فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ يَدْعُوهُ إِلَى

باب كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ
[ سـ :3425 ... بـ :1773]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ قَالَ ابْنُ رَافِعٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيهِ قَالَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ يَعْنِي عَظِيمَ الرُّومِ قَالَ وَكَانَ دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ وَمَنْ يَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قَالَ قُلْتُ لَا بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قَالَ قُلْتُ تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ فَقُلْتَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهُ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَدْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمْ الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ قَالَ إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغْطُ وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ قَالَ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ وَحَدَّثَنَاه حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَالَ إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ وَقَالَ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ

قَوْلُهُ : ( هِرَقْلَ ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَيُقَالُ : هِرْقِلُ ، بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ ، وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ ، وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ يُقَالُ لَهُ : قَيْصَرُ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي سُفْيَانَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يَعْنِي الصُّلْحَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ .

قَوْلُهُ : ( دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحَةِ مِنْهُمَا ، وَادَّعَى ابْنُ السِّكِّيتِ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ .

قَوْلُهُ : ( عَظِيمُ بُصْرَى ) هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهِيَ مَدِينَةُ حُورَانَ ، ذَاتُ قَلْعَةٍ وَأَعْمَالٍ قَرِيبَةٌ مِنْ طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّامِ وَالْحِجَازِ ، وَالْمُرَادُ بِعَظِيمِ بُصْرَى أَمِيرُهَا .

قَوْلُهُ عَنْ هِرَقْلَ : ( إنَّهُ سَأَلَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْأَلَهُ عَنْهُ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنَّمَا سَأَلَ قَرِيبَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ ، وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي نَسَبِهِ وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : إِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ أَيْ لَا تَسْتَحْيُوا مِنْهُ فَتَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ .

قَوْلُهُ : ( وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ أَهْوَنَ فِي تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ ، لِأَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِالْكَذِبِ فِي وَجْهِهِ صَعْبَةٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ .

قَوْلُهُ : ( دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ، وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ أُخْرَى ، وَالتَّاءُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ ، وَأَنْكَرُوا عَلَى الْجَوْهَرِيِّ كَوْنَهُ جَعَلَهَا زَائِدَةً .

قَوْلُهُ : ( لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ ) مَعْنَاهُ : لَوْلَا خِفْتُ أَنَّ رُفْقَتِي يَنْقُلُونَ عَنِّي الْكَذِبَ إِلَى قَوْمِي وَيَتَحَدَّثُونَهُ فِي بِلَادِي لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ لِبُغْضِي إِيَّاهُ ، وَمَحَبَّتِي نَقْصَهُ ، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْكَذِبَ قَبِيحٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا هُوَ قَبِيحٌ فِي الْإِسْلَامِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : " لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثُرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ " وَهُوَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا .

وَقَوْلُهُ : ( كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ ) أَيْ نَسَبُهُ .

قَوْلُهُ : ( فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ ؟ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ . وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " فَهَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مِنْ مَالِكٍ " وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : ( مِنْ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَ ( مَلِكٍ ) بِفَتْحِهَا مَعَ كَسْرِ اللَّامِ ، وَالثَّانِي : ( مَنْ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَ ( مَلَكَ ) بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ ، وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ ( مِنْ ) .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ يَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ ) يَعْنِي بِأَشْرَافِهِمْ كِبَارَهُمْ وَأَهْلَ الْأَحْسَابِ فِيهِمْ .

قَوْلُهُ : ( سَخْطَةً لَهُ ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ ، وَالسَّخَطُ كَرَاهَةُ الشَّيْءِ وَعَدَمُ الرِّضَا بِهِ .

قَوْلُهُ : ( يَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ نُوَبًا ، نَوْبَةٌ لَنَا وَنَوْبَةٌ لَهُ ، قَالُوا : وَأَصْلُهُ مِنَ الْمُسْتَقِيِينَ بِالسَّجْلِ ، وَهِيَ الدَّلْوُ الْمَلْأَى ، يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَجْلٌ .

قَوْلُهُ : ( فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ ، وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ .

قَوْلُهُ : ( وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا ؟ ) يَعْنِي مُدَّةَ الْهُدْنَةِ وَالصُّلْحِ الَّذِي جَرَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا ) يَعْنِي فِي أَفْضَلِ أَنْسَابِهِمْ وَأَشْرَفِهَا ، قِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ انْتِحَالِهِ الْبَاطِلَ ، وَأَقْرَبُ إِلَى انْقِيَادِ النَّاسِ لَهُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( إنَّ الضُّعَفَاءَ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ) فَلِكَوْنِ الْأَشْرَافِ يَأْنَفُونَ مِنْ تَقَدُّمِ مِثْلِهِمْ عَلَيْهِمْ ، وَالضُّعَفَاءُ لَا يَأْنَفُونَ ، فَيُسْرِعُونَ إِلَى الِانْقِيَادِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ ، وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنِ الرِّدَّةِ ، فَلِأَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي أَمْرٍ مُحَقَّقٍ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ فِي أَبَاطِيلَ .

وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنِ الْغَدْرِ فَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَ حَظَّ الدُّنْيَا لَا يُبَالِي بِالْغَدْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى ذَلِكَ ، وَمَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ لَمْ يَرْتَكِبْ غَدْرًا وَلَا غَيْرَهُ مِنَ الْقَبَائِحِ .

قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ ) يَعْنِي انْشِرَاحَ الصُّدُورِ ، وَأَصْلُهُ اللُّطْفُ بِالْإِنْسَانِ عِنْدَ قُدُومِهِ ، وَإِظْهَارُ السُّرُورِ بِرُؤْيَتِهِ ، يُقَالُ : بَشَّ بِهِ وَتَبَشْبَشَ .

قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ ) مَعْنَاهُ : يَبْتَلِيهِمُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُمْ بِكَثْرَةِ صَبْرِهِمْ وَبَذْلِهِمْ وُسْعَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى .

قَوْلُهُ : ( قُلْتُ : يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ ) أَمَّا الصِّلَةُ : فَصِلَةُ الْأَرْحَامِ ، وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ، وَذَلِكَ بِالْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَحُسْنِ الْمُرَاعَاةِ . وَأَمَّا الْعَفَافُ : الْكَفُّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : الْعِفَّةُ : الْكَفُّ عَمَّا لَا يَحِلُّ وَلَا يُحْمَلُ ، يُقَالُ : عَفَّ يَعِفُّ يعِفَّهُ وَعَفَافًا وَعَفَافَةً ، وَتَعَفَّفَ وَاسْتَعَفَّ ، وَرَجُلٌ عَفٌّ وَعَفِيفٌ . وَالْأُنْثَى عَفِيفَةٌ ، وَجَمْعُ الْعَفِيفِ : أَعِفَّةٌ وَأَعِفَّاءُ .

قَوْلُهُ : ( إِنْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقًّا إِنَّهُ نَبِيٌّ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا الَّذِي قَالَهُ هِرَقْلُ أَخَذَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ ، فَفِي التَّوْرَاةِ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ عَلَامَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَرَفَهُ بِالْعَلَامَاتِ ، وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى النُّبُوَّةِ فَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَةِ ، فَهَكَذَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ " لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ " وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى ، وَمَعْنَاهُ : لَتَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَارْتَكَبْتُ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ أُقْتَطَعَ دُونَهُ . وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذَا ; لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ صِدْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا شَحَّ فِي الْمُلْكِ ، وَرَغِبَ فِي الرِّيَاسَةِ ، فَآثَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَمَا زَالَتْ عَنْهُ الرِّيَاسَةُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَوْفِيقَهُ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ ، وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْآيَةَ .

فِي هَذَا الْكِتَابِ جُمَلٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ ، وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْفَوَائِدِ :

مِنْهَا : دُعَاءُ الْكُفَّارِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ قِتَالِهِمْ ، وَهَذَا الدُّعَاءُ وَاجِبٌ ، وَالْقِتَالُ قَبْلَهُ حَرَامٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ فَالدُّعَاءُ مُسْتَحَبٌّ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ .

وَمِنْهَا : وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ فِي بَعْثِهِ مَعَ دِحْيَةَ فَائِدَةٌ ، وَهَذَا إِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ .

وَمِنْهَا : اسْتِحْبَابُ تَصْدِيرِ الْكِتَابِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِ كَافِرًا .

وَمِنْهَا : أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ . الْمُرَادُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ : " بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " وَهَذَا الْكِتَابُ كَانَ ذَا بَالٍ ، بَلْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ ، وَبَدَأَ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ دُونَ الْحَمْدِ .

وَمِنْهَا : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا ، وَأَنْ يَبْعَثَ بِذَلِكَ إِلَى الْكُفَّارِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْمُسَافَرَةِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ أَيْ بِكُلِّهِ أَوْ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ ، وَذَلِكَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ .

وَمِنْهَا : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ وَالْكَافِرِ مَسُّ آيَةٍ أَوْ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ مَعَ غَيْرِ الْقُرْآنِ .

وَمِنْهَا : أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالرَّسَائِلِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَبْدَأَ الْكَاتِبُ بِنَفْسِهِ فَيَقُولُ : مِنْ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ " صِنَاعَةُ الْكِتَابِ " : قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، ثُمَّ رَوَى فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا ، قَالَ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، قَالَ : وَسَوَاءٌ فِي هَذَا تَصْدِيرُ الْكِتَابِ وَالْعُنْوَانِ ، قَالَ : وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ فِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولَ فِي التَّصْدِيرِ وَالْعُنْوَانِ : إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَدَأَ بِاسْمِ مُعَاوِيَةَ ، وَعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، قَالَ : وَأَمَّا الْعُنْوَانُ فَالصَّوَابُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ إِلَى فُلَانٍ ، وَلَا يَكْتُبَ لِفُلَانٍ ; لِأَنَّهُ إِلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا عَلَى مَجَازٍ ، قَالَ : هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .

وَمِنْهَا التَّوَقِّي فِي الْمُكَاتَبَةِ ، وَاسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ فِيهَا ، فَلَا يُفْرِطُ وَلَا يُفَرِّطُ ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ " فَلَمْ يَقُلْ : مَلِكِ الرُّومِ ، لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ إِلَّا بِحُكْمِ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا سُلْطَانَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِمَنْ وَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ وَلَّاهُ مَنْ أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْطٍ ، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْكُفَّارِ مَا تُنْفِذُهُ الضَّرُورَةُ ، وَلَمْ يَقُلْ : إِلَى هِرَقْلَ فَقَطْ ، بَلْ أَتَى بِنَوْعٍ مِنَ الْمُلَاطَفَةِ فَقَالَ : " عَظِيمِ الرُّومِ " أَيِ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ وَيُقَدِّمُونَهُ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ لِمَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَقَالَ تَعَالَى : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا وَغَيْرَ ذَلِكَ .

وَمِنْهَا : اسْتِحْبَابُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ وَتَحَرِّي الْأَلْفَاظِ الْجَزْلَةِ فِي الْمُكَاتَبَةِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَسْلِمْ تَسْلَمْ ) فِي نِهَايَةٍ مِنَ الِاخْتِصَارِ ، وَغَايَةٍ مِنَ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ وَجَمْعِ الْمَعَانِي ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَدِيعِ التَّجْنِيسِ وَشُمُولِهِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا بِالْحَرْبِ وَالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ ، وَأَخْذِ الدِّيَارِ وَالْأَمْوَالِ ، وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ .

وَمِنْهَا : أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَا ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ " ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ : مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " الْحَدِيثُ .

وَمِنْهَا : الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ مَنْ كَانَ سَبَبًا لِضَلَالَةٍ أَوْ سَبَبَ مَنْعٍ مِنْ هِدَايَةٍ كَانَ آثِمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ ) وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ .

وَمِنْهَا : اسْتِحْبَابُ ( أَمَّا بَعْدُ ) فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لِهَذِهِ بَابًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي مُسْلِمٍ ( الْأَرِيسِيِّينَ ) وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَفِي كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَعَلَى هَذَا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا بِيَاءَيْنِ بَعْدَ السِّينِ ، وَالثَّانِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ السِّينِ ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةٌ وَالرَّاءُ مَكْسُورَةٌ مُخَفَّفَةٌ ، وَالثَّالِثُ : الْإِرِّيسِينَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِيَاءٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ السِّينِ ، وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي مُسْلِمٍ وَفِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ( إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ ) بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَبِيَاءَيْنِ بَعْدَ السِّينِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ : أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا : أَنَّهُمُ الْأَكَّارُونَ أَيِ الْفَلَّاحُونَ وَالزَّرَّاعُونَ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ رَعَايَاكَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَكَ وَيَنْقَادُونَ بِانْقِيَادِكَ ، وَنَبَّهَ بِهَؤُلَاءِ عَلَى جَمِيعِ الرَّعَايَا لِأَنَّهُمُ الْأَغْلَبُ ، وَلِأَنَّهُمْ أَسْرَعُ انْقِيَادًا ، فَإِذَا أَسْلَمَ أَسْلَمُوا ، وَإِذَا امْتَنَعَ امْتَنَعُوا ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ ، وَفِي غَيْرِهِ : ( فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ ) وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ " وَإِلَّا فَلَا يَحُلْ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ : ( وَإِثْمُهُمْ عَلَيْكَ ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَلَّاحِينَ الزَّرَّاعِينَ خَاصَّةً ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِمْ جَمِيعُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ ، الثَّانِي أَنَّهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَهُمْ أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرِيسٍ ، الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْأَرُوسِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى ، وَلَهُمْ مَقَالَةٌ فِي كُتُبِ الْمَقَالَاتِ ، وَيُقَالُ لَهُمْ : الْأَرُوسِيَّونَ . الثَّالِثُ : أَنَّهُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ يَقُودُونَ النَّاسَ إِلَى الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ بِدَعْوَتِهِ ، وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا : ( أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْأُولَى ، وَمَعْنَاهَا : الْكَلِمَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ( دَاعِيَةٌ ) هُنَا بِمَعْنَى دَعْوَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ أَيْ كَشْفٌ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ : لَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِالسَّلَامِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ كَافِرًا بِالسَّلَامِ ، وَأَجَازَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ ، وَهَذَا مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ، وَسَتَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ لِاسْتِئْلَافٍ أَوْ لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَكَثُرَ اللَّغَطُ ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِهَا وَهِيَ الْأَصْوَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ .

قَوْلُهُ : ( لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ) أَمَّا ( أَمِرَ ) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ عَظُمَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ) فَقِيلَ : هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ كَانَ يَعْبُدُ الشِّعْرَى ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي عِبَادَتِهَا فَشَبَّهُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا خَالَفَهُمْ أَبُو كَبْشَةَ . رُوِّينَا عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ قَالَ : لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ عَيْبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ مُجَرَّدَ التَّشْبِيهِ ، وَقِيلَ : إِنَّ أَبَا كَبْشَةَ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَكَثِيرُونَ : وَقِيلَ : هُوَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السَّعْدِيُّ ، حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَآخَرُونَ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قَالَ أَبُو الْحَسَنُ الْجُرْجَانِيُّ : التَّشَابُهُ إِنَّمَا قَالُوا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ عَدَاوَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسَبُوهُ إِلَى نَسَبٍ لَهُ غَيْرِ نَسَبِهِ الْمَشْهُورِ ، إِذْ لَمْ يُمْكِنُهُمُ الطَّعْنُ فِي نَسَبِهِ الْمَعْلُومِ الْمَشْهُورِ ، قَالَ : وَقَدْ كَانَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ جَدُّهُ أَبُو آمِنَةَ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ ، وَكَذَلِكَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسَدٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ أَبُو سَلْمَى أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ يُدْعَى أَبَا كَبْشَةَ ، قَالَ : وَكَانَ فِي أَجْدَادِهِ أَيْضًا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَبُو كَبْشَةَ ، وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةِ أُمِّ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبِي آمِنَةَ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ خُزَاعِيٌّ ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْبُدُ الشِّعْرَى ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ يُدْعَى أَبَا كَبْشَةَ ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السَّعْدِيُّ ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ مِثْلَ هَذَا كُلِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَغْدَادِيُّ ، وَزَادَ ابْنُ مَاكُولَا فَقَالَ : وَقِيلَ : أَبُو كَبْشَةَ عَمُّ وَالِدِ حَلِيمَةَ مُرْضِعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ ) بَنُو الْأَصْفَرِ هُمُ الرُّومُ ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّ جَيْشًا مِنَ الْحَبَشَةِ غَلَبَ عَلَى بِلَادِهِمْ فِي وَقْتٍ ، فَوَطِئَ نِسَاءَهُمْ فَوَلَدْنَ أَوْلَادًا صُفْرًا مِنْ سَوَادِ الْحَبَشَةِ وَبَيَاضِ الرُّومِ ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيُّ : نُسِبُوا إِلَى الْأَصْفَرِ بْنِ الرُّومِ بْنِ عِيصُو بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ الْقَاضِي : هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ .

قَوْلُهُ : ( مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ ) أَمَّا ( حِمْصُ ) فَغَيْرُ مَصْرُوفَةٍ ; لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ عَلَمٌ عَجَمِيَّةٌ ، وَأَمَّا إِيلِيَا فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَشْهَرُهَا : إِيلِيَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ بَيْنَهُمَا وَبِالْمَدِّ .

وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا بِالْقَصْرِ .

وَالثَّالِثَةُ : إِلْيَاءُ بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ ، حَكَاهُنَّ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَآخَرُونَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي سَنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( الْإِيلِيَاءُ ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : قِيلَ : مَعْنَاهُ : بَيْتُ اللَّهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ ) فَمَعْنَاهُ : شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنَالَهُ إِيَّاهُ ، وَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .