فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ رَجْمِ الْيَهُودِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الزِّنَى

باب رَجْمِ الْيَهُودِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الزِّنَى
[ سـ :3313 ... بـ :1699]
حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ فَقَالَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى قَالُوا نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا وَيُطَافُ بِهِمَا قَالَ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَجَاءُوا بِهَا فَقَرَءُوهَا حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا وَرَاءَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَهُ فَرَفَعَهَا فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُمَا فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَقِيهَا مِنْ الْحِجَارَةِ بِنَفْسِهِ وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ فِي الزِّنَى يَهُودِيَّيْنِ رَجُلًا وَامْرَأَةً زَنَيَا فَأَتَتْ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ

قَوْلُهُ : ( إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا - إِلَى قَوْلِهِ - فَرُجِمَا ) فِي هَذَا دَلِيلٌ لِوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْكَافِرِ ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّجْمُ إِلَّا عَلَى مُحْصَنٍ ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ لَمْ يَثْبُتْ إِحْصَانُهُ ، وَلَمْ يُرْجَمْ ، وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقِيلَ : لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا ، وَقِيلَ : إِنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالنَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ .

وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ شَرْعِنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَصِحُّ إِحْصَانُ الْكَافِرِ . قَالَ : وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا أَهْلَ ذِمَّةٍ ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ ، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ، وَلِأَنَّهُ رَجَمَ الْمَرْأَةَ ، وَالنِّسَاءُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ مُطْلَقًا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَقَالَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ ؟ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ لِتَقْلِيدِهِمْ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ مِنْهُمْ ، فَإِنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي كِتَابِهِمْ ، وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يُغَيِّرُوهُ كَمَا غَيَّرُوا أَشْيَاءَ ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ، وَلِهَذَا لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ كَتَمُوهُ .

قَوْلُهُ : ( نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنَحْمِلُهُمَا ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ( نَحْمِلُهُمَا ) بِالْحَاءِ وَاللَّامِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( نُجَمِّلُهُمَا ) بِالْجِيمِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( نُحَمِّمُهُمَا ) بِمِيمَيْنِ وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ ، فَمَعْنَى الْأَوَّلِ : نَحْمِلُهُمَا عَلَى الْحَمْلِ ، وَمَعْنَى الثَّانِي : نُجَمِّلُهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْجَمَلِ ، وَمَعْنَى الثَّالِثِ : نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا بِالْحُمَمِ - بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ - وَهُوَ الْفَحْمُ ، وَهَذَا الثَّالِثُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ رُجِمَ الْيَهُودِيَّانِ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ ؟ قُلْنَا : الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِمَا أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ فَظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلَا اعْتِبَارَ بِشَهَادَتِهِمْ ، وَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالزِّنَا .




[ سـ :3315 ... بـ :1701]
وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ وَرَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ وَامْرَأَتَهُ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَامْرَأَةً

قَوْلُهُ : ( رَجَمَ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ وَامْرَأَتَهُ ) أَيْ صَاحِبَتُهُ الَّتِي زَنَى بِهَا وَلَمْ يُرِدْ زَوْجَتَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَامْرَأَةً ) .




[ سـ :3317 ... بـ :1703]
وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ ابْنَ إِسْحَقَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَلْدِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ لِيَبِعْهَا فِي الرَّابِعَةِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا التَّثْرِيبُ : التَّوْبِيخُ وَاللَّوْمُ عَلَى الذَّنْبِ ، وَمَعْنَى تَبَيَّنَ زِنَاهَا : تَحَقَّقَهُ إِمَّا بِالْبَيِّنَةِ وَإِمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ عِلْمٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ فِي الْحُدُودِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ . وَفِيهِ أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَائِفَةٍ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِلْجُمْهُورِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ لَا يُرْجَمَانِ ، سَوَاءٌ كَانَا مُزَوَّجَيْنِ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ ) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُزَوَّجَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُوَبَّخُ الزَّانِيَ ، بَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَطْ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ فِيهِ أَنَّ الزَّانِيَ إِذَا حُدَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا يَلْزَمُهُ حَدٌّ آخَرُ ، فَإِنْ زَنَى ثَالِثَةً لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ ، فَإِنْ حُدَّ ثُمَّ زَنَى لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ ، وَهَكَذَا أَبَدًا ، فَأَمَّا إِذَا زَنَى مَرَّاتٍ وَلَمْ يُحَدَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَيَكْفِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ . وَفِيهِ تَرْكُ مُخَالَطَةِ الْفُسَّاقِ وَأَهْلِ الْمَعَاصِي وَفِرَاقِهِمْ ، وَهَذَا الْبَيْعُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ : هُوَ وَاجِبٌ .

وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الشَّيْءِ النَّفِيسِ بِثَمَنٍ حَقِيرٍ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِهِ ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ فِيهِ خِلَافٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَذَا الْمَأْمُورُ بِهِ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهَا لِلْمُشْتَرِي ; لِأَنَّهُ عَيْبٌ ، وَالْإِخْبَارُ بِالْعَيْبِ وَاجِبٌ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكْرَهُ شَيْئًا وَيَرْتَضِيهِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ ؟ فَالْجَوَابُ : لَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يُعِفَّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَصُونَهَا بِهَيْبَتِهِ أَوْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهَا أَوْ يُزَوِّجُهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3318 ... بـ :1704]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ قَالَ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَالشَّكُّ فِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا فِي بَيْعِهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ

قَوْلُهُ : ( قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ : إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَطَبَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ . قَالَ الطَّحَاوِيُّ : وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ قَوْلَهُ : ( وَلَمْ يُحْصَنْ ) غَيْرُ مَالِكٍ ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى تَضْعِيفِهَا ، وَأَنْكَرَ الْحُفَّاظُ هَذَا عَلَى الطَّحَاوِيِّ ، قَالُوا : بَلْ رَوَى هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَيْضًا ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ ، فَحَصَلَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ صَحِيحَةٌ ، وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ مُخَالِفٌ ; لِأَنَّ الْأَمَةَ تُجْلَدُ نِصْفَ جَلْدِ الْحُرَّةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأَمَةُ مُحْصَنَةً بِالتَّزْوِيجِ أَمْ لَا . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ لَمْ يُحْصَنْ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ فِيهِ بَيَانُ مَنْ أُحْصِنَتْ فَحَصَلَ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُحْصَنَةَ بِالتَّزْوِيجِ وَغَيْرَ الْمُحْصَنَةِ تُجْلَدُ ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَخَطَبَ النَّاسَ بِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْحِكْمَةُ فِي التَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : فَإِذَا أُحْصِنَّ مَعَ أَنَّ عَلَيْهَا نِصْفَ جَلْدِ الْحُرَّةِ ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْأَمَةُ مُحْصَنَةً أَمْ لَا ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إِلَّا نِصْفُ جَلْدِ الْحُرَّةِ ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْتَصِفُ ، وَأَمَّا الرَّجْمُ فَلَا يَنْتَصِفُ ، فَلَيْسَ مُرَادًا فِي الْآيَةِ بِلَا شَكٍّ فَلَيْسَ لِلْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ الْمَوْطُوءَةِ فِي النِّكَاحِ حُكْمُ الْحُرَّةِ الْمَوْطُوءَةِ فِي النِّكَاحِ ، فَبَيَّنَتِ الْآيَةُ هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ تُرْجَمُ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُرْجَمُ ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُزَوَّجَةِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَلَيْهَا نِصْفَ جَلْدِ الْمُزَوَّجَةِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْهَا حَدِيثُ مَالِكٍ هَذَا ، وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا " وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُزَوَّجَةَ وَغَيْرَهَا . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ نِصْفِ الْجَلْدِ عَلَى الْأَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُزَوَّجَةً أَمْ لَا ، هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ : لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً مِنَ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ ; مِمَّنْ قَالَهُابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ .