فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ حَلْبِ الْمَاشِيَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا

باب تَحْرِيمِ حَلْبِ الْمَاشِيَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا
[ سـ :3356 ... بـ :1726]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ إِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ جَمِيعًا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا فَيُنْتَثَلَ إِلَّا اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ كَرِوَايَةِ مَالِكٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلُ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَفِي رِوَايَاتٍ ( فَيُنْتَثَلَ ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ بَدَلَ الْقَافِ ، وَمَعْنَى ( يُنْتَثَلُ ) يُنْثَرُ كُلُّهُ وَيُرْمَى . ( الْمَشْرُبَةُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفِي الرَّاءِ لُغَتَانِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ ، وَهِيَ كَالْغُرْفَةِ يُخْزَنُ فِيهَا الطَّعَامُ وَغَيْرُهُ .

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ بِالطَّعَامِ الْمَخْزُونِ الْمَحْفُوظِ فِي الْخِزَانَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ .

وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا : تَحْرِيمُ أَخْذِ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَالْأَكْلِ مِنْهُ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّبَنِ وَغَيْرِهِ ، وَسَوَاءٌ الْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ ، إِلَّا الْمُضْطَرَّ الَّذِي لَا يَجِدُ مَيْتَةً ، وَيَجِدُ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فَيَأْكُلُ الطَّعَامَ لِلضَّرُورَةِ ، وَيَلْزَمُهُ بَدَلُهُ لِمَالِكِهِ عِنْدنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ : لَا يَلْزَمُهُ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، فَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا لِغَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ ، وَفِي مَذْهَبِنَا الْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ ، أَمَّا غَيْرُ الْمُضْطَرِّ إِذَا كَانَ لَهُ إِدْلَالٌ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ نَفْسَهُ تَطِيبُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَهُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذَا مَرَّاتٍ . وَأَمَّا شُرْبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا قَاصِدَانِ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ لَبَنِ غَنَمِ الرَّاعِي فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ وَجْهِهِ ، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا شَرِبَاهُ إِدْلَالًا عَلَى صَاحِبِهِ ، لِأَنَّهُمَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ ، أَوْ أَنَّهُ أُذِنَ لِلرَّاعِي أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَنْ مَرَّ بِهِ ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ عَرَّفَهُمْ إِبَاحَةَ ذَلِكَ ، أَوْ أَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا : إِثْبَاتُ الْقِيَاسِ وَالتَّمْثِيلِ فِي الْمَسَائِلِ . وَفِيهِ أَنَّ اللَّبَنَ يُسَمَّى طَعَامًا فَيَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ طَعَامًا إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ تُخْرِجُ اللَّبَنَ .

وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ لَبَنِ الشَّاةِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بَاطِلٌ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ ، وَجَوَّزَهُ الْأَوْزَاعِيُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .