فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ

باب الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ
[ سـ :3445 ... بـ :1787]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ

قَوْلُهُ : ( عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ : خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٍ ) إِلَى آخِرِهِ ، وَ ( حُسَيْلٌ ) بِحَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ سِينٍ مَفْتُوحَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ يَاءٍ ثُمَّ لَامٍ ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا : ( حِسْلٌ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ ، وَهُوَ وَالِدُ حُذَيْفَةَ ، وَالْيَمَانُ لَقَبٌ لَهُ ، وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ الْيَمَانِ بِالنُّونِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ بَعْدَهَا ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَالصَّحِيحُ : الْيَمَانِيُّ بِالْيَاءِ ، وَكَذَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي ، وَشَدَّادُ بْنُ الْهَادِي ، وَالْمَشْهُورُ لِلْمُحَدِّثِينَ حَذْفُ الْيَاءِ ، وَالصَّحِيحُ إِثْبَاتُهَا .

قَوْلُهُ : ( فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَقَالُوا : إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا ، قُلْنَا : مَا نُرِيدُهُ ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا عَلَيْنَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ : انْصَرِفَا نَفْي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ )

فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ ، وَإِذَا أَمْكَنَ التَّعْرِيضُ فِي الْحَرْبِ فَهُوَ أَوْلَى ، وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ ، وَفِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَكَذِبُ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ .

وَفِيهِ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَسِيرِ يُعَاهِدُ الْكُفَّارَ أَلَّا يَهْرَبَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ : لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ، بَلْ مَتَى أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ هَرَبَ ، وَقَالَ مَالِكٌ : يَلْزَمُهُ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهُوهُ فَحَلَفَ لَا يَهْرَبُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ . وَأَمَّا قَضِيَّةُ حُذَيْفَةَ وَأَبِيهِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ اسْتَحْلَفُوهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ ، فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ ، وَهَذَا لَيْسَ لِلْإِيجَابِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِتَرْكِ الْجِهَادِ مَعَ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ ، وَلَكِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَشِيعَ عَنْ أَصْحَابِهِ نَقْضُ الْعَهْدِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُشِيعَ عَلَيْهِمْ لَا يَذْكُرُ تَأْوِيلًا .