فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحَدَّدَاتِ ، وَالْمُثَقَّلَاتِ

باب ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدَّدَاتِ وَالْمُثَقَّلَاتِ وَقَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ
[ سـ :3267 ... بـ :1672]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ قَالَ فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ لَهَا أَقَتَلَكِ فُلَانٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ نَعَمْ وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ

قَوْلُهُ : ( إَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ ، فَقِيلَ لَهَا : أَقَتَلَكِ فُلَانٌ ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا : أَنْ لَا ، ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا ، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ ، فَقَالَتْ : نَعَمْ وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا ، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( قَتَلَ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ ، فَأَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ ، فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا الْيَهُودِيَّ ، فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا ، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ ) .

أَمَّا ( الْأَوْضَاحُ ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، فَهِيَ : قِطَعُ فِضَّةٍ ، كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .

قَوْلُهُ : ( وَبِهَا رَمَقٌ ) هُوَ بَقِيَّةُ الْحَيَاةِ وَالرُّوحِ . وَالْقَلِيبُ الْبِئْرُ ، وَقَوْلُهُ : ( رَضَخَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ وَرَضَّهُ بِالْحِجَارَةِ وَرَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ ) هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ وَرُمِيَ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَدْ رُجِمَ ، وَقَدْ رُضَّ ، وَقَدْ رُضِخَ . وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَجَمَهَا الرَّجْمَ الْمَعْرُوفَ مَعَ الرَّضْخِ ; لِقَوْلِهِ : ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ :

مِنْهَا : قَتْلُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ ، وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ .

وَمِنْهَا : أَنَّ الْجَانِيَ عَمْدًا يُقْتَلُ قِصَاصًا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَتَلَ ، فَإِنْ بِسَيْفٍ قُتِلَ هُوَ بِالسَّيْفِ ، وَإِنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا قُتِلَ بِمِثْلِهِ ; لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ رَضَخَهَا فَرُضِخَ هُوَ .

وَمِنْهَا : ثُبُوتُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلَاتِ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمُحَدَّدَاتِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَا قِصَاصَ إِلَّا فِي الْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ ، أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِقَتْلِ النَّاسِ بِالْمَنْجَنِيقِ ، أَوْ بِالْإِلْقَاءٍ فِي النَّارِ .

وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي مُثَقَّلِ الْحَدِيدِ كَالدَّبُّوسِ . أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ شِبْهَ عَمْدٍ بِأَنْ قَتَلَ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا فَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ بِهِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَاللَّطْمَةِ وَالْقَضِيبِ وَالْبُنْدُقَةِ وَنَحْوِهَا ، فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ : يَجِبُ فِيهِ الْقَوْدُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ : لَا قِصَاصَ فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمِنْهَا : وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الَّذِي يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ .

وَمِنْهَا : جَوَازُ سُؤَالِ الْجَرِيحِ مَنْ جَرَحَكَ ؟ وَفَائِدَةُ السُّؤَالِ : أَنْ يُعْرَفَ الْمُتَّهَمُ لِيُطَالَبَ ، فَإِنْ أَقَرَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ ثُبُوتُ الْقَتْلِ عَلَى الْمُتَّهَمِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ ، وَتَعَلَّقُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَهَذَا تَعَلُّقٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ اعْتَرَفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، فَإِنَّمَا قُتِلَ بِاعْتِرَافِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .