فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ قَدْرِ أَسْوَاطِ التَّعْزِيرِ

باب قَدْرِ أَسْوَاطِ التَّعْزِيرِ
[ سـ :3324 ... بـ :1708]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إِذْ جَاءَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ فَحَدَّثَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ فَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ضَبَطُوا ( يَجْلِدُ ) بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ اللَّامِ ، وَالثَّانِي بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّعْزِيرِ هَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ أَمْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّحَاوِيُّ : لَا ضَبْطَ لِعَدَدِ الضَّرَبَاتِ ، بَلْ ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الْحُدُودِ ، قَالُوا : لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَ مَنْ نَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ مِائَةً ، وَضَرَبَ صَبِيًّا أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعَنْ عُمَرَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ثَمَانِينَ ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رِوَايَةٌ أُخْرَى هُوَ دُونَ الْمِائَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ أَبِي يَحْيَى : لَا يَضْرِبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْأَدَبِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ : لَا يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ أَدْنَى حُدُودِهِ ، فَلَا يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِ الْعَبْدِ عِشْرِينَ ، وَلَا بِتَعْزِيرِ الْحُرِّ أَرْبَعِينَ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا يَبْلُغُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَبْلُغُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرِينَ ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جَاوَزُوا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ ، وَتَأَوَّلَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِي الْجَانِيَ مِنْهُمْ هَذَا الْقَدْرَ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ : ( أَخْبَرَنِي عَمْرٌو - يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : تَابَعَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ وَخَالَفَهُمَا اللَّيْثُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَابْنُ لَهِيعَةَ فَرَوَوْهُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ لَمْ يَذْكُرُوا عَنْ أَبِيهِ ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ : الْقَوْلُ قَوْلُ اللَّيْثِ وَمَنْ تَابَعَهُ عَنْ بُكَيْرٍ ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ : قَوْلُ عَمْرٍو صَحِيحٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .