فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ النَّذْرِ

باب الْأَمْرِ بِقَضَاءِ النَّذْرِ
[ سـ :3193 ... بـ :1638]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ قَالَا أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْضِهِ عَنْهَا وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ اللَّيْثِ وَمَعْنَى حَدِيثِهِ

قَوْلُهُ : ( اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْضِهِ عَنْهَا ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ طَاعَةً ، فَإِنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا كَدُخُولِ السُّوقِ ، يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدنَا ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ : فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاقْضِهِ عَنْهَا ) دَلِيلٌ لِقَضَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمَيِّتِ ، فَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا . وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَفِيهَا خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ يَجِبُ قَضَاؤُهَا ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا كَدُيُونِ الْآدَمِيِّ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا : لَا يَجِبُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ ، وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ خِلَافٌ فِي الزَّكَاةِ إِذَا لَمْ يُوصِ بِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَاخْتَلَفُوا فِي نَذْرِ أُمِّ سَعْدٍ هَذَا فَقِيلَ : كَانَ نَذْرًا مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : كَانَ صَوْمًا ، وَقِيلَ : صَدَقَةٌ . وَاسْتَدَلَّ كُلُّ قَائِلٍ بِأَحَادِيثَ جَاءَتْ فِي قِصَّةِ أُمِّ سَعْدٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّذْرَ كَانَ غَيْرَ مَا وَرَدَ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ ، قَالَ : وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ نَذْرًا فِي الْمَالِ أَوْ نَذْرًا مُبْهَمًا ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ فَقَالَ لَهُ - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " " ، وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّوْمِ عَنْهَا عَلَّلَهُ أَهْلُ الصَّنْعَةِ لِلِاخْتِلَافٍ بَيْنَ رُوَاتِهِ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَكَثْرَةِ اضْطِرَابِهِ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى : ( أَفَأَعْتِقُ عَنْهَا ؟ ) فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا ، لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنَ الْأَمْوَالِ ، وَلَيْسَ فِيهِ قَطْعٌ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا عِتْقٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ ، وَلَا إِذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ : يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا .

وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَا يَلْزَمُ ، وَحَدِيثُ سَعْدٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ تَرِكَتِهَا ، أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِلْزَامِهِ ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .