فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ قِتَالِ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ ، وَجَوَازِ إِنْزَالِ أَهْلِ الْحِصْنِ

باب جَوَازِ قِتَالِ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَجَوَازِ إِنْزَالِ أَهْلِ الْحِصْنِ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ عَدْلٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ
[ سـ :3417 ... بـ :1768]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ قَالَ تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذُرِّيَّتَهُمْ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُثَنَّى وَرُبَّمَا قَالَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَقَالَ مَرَّةً لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ

قَوْلُهُ : ( نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ) فِيهِ جَوَازُ التَّحْكِيمِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مُهِمَّاتِهِمُ الْعِظَامِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا الْخَوَارِجُ ، فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى عَلِيٍّ التَّحْكِيمَ ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ .

وَفِيهِ جَوَازُ مُصَالَحَةِ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ صَالِحٍ لِلْحُكْمِ أَمِينٍ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ ، وَعَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، وإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ لَزِمَ حُكْمُهُ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَلَا لَهُمُ الرُّجُوعُ عَنْهُ ، وَلَهُمُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْحُكْمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قَالَ بَعْضُهُمْ : قَوْلُهُ ( دَنَا مِنَ الْمَسْجِدِ ) كَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ ، وَأَرَاهُ وَهْمًا إِنْ كَانَ أَرَادَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ جَاءَ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ نَازِلًا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَمِنْ هُنَاكَ أَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ لِيَأْتِيَهُ . فَإِنْ كَانَ الرَّاوِي أَرَادَ مَسْجِدًا اخْتَطَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ ، لَمْ يَكُنْ وَهَمًا ، قَالَ : وَالصَّحِيحُ مَا جَاءَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : فَلَمَّا دَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَسْجِدَ تَصْحِيفٌ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ ) فِيهِ إِكْرَامُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَتَلَقِّيهِمْ بِالْقِيَامِ لَهُمْ إِذَا أَقْبَلُوا ، هَكَذَا احْتَجَّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لِاسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ يَقُومُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ ، وَيَمْثُلُونَ قِيَامًا طُولَ جُلُوسِهِ ، قُلْتُ : الْقِيَامُ لِلْقَادِمِ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ مُسْتَحَبٌّ ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ صَرِيحٌ ، وَقَدْ جَمَعْتُ كُلَّ ذَلِكَ مَعَ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي جُزْءٍ وَأَجَبْتُ فِيهِ عَمَّا تَوَهَّمَ النَّهْيَ عَنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ عَنَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : ( قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ ) هَلْ هُمُ الْأَنْصَارُ خَاصَّةً ، أَمْ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَعَهُمْ ؟ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ : ( إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( قَالَ : فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ ) قَالَ الْقَاضِي : يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضُوا بِرَدِّ الْحُكْمِ إِلَى سَعْدٍ ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ ، قَالَ : وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْأَوْسَ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَفْوَ عَنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا حُلَفَاءَهُمْ ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَعْنِي مِنَ الْأَوْسِ - يُرْضِيهِمْ بِذَلِكَ - فَرَضُوا بِهِ فَرَدَّهُ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَوْسِيِّ .

قَوْلُهُ : ( وَسَبْيِ ذُرِّيَّتِهِمْ ) سَبَقَ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مَعًا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ ( الْمَلِكُ ) بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَتُؤَيِّدُهَا الرِّوَايَاتُ الَّتِي قَالَ فِيهَا : ( لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ ) قَالَ الْقَاضِي : رُوِّينَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِكَسْرِ اللَّامِ بِغَيْرِ خِلَافٍ . قَالَ : وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا ، فَإِنْ صَحَّ الْفَتْحُ فَالْمُرَادُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَقْدِيرُهُ بِالْحُكْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى .




[ سـ :3418 ... بـ :1769]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ نُمَيْرٍ قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ فَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ فَقَالَ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ قَالَ أَبِي فَأَخْبَرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

قَوْلُهُ : ( رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ ) هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ ، قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هِيَ أُمُّهُ ، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ : اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ حِبَّانُ ـ بِكَسْرِ الْحَاءِ ـ بْنُ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ، قَالَ : وَاسْمُ . الْعَرِقَةِ : قِلَابَةُ ـ بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ـ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ ، وَسُمِّيَتْ بِالْعَرِقَةِ لِطِيبِ رِيحِهَا ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ فَاطِمَةَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هُوَ عِرْقٌ مَعْرُوفٌ ، قَالَ الْخَلِيلُ : إِذَا قُطِعَ فِي الْيَدِ لَمْ يُرْقَأِ الدَّمُ ، وَهُوَ عِرْقُ الْحَيَاةِ ، فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ لَهَا اسْمٌ .

قَوْلُهُ : ( فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ ) فِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَجَوَازُ مُكْثِ مَكَانِ الْمَرِيضِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ جَرِيحًا .




[ سـ :3419 ... بـ :1769]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ وَتَحَجَّرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي أُجَاهِدْهُمْ فِيكَ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا وَالدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغِذُّ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَانْفَجَرَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَمَا زَالَ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الشَّاعِرُ
أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ فَمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ لَعَمْرُكَ إِنَّ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ
غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ فِيهَا
وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ وَقَدْ قَالَ الْكَرِيمُ أَبُو حُبَابٍ
أَقِيمُوا قَيْنُقَاعُ وَلَا تَسِيرُوا وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالًا
كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيْطَانَ الصُّخُورُ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ سَعْدًا تَحَجَّرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ ) الْكَلْمُ : بِفَتْحِ الْكَافِ : الْجُرْحُ ، وَتَحَجَّرَ أَيْ يَبِسَ

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا ) هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ تَمَنَّاهُ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ، وَهَذَا إِنَّمَا تَمَنَّى انْفِجَارَهَا لِيَكُونَ شَهِيدًا .

قَوْلُهُ : ( فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ ( لَبَّتِهِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ، وَهِيَ النَّحْرُ ، وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ ( مِنْ لِيتِهِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٌ ، و ( اللِّيتُ ) صَفْحَةُ الْعُنُقِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( مِنْ لَيْلَتِهِ ) قَالَ الْقَاضِي : قَالُوا : وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمْ يَرُعْهُمْ ) أَيْ : لَمْ يَفْجَأْهُمْ وَيَأْتِهِمْ بَغْتَةً .

قَوْلُهُ : ( فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغِذُّ دَمًا ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ ( يَغِذُّ ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( يَغْذُ ) بِإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَمَعْنَاهُ : يَسِيلُ ، يُقَالُ : غَذَّ الْجُرْحُ يَغِذُّ إِذَا دَامَ سَيَلَانُهُ ، وَغَذَا يَغْذُو سَالَ ، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَمَا زَالَ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ ) .

قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ :


أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ فَمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ
هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ ، وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ الْمُعْظَمِ ، وَفِي بَعْضِهَا : ( لِمَا فَعَلَتْ ) بِاللَّامِ بَدَلَ الْفَاءِ وَقَالَ : وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْمَعْرُوفُ فِي السِّيَرِ .

قَوْلُهُ :


تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ فِيهَا وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ
هَذَا مَثَلٌ لِعَدَمِ النَّاصِرِ ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : ( تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ ) الْأَوْسَ لِقِلَّةِ حُلَفَائِهِمْ ، فَإِنَّ حُلَفَاءَهُمْ قُرَيْظَةُ ، وَقَدْ قُتِلُوا ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : ( وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ ) الْخَزْرَجَ لِشَفَاعَتِهِمْ فِي حُلَفَائِهِمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ حَتَّى مَنَّ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ، وَهُوَ أَبُو حُبَابٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ .

قَوْلُهُ : ( كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيْطَانَ الصُّخُورُ ) هُوَ اسْمُ جَبَلٍ مِنْ أَرْضِ أَجَازَ فِي دِيَارِ بَنِي مُزَيْنَةَ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ هُوَ بِكَسْرِهَا وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ نُونٌ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ( بِمَيْطَارٍ ) بِالرَّاءِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ ( بِحَيْطَانَ ) بِالْحَاءِ مَكَانَ الْمِيمِ ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ، قَالَ : وَإِنَّمَا قَصَدَ هَذَا الشَّاعِرُ تَحْرِيضَ سَعْدٍ عَلَى اسْتِبْقَاءِ بَنِي قُرَيْظَةَ حُلَفَائِهِ ، وَيَلُومُهُ عَلَى حُكْمِهِ فِيهِمْ ، وَيُذَكِّرُهُ بِفِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، وَيَمْدَحُهُ بِشَفَاعَتِهِ فِي حُلَفَائِهِمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ .