فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ

باب غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ
[ سـ :3446 ... بـ :1788]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ قَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ قُمْ يَا نَوْمَانُ

قَوْلُهُ : ( كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ : لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ مَا قَالَ ) مَعْنَاهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَالَغَ فِي نُصْرَتِهِ ، وَلَزَادَ عَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِهِ فِي لَيْلَةِ الْأَحْزَابِ ، وَقَصَدَ زَجْرَهُ عَنْ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ ، وَهُوَ : الْبَرْدُ .

وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا : ( قُرِرْتُ ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ، أَيْ : بَرَدْتُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ : لَا تُفَزِّعْهُمْ عَلَيَّ وَلَا تُحَرِّكْهُمْ عَلَيَّ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ : لَا تُنَفِّرْهُمْ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَالْمُرَادُ : لَا تُحَرِّكْهُمْ عَلَيْكَ فَإِنَّهُمْ إِنْ أَخَذُوكَ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيَّ لِأَنَّكَ رَسُولِي وَصَاحِبِي .

وَقَوْلُهُ : ( فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ ) يَعْنِي : أَنَّهُ لَمْ يَجِدِ الْبَرْدَ الَّذِي يَجِدُهُ النَّاسُ . وَلَا مِنْ تِلْكَ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ شَيْئًا ; بَلْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْهُ بِبَرَكَةِ إِجَابَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَهَابِهِ فِيمَا وَجَّهَهُ لَهُ ، وَدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ اللُّطْفُ بِهِ وَمُعَافَاتُهُ مِنَ الْبَرْدِ حَتَّى عَادَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَجَعَ وَوَصَلَ عَادَ إِلَيْهِ الْبَرْدُ الَّذِي يَجِدُهُ النَّاسُ ، وَهَذِهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَفْظَةُ الْحَمَّامِ عَرَبِيَّةٌ ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمِيمِ ، وَهُوَ : الْمَاءُ الْحَارُّ .

قَوْلُهُ : ( فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ أَيْ : يُدْفِئُهُ وَيُدْنِيهِ مِنْهَا ، وَهُوَ الصَّلَا بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْقَصْرِ ، وَالصِّلَاءُ بِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ .

قَوْلُهُ : ( كَبِدِ الْقَوْسِ ) هُوَ : مِقْبَضُهَا ، وَكَبِدُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ .

قَوْلُهُ : ( فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا ) الْعَبَاءَةُ بِالْمَدِّ ، وَالْعَبَايَةُ بِزِيَادَةِ يَاءٍ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ .

وَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الصُّوفِ ، وَهُوَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ ، وَسَوَاءٌ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَفِيهِ . وَلَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ . قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا : وَقَالَتِ الشِّيعَةُ : لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الصُّوفِ ، وَتَجُوزُ فِيهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ : قُمْ يَا نَوْمَانُ ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ كَثِيرُ النَّوْمِ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي النِّدَاءِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ هُنَا .

وَقَوْلُهُ : ( أَصْبَحْتُ ) أَيْ : طَلَعَ الْفَجْرُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ بَعْثُ الْجَوَاسِيسِ وَالطَّلَائِعِ لِكَشْفِ خَبَرِ الْعَدُوِّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .