْتَثَرْتُهُ ، سُمِّيَ النَّاجِشُ فِي السِّلْعَةِ نَاجِشًا لِأَنَّهُ يُثِيرُ الرَّغْبَةَ فِيهَا وَيَرْفَعُ ثَمَنَهَا ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَصْلُ النَّجْشِ الْخَتْلُ وَهُوَ الْخِدَاعُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ : نَاجِشٌ لِأَنَّهُ يَخْتِلُ الصَّيْدَ وَيَخْتَالُ لَهُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَثَارَ فَهُوَ نَاجِشٌ . وَقَالَ الْهَرَوِيُّ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : النَّجْشُ الْمَدْحُ وَالْإِطْرَاءُ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَمْدَحُ أَحَدُكُمُ السِّلْعَةَ وَيَزِيدُ بِلَا رَغْبَةٍ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ ( حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْعَلَاءِ وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ( عَنْ أَبِيهِمَا ) وَهُوَ مُشْكِلٌ ، لِأَنَّ الْعَلَاءَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُهَيْلٌ هُوَ ابْنُ أَبِي صَالِحٍ وَلَيْسَ بِأَخٍ لَهُ ، فَلَا يُقَالُ : عَنْ أَبِيهِمَا بِكَسْرِ الْبَاءِ بَلْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ : ( عَنْ أَبَوَيْهِمَا ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ ( عَنْ أَبَيْهِمَا ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَيَكُونَ تَثْنِيَةُ أَبٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ : هَذَانِ أَبَانِ وَرَأَيْتُ أَبَيْنِ فَثَنَّاهُ بِالْأَلِفِ وَالنُّونِ وَبِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ . قَالَ الْقَاضِي : الرِّوَايَةُ فِيهِ عِنْدَ جَمِيعِ شُيُوخِنَا بِكَسْرِ الْبَاءِ . قَالَ : وَلَيْسَ هُوَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَخَوَيْنِ . قَالَ : وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ( عَنْ أَبَوَيْهِمَا ) وَهُوَ الصَّوَابُ . قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَوَّلِ : لَعَلَّهُ عَنْ أَبَيْهِمَا بِفَتْحِ الْبَاءِ .

قَوْلُهُ : ( وَفِي رِوَايَةِ الدَّوْرَقِيِّ : عَلَى سِيمَةِ أَخِيهِ ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي السَّوْمِ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَيُقَالُ : إِنَّهُ لَغَالِي السِّيمَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَنَصْبِ الْإِبِلِ مِنَ التَّصْرِيَةِ وَهِيَ الْجَمْعُ ، يُقَالُ : صَرَّى يُصَرِّي تَصْرِيَةً وَصَرَّاهَا يُصَرِّيهَا تَصْرِيَةً فَهِيَ مُصَرَّاةٌ كَغَشَّاهَا يُغَشِّيهَا تَغْشِيَةً فَهِيَ مُغَشَّاةٌ وَزَكَّاهَا يُزَكِّيهَا تَزْكِيَةً فَهِيَ مُزَكَّاةٌ ، قَالَ الْقَاضِي : وَرُوِّينَاهُ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ ( لَا تَصُرُّوا ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ مِنَ الصَّرِّ ، قَالَ : وَعَنْ بَعْضِهِمْ : لَا تُصَرُّ الْإِبِلُ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُصْرَّى بِغَيْرِ وَاوٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَبِرَفْعِ الْإِبِلِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنَ الصِّرِّ أَيْضًا وَهُوَ رَبْطُ أَخْلَافِهَا . وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُ لَا تَجْمَعُوا اللَّبَنَ فِي ضَرْعِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ بَيْعِهَا حَتَّى يَعْظُمَ ضَرْعُهَا فَيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ كَثْرَةَ لَبَنِهَا عَادَةٌ لَهَا مُسْتَمِرَّةٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ : صَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ وَصَرَّى الْمَاءَ فِي ظَهْرِهِ أَيْ حَبَسَهُ فَلَمْ يَتَزَوَّجْ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ ( الْمُصَرَّاةِ ) وَفِي اشْتِقَاقِهَا ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : التَّصْرِيَةُ أَنْ يَرْبِطَ أَخْلَافَ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ وَيَتْرُكَ حَلْبَهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَجْمَعَ لَبَنَهَا ، فَيَزِيدَ مُشْتَرِيهَا فِي ثَمَنِهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ عَادَةٌ لَهَا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هُوَ مِنْ صَرَّى اللَّبَنَ فِي ضَرْعِهَا أَيْ حَقَنَهُ فِيهِ وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الرَّبْطِ لَكَانَتْ مَصْرُورَةً أَوْ مُصَرَّرَةً . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ حَسَنٌ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ . قَالَ : وَالْعَرَبُ تَصُرُّ ضُرُوعَ الْمَحْلُوبَاتِ . وَاسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِ الْعَرَبِ : لَا يُحْسِنُ الْكَرَّ . إِنَّمَا يُحْسِنُ الْحَلْبَ وَالصَّرَّ . وَبِقَوْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ :


فَقُلْتُ لِقَوْمِي : هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ مُصَرَّرَةٌ أَخْلَافُهَا لَمْ تُجَرَّدِ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَصْلَ الْمُصَرَّاةِ مَصْرُورَةٌ وَأُبْدِلَتْ إِحْدَى الرَّاءَيْنِ أَلِفًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أَيْ دَسَّسَهَا كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مِنْ جِنْسٍ .

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيَةَ حَرَامٌ سَوَاءٌ تَصْرِيَةُ النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالْجَارِيَةِ وَالْفَرَسِ وَالْأَتَانِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ غِشٌّ وَخِدَاعٌ ، وَبَيْعُهَا صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي إِمْسَاكِهَا وَرَدِّهَا . وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّدْلِيسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ ذَلِكَ يَنْعَقِدُ وَأَنَّ التَّدْلِيسَ بِالْفِعْلِ حَرَامٌ كَالتَّدْلِيسِ بِالْقَوْلِ .