فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوَضْعِ مِنَ الدَّيْنِ


[ سـ :3010 ... بـ :1557]
وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ : وَحَدَّثَنِي أَخِي ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ : هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ حَدِيثًا سَبَقَ بَيَانُهَا فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ ; لِأَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ . قَالَ الْقَاضِي : إِذَا قَالَ الرَّاوِي : حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ ، أَوْ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ ، أَوْ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، لَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَقْطُوعِ ، وَلَا مِنَ الْمُرْسَلِ ، وَلَا مِنَ الْمُعْضِلِ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ عَنِ الْمَجْهُولِ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ ، لَكِنْ كَيْفَ كَانَ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَذَا الْمَتْنِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ ، وَلَكِنْ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ ، فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ ، وَلَعَلَّ مُسْلِمًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ( غَيْرُ وَاحِدٍ ) الْبُخَارِيَّ وَغَيْرَهُ ، وَقَدْ حَدَّثَ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ، وَفِي آخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَحْمَد بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ ، وَفِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَفِي هَذَا الْبَابِ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ : رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ ) هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْمَقْطُوعَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَيُسَمَّى مُعَلَّقًا ، وَسَبَقَ فِي التَّيَمُّمِ مِثْلُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ هُنَا مُتَّصِلٌ عَنِ اللَّيْثِ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخِرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ ) أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ الدَّيْنِ ، وَيَرْفُقَ بِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمِثْلِ هَذَا ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إِلَى الْإِلْحَاحِ وَإِهَانَةِ النَّفْسِ أَوِ الْإِيذَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ الْمُتَأَلِّي : الْحَالِفُ ، وَالْأَلْيَةُ : الْيَمِينُ .

وَفِي هَذَا كَرَاهَةُ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْخَيْرِ ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ خَيْرًا أَنْ يَحْنَثَ فَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ .

وَفِيهِ الشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ ، وَقَبُولُ الشَّفَاعَةِ فِي الْخَيْرِ .




[ سـ :3012 ... بـ :1558]
حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ يَا كَعْبُ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَاقْضِهِ وَحَدَّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى دَيْنًا لَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ مُسْلِم وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَمَرَّ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا كَعْبُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ النِّصْفَ فَأَخَذَ نِصْفًا مِمَّا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا

قَوْلُهُ : ( تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ ) مَعْنَى تَقَاضَاهُ طَالَبَهُ بِهِ ، وَأَرَادَ قَضَاءَهُ . وَحَدْرَدٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالشَّفَاعَةُ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْخُصُومِ ، وَحُسْنُ التَّوَسُّطِ بَيْنَهُمْ ، وَقَبُولُ الشَّفَاعَةِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَجَوَازُ الْإِشَارَةِ وَاعْتِمَادُهَا لقَوْلِهِ : ( فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ )

قَوْلُهُ : ( كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَإِسْكَانُ الْجِيمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .