فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ طَاغُوتِ الْيَهُودِ

باب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ طَاغُوتِ الْيَهُودِ
[ سـ :3463 ... بـ :1801]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ الزُّهْرِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِلزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ ائْذَنْ لِي فَلْأَقُلْ قَالَ قُلْ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ وَذَكَرَ مَا بَيْنَهُمَا وَقَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَرَادَ صَدَقَةً وَقَدْ عَنَّانَا فَلَمَّا سَمِعَهُ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ الْآنَ وَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ قَالَ وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ تُسْلِفَنِي سَلَفًا قَالَ فَمَا تَرْهَنُنِي قَالَ مَا تُرِيدُ قَالَ تَرْهَنُنِي نِسَاءَكُمْ قَالَ أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ أَنَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا قَالَ لَهُ تَرْهَنُونِي أَوْلَادَكُمْ قَالَ يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا فَيُقَالُ رُهِنَ فِي وَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ يَعْنِي السِّلَاحَ قَالَ فَنَعَمْ وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ وَأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ فَجَاءُوا فَدَعَوْهُ لَيْلًا فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ قَالَ إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ لَيْلًا لَأَجَابَ قَالَ مُحَمَّدٌ إِنِّي إِذَا جَاءَ فَسَوْفَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى رَأْسِهِ فَإِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَدُونَكُمْ قَالَ فَلَمَّا نَزَلَ نَزَلَ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ فَقَالُوا نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الطِّيبِ قَالَ نَعَمْ تَحْتِي فُلَانَةُ هِيَ أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ قَالَ فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ فَشُمَّ فَتَنَاوَلَ فَشَمَّ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَعُودَ قَالَ فَاسْتَمْكَنَ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ دُونَكُمْ قَالَ فَقَتَلُوهُ

ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِيهِ قِصَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَعَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ بِالْحِيلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ مُخَادَعَتِهِ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ ذَلِكَ وَجَوَابِهِ ، فَقَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ : إِنَّمَا قَتَلَهُ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ نَقَضَ عَهْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَجَاهُ وَسَبَّهُ ، وَكَانَ عَاهَدَهُ أَلَّا يُعِينَ عَلَيْهِ أَحَدًا ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُعِينًا عَلَيْهِ ، قَالَ : وَقَدْ أَشْكَلَ قَتْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى بَعْضِهِمْ ، وَلَمْ يَعْرِفِ الْجَوَابَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِأَمَانٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ ، وَإِنَّمَا كَلَّمَهُ فِي أَمْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَاشْتَكَى إِلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ عَهْدٌ وَلَا أَمَانٌ ، قَالَ : وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ قَتْلَهُ كَانَ غَدْرًا ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ إِنْسَانٌ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَضُرِبَ عُنُقُهُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَدْرُ بَعْدَ أَمَانٍ مَوْجُودٍ ، وَكَانَ كَعْبٌ قَدْ نَقَضَ عَهْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُؤَمِّنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرُفْقَتُهُ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَأْنَسَ بِهِمْ فَتَمَكَّنُوا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ وَلَا أَمَانٍ . وَأَمَّا تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِبَابِ الْفَتْكِ فِي الْحَرْبِ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَرْبُ ، بَلِ الْفَتْكُ هُوَ الْقَتْلُ عَلَى غِرَّةٍ وَغَفْلَةٍ ، وَالْغِيلَةُ نَحْوُهُ ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ اغْتِيَالِ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَبْيِيتِهِ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ إِلَى الْإِسْلَامِ .

قَوْلُهُ : ( ائْذَنْ لِي فَلْأَقُلْ ) مَعْنَاهُ : ائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ عَنِّي وَعَنْكَ مَا رَأَيْتُهُ مَصْلَحَةً مِنَ التَّعْرِيضِ ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّعْرِيضِ ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ بَاطِنُهُ صَحِيحٌ وَيَفْهَمُ مِنْهُ الْمُخَاطَبُ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَهَذَا جَائِزٌ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا ، مَا لَمْ يَمْنَعْ بِهِ حَقًّا شَرْعِيًّا .

قَوْلُهُ : ( وَقَدْ عَنَّانَا ) هَذَا مِنَ التَّعْرِيضِ الْجَائِزِ بَلِ الْمُسْتَحَبِّ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْبَاطِنِ أَنَّهُ أَدَّبَنَا بِآدَابِ الشَّرْعِ الَّتِي فِيهَا تَعَبٌ لَكِنَّهُ تَعَبٌ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ مَحْبُوبٌ لَنَا ، وَالَّذِي فَهِمَ الْمُخَاطَبُ مِنْهُ الْعَنَاءَ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْبُوبٍ .

قَوْلُهُ : ( وَأَيْضًا وَاللَّهِ لِتَمَلُّنَّهُ ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ ، أَيْ : تَضْجَرُونَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الضَّجَرِ .

قَوْلُهُ : ( يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا فَيُقَالُ : رُهِنَ فِي وَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ( يُسَبُّ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ السَّبِّ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ كِتَابَ مُسْلِمٍ ( يَشِبُّ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الشَّبَابِ ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَ ( الْوَسْقُ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا ، وَأَصْلُهُ : الْحِمْلُ .

قَوْلُهُ : ( نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ ) هِيَ بِالْهَمْزَةِ ، وَفَسَّرَهَا فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهَا السِّلَاحُ وَهُوَ كَمَا قَالَ .

قَوْلُهُ : ( وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ ) أَمَّا ( الْحَارِثُ ) فَهُوَ : الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ ابْنِ أَخِي سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَأَمَّا ( أَبُو عَبْسٍ ) فَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَقِيلَ : عَبْدُ اللَّهِ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ ( جَبْرٌ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ، وَيُقَالُ : ابْنُ جَابِرٍ ، وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ ، شَهِدَ بَدْرًا وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ ، وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ الْعُزَّى ، وَهُوَ وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ . وَأَبُو عَبْسٍ بِالْوَاوِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( وَأَبِي عِيسٍ ) بِالْيَاءِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا ، وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي يَأْتِيهِ .

قَوْلُهُ : ( كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ ) أَيْ : صَوْتُ طَالِبٍ أَوْ صَوْتُ سَافِكِ دَمٍ ، هَكَذَا فَسَّرُوهُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدٌ وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نَائِلَةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ، قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : قَالَ لَنَا شَيْخُنَا الْقَاضِي الشَّهِيدُ : صَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدٌ وَرَضِيعُهُ أَبُو نَائِلَةَ ، وَكَذَا ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ أَبَا نَائِلَةَ كَانَ رَضِيعًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ( وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ ) قَالَ : وَهَذَا عِنْدِي لَهُ وَجْهٌ إِنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ رَضِيعًا لِمُحَمَّدٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .