فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْأَمْرِ بالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ ، الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ

باب وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ
[ سـ :3538 ... بـ :1842]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ أَيْ : يَتَوَلَّوْنَ أُمُورَهُمْ كَمَا تَفْعَلُ الْأُمَرَاءُ وَالْوُلَاةُ بِالرَّعِيَّةِ ، وَالسِّيَاسَةُ : الْقِيَامُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا يُصْلِحُهُ .

فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَوْلِ : هَلَكَ فُلَانٌ ، إِذَا مَاتَ ، وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ بِهِ ، وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ قَوْلُهُ تَعَالَى : حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا .

( قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ " قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : فُوُا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ ) قَوْلُهُ : ( فَتَكْثُرُ ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنَ الْكَثْرَةِ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ ( فَتَكْبُرُ ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَأَنَّهُ مِنْ إِكْبَارِ قَبِيحِ أَفْعَالِهِمْ ، وَهَذَا تَصْحِيفٌ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَةٍ بَعْدَ خَلِيفَةٍ فَبَيْعَةُ الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا ، وَبَيْعَةُ الثَّانِي بَاطِلَةٌ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهَا ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَبُهَا ، وَسَوَاءٌ عَقَدُوا لِلثَّانِي عَالِمِينَ بِعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ جَاهِلِينَ ، وَسَوَاءٌ كَانَا فِي بَلَدَيْنِ أَوْ بَلَدٍ ، أَوْ أَحَدُهُمَا فِي بَلَدِ الْإِمَامِ الْمُنْفَصِلِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ ، وَقِيلَ : تَكُونُ لِمَنْ عُقِدَتْ لَهُ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ ، وَقِيلَ : يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، وَهَذَانِ فَاسِدَانِ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ لِخَلِيفَتَيْنِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ اتَّسَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا ، وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ : قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِشَخْصَيْنِ ، قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِاثْنَيْنِ فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ . قَالَ : فَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَتَخَلَّلَتْ بَيْنَهُمَا شُسُوعٌ فَلِلِاحْتِمَالِ فِيهِ مَجَالٌ ، قَالَ : وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْقَوَاطِعِ ، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَصْلِ ، وَأَرَادَ بِهِ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ ، وَلِظَوَاهِرِ إِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3539 ... بـ :1843]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ وَوَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ قَالَ تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ ؟ قَالَ : تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ ) هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْإِخْبَارُ مُتَكَرِّرًا ، وَوُجِدَ مُخْبَرُهُ مُتَكَرِّرًا .

وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي ظَالِمًا عَسُوفًا ، فَيُعْطَى حَقَّهُ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ وَلَا يُخْلَعُ ; بَلْ يُتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كَشْفِ أَذَاهُ ، وَدَفْعِ شَرِّهِ وَإِصْلَاحِهِ ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا ذِكْرُ اللُّغَاتِ الثَّلَاثِ فِي الْأَثَرَةِ ، وَتَفْسِيرِهَا ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا : اسْتِئْثَارُ الْأُمَرَاءِ بِأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3540 ... بـ :1844]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي فَقُلْتُ لَهُ هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يَقُولُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا قَالَ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالُوا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ إِسْمَعِيلُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ قَالَ رَأَيْتُ جَمَاعَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ

قَوْلُهُ : ( وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ ) هُوَ مِنَ الْمُنَاضَلَةِ ، وَهِيَ الْمُرَامَاةُ بِالنُّشَّابِ .

قَوْلُهُ : ( وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالشِّينِ ، وَهِيَ الدَّوَابُّ الَّتِي تَرْعَى وَتَبِيتُ مَكَانَهَا .

قَوْلُهُ : ( الصَّلَاةَ جَامِعَةً ) هُوَ بِنَصْبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِغْرَاءِ ، وَجَامِعَةً عَلَى الْحَالِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ رُوِيَتْ عَلَى أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ : ( يُرَقِّقُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، وَبِقَافَيْنِ ، أَيْ : يَصِيرُ بَعْضُهَا رَقِيقًا ، أَيْ : خَفِيفًا لِعِظَمِ مَا بَعْدَهُ ، فَالثَّانِي يَجْعَلُ الْأَوَّلَ رَقِيقًا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَقِيلَ : يَدُورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ، وَيَذْهَبُ وَيَجِيءُ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ يَسُوقُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ بِتَحْسِينِهَا وَتَسْوِيلِهَا ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي ( فَيَرْفُقُ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ مَضْمُومَةٌ ، وَالثَّالِثُ : ( فَيَدْفِقُ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَبِالْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ : يَدْفَعُ وَيَصُبُّ ، وَالدَّفْقُ الصَّبُّ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) هَذَا مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَدِيعِ حِكَمِهِ ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يَلْزَمُ أَلَّا يَفْعَلَ مَعَ النَّاسِ إِلَّا مَا يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ) مَعْنَاهُ : ادْفَعُوا الثَّانِيَ ، فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَلَى الْإِمَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِحَرْبٍ وَقِتَالٍ فَقَاتِلُوهُ ، فَإِنْ دَعَتِ الْمُقَاتَلَةُ إِلَى قَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ ، لِأَنَّهُ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ فِي قِتَالِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَى آخِرِهِ ) الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ : أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ ، وَذِكْرَ الْحَدِيثِ فِي تَحْرِيمِ مُنَازَعَةِ الْخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ ، وَأَنَّ الثَّانِيَ يُقْتَلُ ، فَاعْتَقَدَ هَذَا الْقَائِلُ هَذَا الْوَصْفَ فِي مُعَاوِيَةَ لِمُنَازَعَتِهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَتْ قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَةُ عَلِيٍّ فَرَأَى هَذَا أَنَّ نَفَقَةَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَجْنَادِهِ وَأَتْبَاعِهِ فِي حَرْبِ عَلِيٍّ وَمُنَازَعَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ إِيَّاهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ، وَمِنْ قَتْلِ النَّفْسِ ، لِأَنَّهُ قِتَالٌ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مَالًا فِي مُقَاتَلَتِهِ .

قَوْلُهُ : ( أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ) هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمُتَوَلِّينَ لِلْإِمَامَةِ بِالْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ إِجْمَاعٍ وَلَا عَهْدٍ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ ، وَقَالَ : وَهُوَ غَلَطٌ ، وَصَوَابُهُ ( الْعَائِذِيِّ ) بِالْعَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، قَالَهُ ابْنُ الْحُبَابِ النَّسَّابَةُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالسَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ فَقَالَ : هُوَ ( الصَّائِدِيُّ ) وَلَمْ يَذْكُرَا غَيْرَ ذَلِكَ ، فَقَدِ اجْتَمَعَ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالسَّمْعَانِيُّ عَلَى ( الصَّائِدِيِّ ) قَالَ السَّمْعَانِيُّ : هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى ( صَائِدٍ ) بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ ، قَالَ : وَصَائِدٌ اسْمُ كَعْبِ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُشَمِ بْنِ حَاسِدِ بْنِ حشَيمِ بْنِ حَوَانَ بْنِ نَوْفِ بْنِ هَمْدَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَحْبَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ .