فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ نَذْرِ الْكَافِرِ وَمَا يَفْعَلُ فِيهِ إِذَا أَسْلَمَ

باب نَذْرِ الْكَافِرِ وَمَا يَفْعَلُ فِيهِ إِذَا أَسْلَمَ
[ سـ :3229 ... بـ :1656]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِي الثَّقَفِيَّ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ حَفْصٌ مِنْ بَيْنِهِمْ عَنْ عُمَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَمَّا أَبُو أُسَامَةَ وَالثَّقَفِيُّ فَفِي حَدِيثِهِمَا اعْتِكَافُ لَيْلَةٍ وَأَمَّا فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ فَقَالَ جَعَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا يَعْتَكِفُهُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ حَفْصٍ ذِكْرُ يَوْمٍ وَلَا لَيْلَةٍ

فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْفِ بِنَذْرِكَ ) .

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الْكَافِرِ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا : لَا يَصِحُّ ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَصِحُّ ، وَحُجَّتُهُمْ ظَاهِرُ حَدِيثِ عُمَرَ ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، أَيْ : يُسْتَحَبُّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ الْآنَ مِثْلَ ذَلِكَ الَّذِي نَذَرْتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ ، وَفِي صِحَّتِهِ بِاللَّيْلِ كَمَا يَصِحُّ بِالنَّهَارِ . سَوَاءٌ كَانَتْ لَيْلَةً وَاحِدَةً أَوْ بَعْضَهَا ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا .

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا اعْتِكَافُ يَوْمٍ فَلَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ ، وَسَأَلَهُ عَنِ اعْتِكَافِ يَوْمٍ ، فَأَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ ، فَحَصَلَ مِنْهُ صِحَّةُ اعْتِكَافِ اللَّيْلِ وَحْدَهُ ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : " أَوْفِ بِنَذْرِكَ " فَاعْتَكَفَ عُمَرُ لَيْلَةً . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ . هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ . وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا : لَا يَصِحُّ إِلَّا بِصَوْمٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ .

قَوْلُهُ : ( ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ عُمْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فَقَالَ : لَمْ يَعْتَمِرْ مِنْهَا ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ ، وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ اعْتِمَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ عَامَ حُنَيْنٍ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .